مآذن المسجد الأقصى .. تاريخٌ وحضارة وفنٌ معماريّ

مآذن المسجد الأقصى .. تاريخٌ وحضارة وفنٌ معماريّ

القدس المحتلة - القسطل: يضم المسجد الأقصى أربع مآذن، بُنيت جميعها بين عامي (677 هــ - 769 هــ) (1278-1367م) في العهد المملوكي، حيث تَقع ثلاثةٌ منها على امتداد الجهة الغربية من المسجد الأقصى المبارك، ابتداءً من باب الغوانمة مروراً بباب السلسلة ثم باب المغاربة، والمئذنة الرّابعة تقع في الجهة الشمالية بين بابي الأسباط وحطة.

إن الدارس لطبغرافية الأرض التي بنيت عليها الأقصى وما فيها من قباب ومدارس وعمائر ليدرك تماماً أن هناك سببين واضحين لعدم وجود مآذن في الجهتين الجنوبية والشرقية، الأول؛ أن الأقصى بني على تلة ارتفعت في الوسط والشمال وانخفضت في الشرق والجنوب، وإن المآذن بحاجة إلى مكان صلب ومرتفع. والسبب الثاني؛ أن النشاط الإنساني والسكاني بعد الفترة الأموية تمركز في الجهتين الغربية والشمالية وكانت الحاجة لاستخدامها في هذه الأنحاء أكثر من غيرها.1

ومن خلال هذا التقرير سترصد “القسطل” المآذن التي تزين المسجد الأقصى المبارك، وهي على النحو الآتي:

- المئذنة الفخرية أو مئذنة باب المغاربة:

تقع هذه المئذنة في الركن الجنوبي الغربي للمسجد الأقصى، وتعرف كذلك بالمئذنة الفخرية؛ نسبة للقاضي شرف الدين عبد الرحمن بن الصاحب الوزير فخر الدين الخليلي، الذي أشرف على بنائها خلال فترة وظيفته في عهد السلطان ناصر الدين بركة خان (676هـ - 678 هـ / 1277م – 1280م).2

وهذه المئذنة بنيت بلا أساس، وتعد أصغر مآذن المسجد الأقصى، إذ يبلغ ارتفاعها 23.5 متر فقط. تعرض الجزء العلوي منها للتصدع في زلزال عام 1341هـ- 1922م، فهدمه المجلس الإسلامي الأعلى وأعاد بناءها في نفس العام على طراز جميل، ووضعت لها قبة فوق المربع العلوي لم تكن موجودة من قبل، كما قامت لجنة إعمار المسجد الأقصى مؤخرًا بترميمها وكَستْ قبتها بالرصاص.3

والمئذنة اليوم يُصعد إليها من ساحات المسجد الأقصى بـ 50 درجة تقوم أمام المتحف الإسلامي (جامع المغاربة سابقا). وتصارع المئذنة الجليلة منذ سنوات طويلة محاولات المحتلين إسكات الأذان فيها بدعوى أنه يزعجهم، ما أجبر إدارة الأوقاف الإسلامية بالقدس على تعديل وضع السماعات فيها بحيث تتجه داخل الأقصى وتخفيض صوتها، ليحرم سكان بلدة سلوان الواقعة جنوبي المسجد من سماع أذانها.4

- مئذنة باب السلسلة:

تسمى منارة المحكمة، وذلك لاتخاذها محكمة في العصر العثماني. وقد أنشأها الأمير سيف الدين تنكز بن عبد الله الناصري، سنة (730 هـ/1329-1330م)، في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون. وتقع غرب المسجد الأقصى، على بعد بضعة أمتار من باب السلسلة. وقام المجلس الإسلامي الأعلى بتجديد بناء قبتها وزخارفها سنة (1341هـ- 1922م).5

وتتكون هذه المئذنة من بناء حجري مربع الشكل على غرار معظم المآذن المملوكية. وتقوم على قاعدة مربعة مرتفعة، وفوقها الطابق الأول من بناء المئذنة، وهو مربع أيضاً. وفي كل جهة من جهاته الأربع فتحة لإدخال الضوء والهواء. وتزين كل جهة من جهات الطابق الثاني فتحة تعلوها مقرنصات. وتقوم فوق كل هذا الطابق شرفة حجرية مربعة الشكل، وترتكز على كوابل حجرية وفي وسطها جوسق المئذنة.6

- مئذنة باب الغوانمة:

