بالأمس أعلنت عن إقامة "مسيرة الأعلام" واليوم تراجعت.. فما السبب والدلالات؟
القدس المحتلة - القسطل: تراجعت شرطة الاحتلال اليوم الإثنين عن قرارها السابق بالسماح للمستوطنين بإقامة “مسيرة الأعلام” التعويضية التي كان من المقرر إقامتها الخميس القادم في القدس والبلدة القديمة. ساعات قليلة ما بين صدور القرار الأول والثاني، فما الذي يحصل وما دلالات هذا القرار المفاجئ؟.
الأكاديمي والباحث في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة أوضح لـ”القسطل” أن دلالات القرار تشي بحالة التناقض والتخبّط الداخلي في المستوى السياسي “الإسرائيلي”، فالنظام السياسي يعيش حالة من الانهيار في بنيته، وأن هذا التناقض سببه وجود حالة من الشد والجذب بين تيّاريْن في الحكومة.
وأضاف أن بنيامين نتنياهو ووزير الأمن الداخلي أمير أوحانا ومفتش الشرطة العام في القدس كوبي شبتاي، يوظفون سلطاتهم من أجل تفجير المشهد في المدينة المقدسة، فنتنياهو يدفع من خلال حملة التحريض التي يشنها على حكومة التغيير على نزع الشرعية عنهم، من خلال التهديد والتحريض واستخدام كل الأدوات لمنع تشكيل الحكومة، لأن في ذلك ليس فقط غيابه عن المشهد السياسي وإنما غيابه عن الحياة ودخوله السجن.
وأشار إلى أن التيار الثاني الذي يواجه نتنياهو، هو تيار وزير الجيش بني غانتس، وعمليًا من مسؤولياته وصلاحياته قضية “الأمن”، موضحًا أن غانتس يحاول أن يمنع وزير الأمن الداخلي ومفتش عام الشرطة من أن يصدروا تصريحًا لجماعات “المعبد” بإقامة مسيرة الأعلام في القدس.
وأكد أن غانتس يدرك تمامًا أن هناك أهداف من فعل نتنياهو ذاك، ليس حبًا في المستوطنين بقدر ما هو قضية التخريب على هذا المسعى الذي تقوم به حكومة التغيير.
وبيّن أن ما حصل من طرف الشرطة بالأمس واليوم والقرارات المتخبّطة، دليل على وجود صدام داخلي وحالة تناقض وتجاذب داخلية في بنية النظام السياسي في مستوياته السياسية والأمنية، حتى وصل الأمر إلى فرض التيار المدعوم من غانتس بإيقاف هذه المسيرة.
التدخّل الأمريكي ..
وأوضح هلسة أن الولايات المتحدة أيضًا تدخلت في إقامة هذه المسيرة، حيث أعربت الإدارة الأمريكية عن قلقها من أن تؤدي المسيرة في حال السماح للمستوطنين بإقامتها من تفجير الأوضاع مجددًا.
ولفت إلى أن الإدارة الأمريكية تُريد أن تطوي صفحة نتنياهو وهي لا تريد السماح له بالتخريب على هذا المسعى، وإعادة لملمة الأوراق والدخول في مسار سياسي.
المقاومة والتصعيد في الرّد..
وأكد أن “إسرائيل” تقرأ المشهد جيدًا، وتتخذ خطواتها ليس اعتباطًا، بل لاعتبارات وحسابات مختلفة، سواء على المستوى الأمني أو السياسي، وتخوض معاركها وفق هذه الاعتبارات. “إسرائيل” تدرك أن المسألة ليست مزحة، ففي المرة الماضية جاء التحذير من اندلاع مواجهة عسكرية فيما لو لم يتم سحب المستوطنين من المسجد الأقصى وحدثت المواجهة.
أما هذه المرة، بحسب هلسة، فالعملية أكبر من مقاومة، حيث تم رفع سقف التحدي على لسان الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في أن “أي اغتيال لعناصر المقاومة سيؤدي إلى الرد”، وعلى لسان الأمين العام لحزب الله الذي قال “إن الدخول لساحة القدس مجددًا سيعني الدخول على مستوى الإقليم في حرب”. فهذه عناصر تأخذها “إسرائيل” بعين الاعتبار، وهي تعيش حالة قرار سياسي، لا توجد حكومة حالية قادرة على اتخاذ قرار بالحرب والمواجهة في ظل هذا التفكك الذي تعيشه، وهذه الاعتبارات مهمة جدًا. عندما نتحدث عن الخوض في حرب، يعني حكومة مستقرة، ونظام سياسي مستقر، قادر على تحمل التبعات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية للدخول في مواجهة، بحسب الباحث في الشأن الإسرائيلي.
وقال إن لا أحد يرغب في “إسرائيل” أن يجر “المجتمع الإسرائيلي” اليوم إلى مواجهة عسكرية جديدة، فـ”إسرائيل” لم تتعافَ بعد من المواجهة الأخيرة. وأضاف: “إسرائيل الآن تأخذ هذه التحذيرات على محمل الجد”.
بعد قرار شرطة الاحتلال بإلغاء المسيرة، خرجت أصوات اليمين المتطرف، وأعضاء في الكنيست قالوا: “لقد وصلنا إلى وضع مخز.. السنوار وقادة المقاومة هم من يحددون برنامج عملنا”.
أوضح هلسة: “أن هؤلاء يشعرون بالانكسار فهم يريدون حكومة يمينية قوية قادرة على مواجهة التحديات، لكن في المقابل هناك حالة من النهوض على الساحة والجبهة الفلسطينية والوعي والوجدان والمقاومة الفلسطينية، التي نتمنى أن تستمر في اتجاه تحرير البلاد”.