أحمد لوالدته .. "ماما اشتقتلك، أنا صرت قائد والتاني عالصف"
القدس المحتلة - القسطل: “ماما أنا صرت قائد الأسبوع، وجبت الثاني على الصّف ..”، وكأنّ حال أحمد يقول أمّي هل تسمعينني؟ يا ليتكِ معي فتشاريكني فرحتي، يا ليتكِ معي أنا وأخي ونقضي أيامنا معًا، يا ليتكِ لم تكوني يومًا هناك.. خلف القُضبان.
أحمد (8 سنوات) وآدم (7 سنوات) يتجهّزان في كل ليلة قبل موعد الزيارة، يجمّعان في مخيّلتهما ما سيسردانه على أمّهما من قصص وحكايا ومواقف حصلت معهما في البيت والمدرسة، ورغم أن الطريق كانت مُتعبة بالنسبة لهما وطويلة جداً إلى سجن “الدامون”، إلّا أنهما اليوم كبُرا، وباتا يعرفان تمامًا ماذا تعني هذه الزيارة لوالدتهما، أماني الحشيم (34 عامًا).
مِنْ حادث سير لعملية دهس
اعتُقلت الحشيم في الـ13 من شهر كانون أول/ ديسمبر عام 2016، بعد إطلاق النار على مركبتها بشكل مُباشر أثناء مرورها عبر حاجز قلنديا العسكري شمالي القدس، حيث كانت متوجّهة إلى منزل ذويها في بلدة بيت حنينا (شمالًا).
لم تُصب الحشيم برصاص الاحتلال الذي اتّهمها بمحاولة تنفيذ عملية دهس لجنودٍ كانوا متمركزين على الحاجز. وبعد تعرّضها لتحقيقات قاسية في مركز توقيف “المسكوبية” غربي القدس، حكمت عليها محكمة الاحتلال بالسجن لمدة عشر سنوات، رفضت المحكمة “العليا” الإسرائيلية أن تخفّض منها شيئًا.
يحتجز الاحتلال الأسيرة أماني في سجن “الدامون” حيث تقضي أيّامها في قراءة الكتب التي تطلبها من ذويها، وتسمح بإدخالها إدارة السّجن بعد تفتيشها بشكل دقيق، حيث أنهت بحسب عائلتها قراءة نحو 120 كتابًا منذ اعتقالها.
الابنة الوحيدة
تقول إلهام الحشيم، والدة الأسيرة، إن أماني لم تكن ابنتها بل شقيقتها وصديقتها وحبيبتها، فقد كانت الابنة الوحيدة بين أربعة شبّان. تحبُّ العلم وتطوير الذّات، وكانت تطمح لأن تكون عميدة في الجامعة.
أماني حاصلة على بكالوريوس في العلوم السياسية ودراسات دبلوماسية من جامعة القدس، إلى جانب دراسة الماجستير في التخصص ذاته في جامعة بيرزيت، لكنّ الاحتلال اعتقلها قبل أيام قليلة من موعد مناقشة الرّسالة، وتُبيّن والدتها أنها كانت تحبّ العلم كثيراً، فكانت في كل فترة تسجّل في دورات تتعلّق بالعلاقات الدولية والدبلوماسية أو تتعلّق باللغات الأجنبية.
وتشير إلى أن ابنتها الوحيدة كان طموحها استكمال دراستها والحصول على درجة الدكتوراه في التخصص الذي تُحبّه، لتصبح بعدها عميدة في الجامعة إلّا أن الاحتلال حرمها من ذلك.
وفي السّجن، تقول والدتها إنها مرشّحة لأن تدرّس الأسيرات ممّن نجحن في الثانوية العامّة، لكن هناك إجراءات عديدة تقوم بها إدارة السجون قبل تلك الخطوة، كما أنها تحفظ القرآن الكريم، وتقرأ الكتب التي تطلبها منّا بشكل مستمرّ.
“أنا همّي كبير .. همّي أولادي”
45 دقيقة يحول بينها وبين أحمد وآدم زجاج لعين، وسماعة هاتف، يتمنّون لو أنّها لم تكن، وما إن يحين موعد دخولهما إليها في آخر عشر دقائق من الزيارة، حتى يهرعان إلى حضنها، يقبّلانها وتقبّلهما، فتروي عطش الأيام والسنوات التي حُرمت فيها من أن تكون معهما.
تقول جدّة الطفلين، إنهما كانا يتعبان من الطريق إلى السّجن (كانا يبلغان من العمر 5 و4 سنوات) ويقولان لها: “بيت ماما بعيد كتير .. ما بدنا نروح”، واستدركت قائلة: “لكنّهما كبُرا اليوم، فهما يتسابقان لرؤيتها، يُريدان الحديث أكثر معها، وهمّ أماني الوحيد أن تطمئن عليهما”.
ماما .. أتسمعينني ؟
لا يوجد وسيلة تواصل بين الأسيرات وذويهنّ، إلّا عبر المحامين والرسائل الخطيّة التي تُعطى لأسيرة قد أنهت مدّة حكمها وسيُفرج عنها، أو عن طريق البرامج الإذاعية التي تخصص لذوي الأسرى.
في الماضي لم يكن أحمد وآدم يتقبّلان فكرة أن يتحدّثا مع والدتهما عبر الإذاعة، وكانا يقولان لجدّتهما “لا يوجد أحد”، واليوم بدأ الطفلان يستوعبان الفكرة، بحسب ما قالت جدتهما.
“ماما أنا جبت التاني على الصف، وصرت قائد هذا الأسبوع ، ماما أنا اشتقتلك” .. تلك كلمات أحمد التي قالها لأمه مؤخراً عبر الإذاعة.
أماني لا تغيب أبداً عن بال والدتها، كما أنّ صورتها حاضرة دائماً، تحدّثها في كلّ حين، حتى في المناسبات تبقى صورتها موجودة، ففي حفل زفاف شقيقها وُضعت صورتها في القاعة وخطّ أقرباؤها لها أجمل العبارات والأمنيات بالفرج والحريّة.