مشروع بشار المصري للإسكان في القدس.. ما الذي يُخفيه؟
القدس المحتلة - القسطل: إعلانات مكثّفة ومموّلة عبر منصّات التواصل الاجتماعي لأضخم مشروع سكني في مدينة القدس المحتلة، مشروعٌ بدأ العمل به شمالي بلدة بيت حنينا، شمال القدس المحتلة، “مرخّص” من بلدية الاحتلال، والقائم عليه بشار المصري.
أُطلق على المشروع السكني اسم "لنا في القدس حياة"، وكتب المصري على صفحته عبر فيسبوك: “من قلب القدس وبعد 10 سنوات من العمل الدؤوب، يسعدني أن أعلن عن البدء بتنفيذ بناء حي عصري متكامل.. أصبح "لنا" أكبر مشروع فلسطيني في القدس، وأدعو للمزيد من هذه المشاريع الرائدة”.
ما هو هذا المشروع ؟
تم الإعلان قبل أيام عن إطلاق ما قيل عنه “أكبر مشروع تطوير بنياني في شرقي القدس” باسم حي “لنا” في بلدة بيت حنينا، في شراكة ما بين بطريركية الروم الأرثوذكس وشركة مسار العالمية ومقرها مدينة روابي.
بطريرك القدس وسائر أعمال فلسطين والأردن البطريرك ثيوفيلوس، المتهم بتسريب وبيع أملاك الكنيسة للاحتلال، كان من ضمن المشاركين في إطلاق المشروع، إلى جانب مفتي الديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، ومدير دائرة الأوقاف الإسلامية عزام الخطيب، ورئيس مجلس إدارة شركة مسار العالمية بشار المصري.
المشروع سيحوي 400 شقة سكنية ومركزًا تجاريًا يضم متاجر لأشهر الماركات العالمية، ودور سينما، ومطاعم ومقاهي، ومكاتب، بالإضافة إلى مدرسة نموذجية وحضانة ومساحات خضراء للترفيه، على خطى “روابي” بمدينة رام الله.
“مشروع فلسطيني للتطوير السكني، ورمز للتعاون بين بطريركية الروم الأرثوذكس والمجتمع المحلي لتحسين مستويات المعيشة، وتوفير السكن، وفرص العمل لآلاف المقدسيين، وسيساهم في تقوية الاقتصاد المحلي”، هكذا تم الترويج للمشروع.
مطوّر المشروع المصري، قال إن قيمة المشروع تبلغ مليار شيقل ومضى على السعي للحصول على التراخيص اللازمة من قبل الاحتلال الإسرائيلي مدة عشر سنوات.
أما عن الترتيبات المالية لشراء الشقق، قال المصري إن إدارة مشروع “لنا” أنهت تقريباً مرحلة المفاوضات مع عدد من البنوك الفلسطينية لتوفير قروض لشراء الشقق بحيث يدفع المشتري ما قيمته 20 إلى 25 ٪ من قيمة الشقة والباقي يتم تقسيطه لمدة 15 سنة، مضيفاً ان سلطة النقد الفلسطينية وفرت حوافز للبنوك الفلسطينية لتشجيعها على توفير القروض اللازمة.
مصادر لـ "القسطل": المصري حاول استغلال حاجة المقدسيين للسكن
تكشف مصادر خاصة لـ"القسطل" أن المصري حاول الحصول على قرض من الصندوق العربي الإنمائي والذي يقع مقره في الكويت بقيمة 500 مليون شيقل تقريبًا بحجة تجهيز المشروع، بنسبة فائدة منخفضة وفترة سداد 25 عامًا، لكنّ طلبه قوبل بالرفض، بسبب أن المشروع استثماري ولا يتناسب مع شروط القروض التي يقدمها الصندوق.
وتقول المصادر إن المصري حصل على قرض من الصندوق في وقت سابق لمدينة روابي برام الله، بذريعة أنها مشروع إسكاني يساهم في تأمين المسكن لقطاعات معينة، وهو ما ثبت عكسه، وهو يحاول القيام بالأمر ذاته في ما يتعلق بالمشروع الجديد.
وتوضح المصادر أنه يحاول تقديم قروض لمشاريع يغلفها بإطار إنساني أو تنموي من منطلق أن الصندوق العربي يولي اهتماماً خاصاً للدول العربية الأقل نمواً، ويقدم الدعم للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، من خلال تمويل المشاريع في مختلف القطاعات. ولهذا، كانت حجة المصري أن المشروع سيساعد المقدسيين على توفير المسكن، لكن ذلك رُفض من قبل الجهة التي قدم لها طلب القرض لأن الأسعار التي قدمها مرتفعة.
