منى الكرد ابنة الشيخ جراح تقود معركة إثبات الحقائق للعالم
القدس المحتلة - القسطل: "تسع سنوات نمشي قدام البيت وهو مغلق ونفسنا نعيش فيه وندخلو، وفي النهاية صدر قرار بجواز أن يسكن المستوطن الإسرائيلي فيه!!".
بهذه الكلمات بدأت منى الكرد الشابة المقدسية التي تسكن حي الشيخ جراح في القدس قصتها، واصفة مشاعر الطفلة ذات العشرة أعوام التي شهدت إغلاق منزلها وتسليمه لمستوطنين دون حق، فكيف بدأت قصة منزلها، ولماذا تُستهدف منازل الحي من قبل الاحتلال؟.
بدأت قصة حي الشيخ جراح بين عامي 1954 – 1956 عندما عقدت الأونروا والحكومة الأردنية اتفاقاً مع 28 عائلة لاجئة من مدينة حيفا، يقضي بالتخلي عن حقوقهم كلاجئين مقابل منحهم بيوتاً في أراضي حي الشيخ جراح في القدس، التابعة للأردن في ذلك الوقت، على أن تُسجل هذه الأراضي رسمياً بأسماء العائلات بعد 3 سنواتٍ من تكوينهم لمجتمعٍ حضاري، لكن الأردن لم تفعل ذلك، وفي عام 1967 احتُلت القدس على يد الاحتلال الإسرائيلي، وظلت الأراضي غير مسجلة بأسماء سكان الحي.
مع تقدم السنوات، التفتت الجمعيات الاستيطانية لمنطقة حي الشيخ جراح، وبدأت تخطط لبناء 200 وحدة استيطانية فيه بعد تهجير سكانه العرب، حيث قامت بتزوير أوراق ثبوتية وسجلتها باسمها ثم تذرعت بأحقيتها بالأرض، وبدأت المحاكم بين المستوطنين والفلسطينيين، ونجح المستوطنون بالاستيلاء على أحد منازل عائلة الكرد عام 2008، ومنزلين آخرين يتبعان لعائلة الغاوي وحنون عام 2009، ثم في نهاية عام 2009 كان منزل منى الكرد هدف الاستيلاء القادم.
تقول الكرد في مقابلة مع "القسطل": “بعد أن تزوج والدي نبيل الكرد وأنجبنا، رأى أن البيت الذي حصلت عليه والدته بموجب اتفاقية الأردن والأونروا لم يعد كافيًا، لذلك قرر أن يبني بيتًا صغيراً بجانب بيت جدتي، وقد حاول مراراً الحصول على تراخيص من محكمة الاحتلال إلا أنها رفضت منحه ترخيصاً للبناء، لكنه قرر أن يبني كما كل المقدسيين، وعندما انتهى من البناء عام 2000، استيقظت عائلتنا على قرار من المحكمة بإغلاق البيت حتى إشعارٍ آخر، وألزمتنا بدفع غرامات وصلت إلى 30 ألف دولار بحجة البناء بدون ترخيص.
ظلت الكرد طوال 9 سنوات تمر من أمام بيتها المغلق، وتحلم بالعيش فيه يوماً ما. وتقول:" أمنيتي كانت أن أملك غرفتي الخاصة التي أستطيع أن أرتبها وأضع فيها ذكرياتي، مقتنيات السفر وصوري والأشياء التي أحب، وهو حقٌّ بسيط لكنني حرمت منه!".
عام 2009 صُدمت عائلة الكرد بقرار المحكمة بالسماح للمستوطنين بالسكن في منزل العائلة، الذي كان عليه دعاوى بالهدم بسبب عدم ترخيصه، ثم تحول ذلك لسماحٍ لمجموعات شبابية استيطانية بالسكن في المنزل.
حاولت العائلة ومحاميها الطعن في قرار المحكمة وطلب هدم المنزل بدلاً من مقاسمته مع المستوطنين إلا أن المحكمة قابلت هذا الطلب بالرفض، وهكذا كبرت منى وإخوتها، يتقاسمون مع المستوطن مدخل بيت واحد، ويحرمون من العيش في بيتهم الجديد، وفوق كل هذا يتم إيذاؤهم من المستوطنين، مرة بتخويفهم بالكلاب ومرة بمطاردتهم وأخرى بإلقاء النفايات عليهم، أو بضربهم، كل ذلك حصل بهدف الضغط على عائلة الكرد على ترك المنزل والرحيل، إلا أنها أبت ذلك.
لم تنتهِ القصة هنا، أصدرت محكمة الاحتلال حديثاً قراراً بتهجير 28 عائلة مقدسية في الحي ذاته، وكانت عائلة منى الكرد إحداها، فلم يتوقف الاحتلال عند إغلاق بيتها ومنحه لمستوطن، بل تجاوز هذا الأمر لإصدار قرارٍ بتهجيرها للمرة الثانية، بعد هجرتهم الأولى عام 1948 من مدينة حيفا، وهنا قادت منى حملة على وسائل التواصل الاجتماعي وأطلقت هاشتاغ#savesheikhjarrah، ودعت العالم للوقوف مع أهالي الحي المهددين بالتطهير العرقي.
لقي الهاشتاغ تفاعلاً واسعاً وصل إلى 4.5 مليون تغريدة، وتوجه العديد من المتضامنين للحي للوقوف سلمياً مع الأهالي، وخرجت منى وأخوها محمد ووالدها نبيل الكرد إلى وسائل الإعلام ليشرحوا للعالم ما الذي يحصل بالضبط، وبالتأكيد لم يرحب الاحتلال بهذا لذلك قمع المتضامنين في حي الشيخ جراح وقام برشهم بالمياه العادمة واعتقل وضرب العديد منهم، وكان محمد الكرد أحد الشبان الذين تعرضوا للضرب والاعتقال بعد أن تحدث لقناة CNN الأمريكية عن الأوضاع الحقيقية التي يعيشونها في الحي.
قضية الشيخ جراح لاقت تضامناً واسعًا حيث خرجت مئات المسيرات التضامنية حول العالم، منددةً بجرائم الاحتلال ومتضامنة مع الشعب الفلسطيني، ونتيجة للغضب العالمي إثر قضية الشيخ جراح التي حدثت بالتزامن مع قصف "إسرائيل" لقطاع غزة، قررت محكمة الاحتلال تأجيل قرار التهجير حتى تاريخ 8/6/2021، ولكن التأجيل لا يعني إلغاء القرار بالطبع.
لم تنتهِ القصة هنا، فحتى مع تأجيل قرار المحكمة، أغلقت شرطة الاحتلال الحي بالحواجز الحديدية، ومنعت وصول المتضامنين والصحفيين إليه، واستمرت عناصر الاحتلال بمضايقة الأهالي المعتصمين أمام منازلهم بالاقتحامات والضرب والتنكيل، أما منى الكرد قد تبدو للوهلة الأولى أنها متعبة وذابلة الملامح، لكنها في حقيقة الأمر قوية كما الزيتون وما زال نفسها طويلاً لمواجهة معركة الحقائق وإثبات ملكيتها للأرض لكل العالم.
بكت منى وقالت:" أنا لا أبكي أبداً، لكنني أبكي الآن لأن هذا المحتل سرق منزلي وأنا التي ولدت وتربيت هنا قبل مجيء هؤلاء المستوطنين، هذا منزلي وهذه أرضي، ولن أخرج من بيتي ولو صدر قرار المحكمة بالتهجير سأربط نفسي بجنزيرٍ في البيت ولن أخرج.