أحمد وبيان.. حبٌ يخترقُ جدارن الدامون ونفحة
القدس المحتلة - القسطل: شعارهما "لئن ناءت بنا الأجساد فالأرواح تتصل" فلو أبعد الاحتلال بينهما هي في الدامون شمالاً وهو في نفحة جنوباً، لحلقت نبضاتُ قلبيهما وشوقهما من سجنٍ لآخر. وبعد أن اتصلت القلوب وتم عقد قران "بيان فرعون" والأسير "أحمد عزام" في 27 آذار 2015، فرقتهما سجون الاحتلال وأمضيا فترة خُطوبتهما داخل الأسر.
اعتقلت قوات الاحتلال أحمد عزام من سكنه الجامعي في بلدة أبوديس شرق القدس المحتلة، قبل موعد زفافه بِأربعة أشهرٍ فقط، حيث كان أحمد وبيان مثل أي عروسين يُحضران ليوم زفافهما.
ولكن يد المحتل كانت أسبق بتنغيصِ فرحتهما باعتقال أحمد و الحكم عليه بخمسِ سنواتٍ وثلاثة أشهرٍ.
وعن خبر الاعتقال قالت بيان "عندما أخبرني صديق أحمد باعتقاله صُدمت، ولكن ليس لغرابة الاعتقال فنحن تحت احتلال وسيكون هناك كل يوم أسير وجريح وشهيد، ولا نستغرب على هذه البلاد المضحية دائماً ".
وسردت بيان لـ لقسطل قائلةً: مكث أحمد في تحقيق عسقلان العسكري ٤٥ يوماً بين الشبح والتعذيب، وفي آخر يومٍ له في التحقيق قال له المحققون سوف نسمح لك بالاتصال بخطيبتك، ونُراهنك أنها ستبكي وتقول لك "لا أُريدك، ستُعاتبك وتلومك على اعتقالك".
فردَ أحمد "موافق اتصلوا بها"، وكان عددٌ من المحققين بجانبه.
وأكملت بيان: اتصل بي رقم خاص وشعرت أنه أحمد وكما يقولون قلب المُحب دليله، فأجابت مُسرعة وصوت أحمد كأنه قادمٌ من بئرٍ بعيد، فقلتُ "أحمد؟"، وردَّ "حبيبتي كيفك طمنيني عنك؟".
وبدأت بيان بالصراخ من الفرحة عند سماع صوته بعد مُرور ٤٥ يوماً دون أي أخبار عنه، وأجابته قائلة "أنت تاج رؤوسنا ونحن فخورون بك، وكلنا معك".
وعندما انتقل أحمد إلى سجن عوفر قال لبيان "هل تذكرين مكالمتي الوحيدة فترة التحقيق! هذه كانت رهان من المحققين أنك سوف تتركيني، وعندما سمعوا كلماتك ندموا على فعلتهم ورهانهم، وخابوا وخاب مسعاهم".
وبعد أن كانت بيان تزور خطيبها أحمد في سجون الاحتلال كل أربعة أشهر مرةً واحدة، باتت هي أسيرة القضبانِ مثله.
اعتقلت قوات الاحتلال بيان فرعون في 11 آذار عام 2016 عقب اقتحام منزلها في بلدة العيزرية شرق القدس المحتلة، ومكثت عشرين يوماً في مركز تحقيق المسكوبية، مُنعت خلالها من زيارة المحامي والتواصل مع الأهل.
وقالت بيان "دائماً كنتُ أفكر في أهلي وفي وقع خبر اعتقالي عليهم؛ فاعتقال الفتاة صعب".
وتستذكر بيان قول المحقق لها "الكرسي الذي تجلسين عليه جَلس عليه خطيبك قبل عام"، محاولاً إضعافها.
وذات القيود التي جمعتهما فرقتهم، فلم يلتقيا طيلة فترة اعتقال بيان البالغة ثلاثة سنوات وأربعة أشهر.
وقالت بيان "قدم خطيبي أحمد طلب لزيارتي للمحكمة العليا وشكاوي للمحامين، ولكن سجون الاحتلال جمعتنا داخل الأسر لكنها فرقتنا ومنعونا من أن نلتقي، وفي آخر محكمة قام القاضي بطرد أحمد من المحكمة، وأخبره أنه ممنوع من زيارتي وأننا إرهابيون، وأيضاً قال للمحامية "كيف تُدافعين عن إرهابي وتسمحين له بزيارة خطيبته؟" بالرغم من وجود عقد زواجٍ بيننا".
وأضافت بيان لـ القسطل "كانت طريقة تواصلنا فقط عن طريق الأهل و المحاميين، وكنتُ دائماً أسأل المحامية عنه وأطمئن من أهلي عن أحواله ويخبرونني ماذا يقول لهم، لكن في نفس الوقت كنت أشعر أنه القريب الأقرب دائماً، فهو الحاضر الغائب وكنت اقرأ بين ثنايا حروفه شوقه وأشعر بخوفه علي".
وتابعت بيان بصوتٍ خجول واصفة رسائل خطيبها أحمد بنسماتٍ من الجنة تؤنس روحها وتُخفف غربة السجن، لِتُشعرها أنه بجانِبها وسندها الذي يحميها.
وذات مرة قال أحمد للمحامية "ليتني أتمكن من شراء يومٍ من حكم بيان، ووضعه مؤبد في حكمي لتتحرر".
ووصفت بيان حالها بعد سماعها هذه الأخبار، وقالت "هذه الأخبار كانت تُطبطب على روحي، وكنتُ أعود إلى القسم طائرة مثل الفراشة".
شوقٌ تُكبله قضبان السجن
و كان أحمد قد روى لصديقه في الأسر قائلاً "وقفت البوسطة مطولاً عند كل السجون، وعند سجن الدامون ظل قلبي يصرخ ويعتصر حدة الفراق، وهي تقنطُ أمامه ظل يصرخ ويصرخ يلقاها ولا يلقاها يستذكرُها ولا ينساها غير قادر على أن يُكحل عينهُ بمن يُحب وغير قادرعلى أن يبرق بالنور صوتها".
وتستذكر بيان يوم عيد ميلادها وهي داخل الأسر، فقد بثت إذاعة صوت الأسرى قصيدة من تأليف خطيبها أحمد، وقال المذيع هذه القصيدة إهداء من الأسير أحمد عزام إلى الأسيرة بيان فرعون، فركضت بيان مسرعةً لسماع أبيات القصيدة وكان منها "قل للحبيبة بالحديدِ تصورت شُلت يمينُ البغي عن يُمناكِ"، عندها عم الصمت أرجاء سجن الدامون و أصغت الأسيرات وبيان لهذه الأبيات، وبدأت بيان تقفز وتبكي من الفرح.
وقالت "هذه المفاجأة كانت كفيلة بأن برفع معنوياتي، فهو كان الحاضر الغائب كنتُ أستذكره في كل لحظة، وافتقدته كثيراً ولم يغب عني فكان حاضراً في دعائي وفي ثنايا قلبي و روحي".
وفي 10 تموز 2020، تحررت بيان من قيدها، لكن بقيت فرحتها مؤجلة إلى حين تحرر حبيب روحها أحمد، الذي قال لها "أنا اليوم تحررت وشعرت أني خارج السجن"، وعندها أصبحت بيان تَعدُ الأيام لخروجه وتحضر لعرسهما.
وكانت قد قالت بيان لأحمد عند اعتقاله "سأنتظرُك والعمر يمضي، إنه يمضي معك رغم البعد فأنت الأقرب مني دائماً".
وفي 3 آب 2021 ينتهي انتظار بيان ويخرج حبيب روحها أحمد بدقات قلبه التي لطالما حلقت من سجن إيشل أو نفحة والنقب لتحط على سجن الدامون شمالاً، وليكملا سوياً تحضيرات العرس المنتظر، و يزفا أسيرين محررين وعروسين في يوم 13 أب 2021.
. . .