تقع هذه المئذنة في الركن الشمالي الغربي للمسجد الأقصى بجانب باب الغوانمة.7 ويعود بناؤها الحالي إلى عهد السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين عام 697هـ- 1297م، إلا أن بعض الأثريين نص على أنها بنيت أصلًا في العصر الأموي. كما جددت في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون عام 730هـ- 1329م، فسميت "منارة قلاوون"، كما سميت “منارة السرايا” لقربها من مبنى السرايا الواقع خارج المسجد الأقصى والذي اتخذ مقرًا للحكم في العهد المملوكي، كما جددها المجلس الإسلامي الأعلى سنة 1346هـ- 1927م أثناء الاحتلال البريطاني.8

وتعد من أكثر مآذن المسجد الأقصى ارتفاعًا وإتقانًا في الزخارف ويبلغ ارتفاعها 38.5 متر وتقوم على قاعدة رباعية الأضلاع إلا أن جزءها العلوي ثماني الأضلاع، ويصعد إليها بـ 120 درجة. وبسبب هذا الارتفاع الذي يجعلها تشرف على مختلف نواحي الأقصى سعى الصهاينة إلى السيطرة عليها عبر المدرسة العمرية المجاورة والتي كانت بلدية الاحتلال قد وضعت يدها عليها منذ بدء الاحتلال. كما أن النفق الغربي الذي افتتح عام 1996 يمر قرب أساسات هذه المئذنة، ما أدى إلى تصدعها، واستلزم ترميمها الأخير عام 2001. 9

وقام المجلس الإسلامي الأعلى بتجديد رفتها وافريزها وما يعلوه في سنة (1346هـ/1927م). وتتكون المئذنة من بناء مربع الشكل، يقوم على قاعدة حجرية عالية تنتهي بمجموعة مقرنصات، ويقوم فوقها الطابق الأول. وتوجد فتحة مربعة الشكل في كل واجهة من واجهاتها الأربع. ويقوم الطابق الثاني على غرار الطابق الأول، باستثناء الفتحة، فهي مستطيلة الشكل، وأمامها عمود صغير من الرخام. 10

- مئذنة باب الأسباط:

تقع هذه المئذنة على الرواق الشمالي للمسجد الأقصى، بين بابي الأسباط وحطة. ومن أسمائها "مئذنة الصلاحية" لكونها واقعة في جهة المدرسة الصلاحية (تقع خارج المسجد الأقصى، وأصبحت كنيسة القديس حنة خلال العهد العثماني).11

 بنيت هذه المئذنة في عهد السلطان المملوكي الملك الأشرف شعبان على يدي الأمير سيف الدين قطلوبغا سنة (769هـ – 1367م) على قاعدة رباعية كباقي مآذن الأقصى. وفي الفترة العثمانية أعيد بناؤها بشكل أسطواني على غرار المآذن العثمانية، فأصبحت المئذنة الوحيدة الأسطوانية الشكل في الأقصى.12

يبلغ ارتفاعها 28.5 متر، وقد تصدعت بفعل زلزال عام (1346هـ- 1927م)، ما اضطر المجلس الإسلامي الأعلى إلى هدم القسم العلوي منها وبنائه من جديد. وعند احتلال القدس سنة 1967 تضررت المئذنة إثر إصابتها بالقذائف، وجرى ترميمها بالكامل مرة أخرى بعد ذلك على يد لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك، وكست قبتها بالرصاص.

المصادر والمراجع:

1 عبد الله معروف، ورأفت مرعي، أطلس معالم المسجد الأقصى، (عمان: مؤسسة الفرسان للنشر والتوزيع، 2010)، ص 44-45.

2 وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية وفا، المعالم الإسلامية في القدس.

3 موقع الجزيرة نت، مآذن الأقصى، 6/2/2016.

4 المرجع السابق.

5 رائف يوسف نجم، كنوز القدس، (دمشق: وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب، 1983)، ص 187.

6 المرجع السابق.

7 دائرة الدبلوماسية والسياسات العامة في منظمة التحرير الفلسطينية، المعالم الإسلامية في القدس، 25 شباط 2013.

 8 موقع الجزيرة نت، مآذن الأقصى، 6/2/2016.

9 المرجع السابق.

10 رائف يوسف نجم، كنوز القدس، (دمشق: وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب، 1983)، ص 161.

11 معروف، ومرعي، أطلس معالم المسجد الأقصى، ص 5

12 المرجع السابق.

13 المرجع السابق.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: