ما الأسباب التي تقف خلف قدرة القدس على إحداث انتفاضات كبرى في فلسطين؟
القدس المحتلة - القسطل: على مدار السنوات المتتالية استطاعت مدينة القدس إحداث انتفاضات كبرى في فلسطين، بدأت شرارتها منها وانطلقت نحو كافة الأراضي الفلسطينية، فمنذ عام 1920 ومدينة القدس على نضال مستمر مع الاحتلال بعد اندلاع اضطرابات عنيفة حدثت بين الفلسطينين واليهود المهاجرين أثناء الاحتفال بموسم النبي موسى.
وفي عام 1929 حدثت هبة البراق بعد محاولة اليهود انتزاع حقوق في ملكية هذا الحائط الغربي، تتجاوز حقهم في زيارة الموقع، وفي عام 1933 خرجت مظاهرات احتجاجاً على هجرة اليهود إلى فلسطين انتشرت بعدها في كافة أرجاء الوطن، أما عام 1936 اندلعت الثورة الكبرى التي استمرت حتى عام 1939.
وفي عام 1987 شهدت الانتفاضة الأولى بعد انطلاقها من قطاع غزة إلى كافة أنحاء الوطن، وفي عام 1996 اندلعت هبة النفق احتجاجاً على افتتاح نفق أسفل الرواق الغربي للمسجد الأقصى بعد سنوات من عمليات هدم حارة المغاربة.
أما في عام 2000 فقد اندلعت انتفاضة الأقصى عقب اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون المسجد الأقصى المبارك، وتجوله في ساحاته بشكل استفزازي، وصولاً إلى النصف الثاني من عام 2015 إلى تلك الهبات التي انطلقت نتيجة توتر الأحداث في مدينة القدس من اقتحامات متلاحقة واعتداءات متكررة على المرابطين.
وفي عام 2017، انطلقت هبة الأقصى احتجاجاً على وضع سلطات الاحتلال بوابات إلكترونية لتفتيش وفحص المصلين على الأبواب، ومؤخراً في رمضان العام الجاري اندلعت هبة باب العامود والتي أدت لاندلاع معركة "سيف القدس".
الجعبري: 4 أسباب لاشتعال الانتفاضات الكبرى منها
وحول ذلك قال الباحث في جمعية الدراسات العربية مازن الجعبري في مقابلةٍ مع القسطل "أعتقد أن هناك عدة أسباب تقف خلف أن القدس دائماً هي من تشعل الانتفاضات والهبات الكبرى مثلما شاهدنا بالانتفاضة الثانية، وكافة هبات عام 2015، والسبب الرئيسي هو مركزية ومكانة القدس بالنسبة للفلسطينيين وأيضاً للعرب والمسلمين، أي العامل الديني الذي له أهمية كبيرة عند المسلمين والمسيحيين، والذي جمع حولها عدد كبير من الناس ينظرون إليها بطريقة مقدسة".
ويعتقد الجعبري أن مركزية مدينة القدس وأهميتها التاريخية والجغرافية والوطنية بالنسبة للفلسطينيين ساهمت بشكل كبير؛ فهي تشكل قلب الوعي لدى الإنسان الفلسطيني أينما كان.
وحول السبب الثالث الذي جعل مدينة القدس مركزاً لاشتعال الانتفاضات الكبرى، تابع "هناك أسباب سياسية مثل توقيع اتفاقية أوسلو عام 1991؛ فبعد توقيع هذا الاتفاق تم التنازل عن الحديث عن موضوع القدس، رغم أنها الموضوع المركزي لدى الفلسطينيين، وعلى إثر توقيع الاتفاق لجأت "إسرائيل" لعزل القدس بشكل كامل حتى اليوم عن محيطها الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ من خلال إقامة حواجز عسكرية، وبناء جدار الفصل العنصري عام 2006".
وأشار الجعبري إلى أن هذه الأسباب السياسية جعلت أهمية كبيرة لمدينة القدس في قلوب الفلسطينيين؛ لأنهم لم يعد باستطاعتهم الوصول إليها من جانب، ومن جانبٍ آخر بدأ المقدسيون يفقدون شعور أنهم جزء من هذا الامتداد الجغرافي في فلسطين.
وأضاف الجعبري أن "العامل الرابع هو أن القدس تشكل قضية مركزية للمشروع الصهيوني من ناحية قومية ودينية، وهذا ما جعل "إسرائيل" تقوم بإجراءات كبيرة لمحاولات تهويد المدينة وأصالتها من خلال البناء الاستيطاني، وتغيير المناهج الفلسطينية، وهدم منازل الفلسطينيين لترحيلهم وغيره.. فهناك حرب حقيقية داخل مدينة القدس مستمرة طوال الوقت، والآن الصراع يتمركز ويتمحور بين المشروع الصهيوني والمشروع الفلسطيني".
وعند سؤاله عن إمكانية حدوث انتفاضة كبرى تنطلق من مدينة القدس، أجاب "من تجاربنا التاريخية في مدينة القدس من المتوقع أن تحدث انتفاضة كبرى يكون شعارها "إنهاء الاحتلال الصهيوني في أرض فلسطين"؛ فما زال الوضع السياسي يذهب للهاوية، لكن العوامل الذاتية لقيام انتفاضة كبرى لم تكتمل بعد بسبب الانقسام والضعف، وبسبب الوضع الإقليمي والعالمي الصعب".
وأكد الجعبري على أن المشروع الصهيوني لا يزال يمتد على جميع أنحاء فلسطين، وأن هذا سيؤدي إلى مواجهة كبرى بين الشعب الفلسطيني وبينهم خلال الفترات القادمة لكن من الصعب تقدير متى؛ بسبب صعوبة توقع تحركات الحراك الشعبي.
عمرو: تحتل مكانة مميزة وقيادية في النفوس
وفي مقابلةٍ مع المختص في تاريخ القدس وشأنها جمال عمرو، قال لـ القسطل إن "الرمزية والمكانة التي تحتلها مدينة القدس في نفوس الشعب الفلسطيني، والأمة العربية والإسلامية، وفي نفوس أحرار العالم هي مكانة عالية ومميزة، ومكانة قيادية بمعنى أنها إذا قالت فعلت، وإذا استنجدت أو نادت لُبي نداءها".
وأشار عمرو إلى أن مكانة هذه المدينة المقدسة جعلت الخليفة عمر بن الخطاب يأتي لها سيراً على الأقدام، وفي رمضان الماضي عندما صرخت "مشان الله يا غزة يلا" كان الرد مباشرةً بالاستجابة، واندلعت حرب "سيف القدس".
وتابع "مكانتها محفوظة في النفوس، وهي مكانة خاصة وسورة في كتاب الله من يتقرب إليها فهو يتقرب إلى الله، ولأنها مدينة الأنبياء ومسرى الرسول –عليه الصلاة والسلام- فكل هذا جعل نداءها يستجاب مباشرة".
ويعتقد عمرو أن القدس في الفترة القادمة سوف تحرك مشاعر أبناء فلسطين الذين نفذ صبرهم، وأبناء الأمتين العربية والإسلامية وسوف ينطلقون نحو الميادين من أجل تحريرها.
. . .