وتؤكد المصادر أن سعر الشقة المرتفع كان السبب الأهم في رفض منح المصري قرضا من الصندوق العربي، رغم أنه حصل على كفالة من وزارة المالية وتحديدا من وزير المالية شكري بشارة، الذي منحه في وقت سابق كفالات باسم وزارة المالية لمشاريع استثمارية خاصة.
وبحسب المصادر، فإن شركات المصري التي تقوم بعمليات إنشاء المباني والمرافق تواجه قضايا كثيرة في المحاكم الفلسطينية بسبب الفساد الذي يعتري عملية البناء وعدم مطابقة البناء للمتفق عليه. وقد اطّلعت "القسطل" على عدد من القضايا بهذا الخصوص في عدة مشاريع بناء.
سعر الشقّة الواحدة يصل لـ نصف مليون دولار!
يقول رئيس هيئة الإسكان بالقدس د.محمود زحايكة لـ”القسطل” إن الحديث يدور عن مشروع سكني على قطعة أرض تبلغ مساحتها نحو 32 دونمًا شمالي بلدة بيت حنينا، بـ400 وحدة سكنية، و12 ألف متر مربع من البناء التجاري.
وأضاف أن القائمين على المشروع حصلوا على ترخيص لـ90 شقة، حسب المعطيات المتوفرة، مقسّمة على برجين، كل برج يحوي 45 وحدة سكنية، وارتفاع كل برج 12 طابقًا.
وبيّن أنه تم العمل منذ سنوات على تقديم مشروع لهذه الأرض والموقع شمالي القدس المحتلة، وقال: “من الناحية الاستراتيجية، نحن نؤيد ونشجع كل استثمار في مدينة القدس، إذا كان الهدف منه تقديم الخدمات للمقدسيين”.
لكنه أكد أن المواطن المقدسي ليس لديه الإمكانيات المادية لشراء مثل هذه الشقة التي تبلغ مساحتها 80 مترًا، حيث يصل سعر الشقة نصف مليون دولار، مشيرًا إلى أنه ليس بقدرة أي مواطن في القدس دفع هذا المبلغ.
وهنا، تطرّق د.زحايكة إلى نسبة الفقر في مدينة القدس والتي وصلت إلى 76 بالمائة، وبالتالي لدى أهل القدس مشكلة في الحياة اليومية، وليس باستطاعتهم شراء مثل هذه الوحدات السكنية.
وعن المُستفيدين من هذا المشروع، أوضح زحايكة لـ"القسطل" أن هذه المشاريع إن كانت ستخدم أحدًا، فهي ستخدم الطبقات الغنية، ولا يوجد طبقة غنية في المدينة، فمن يملك نصف مليون دولار يُمكن أن يشتري قطعة أرض ويبني عليها بيتًا مستقلًا دون الدخول في بناء من 45 شقة سكنية مكتظة.
وقال: “ستُبين الأيام لمن هذه المشاريع، من المستفيد منها”.
يتراوح سعر الشقة الواحدة في مدينة القدس التي تبلغ مساحتها 100 متر مربع، والتي تشمل جميع الخدمات، ما بين 300 إلى 320 ألف دولار بحسب رئيس هيئة الإسكان بالقدس.
وبيّن أن هناك مطوّرين يقومون وقاموا بعمل مشاريع سكنية كبيرة في القدس، منتشرة في البلاد، حيث باعوا الشقق بأسعار مقبولة وبالتقسيط المريح.
وقال: “عندما نتحدث عن شقة بـ80 مترًا مربعًا يجب أن لا يتعدى سعرها 300 أو 320 ألف دولار، لكن الحديث يدور عن نصف مليون دولار لسعر الوحدة السكنية في هذا المشروع، وهذا يعني حرمان المقدسيين من هذا المشروع”.
إذا لم يكن المقدسي هو المستفيد.. من سيكون المستفيد؟
يتوقع د.زحايكة أن يتم تسويق المشروع لأهلنا في الداخل المحتل، للاستفادة منه، لأن لديهم الإمكانيات المادية للحصول على قروض من البنوك من أجل شراء الشقق، أما بالنسبة للمقدسيين فحقيقة لن يستفيدوا منه أبدًا في ظل الوضع الاقتصادي الذي يعيشونه.
وأكد أن أغلب المقدسيين لا يملكون أكثر من 50 ألف دولار، وذلك بعد بيع كل ذهب العائلة، فكيف له أن يشتري شقة بهذه المبالغ علمًا بأن البنوك عندما يتقدم لها المواطن المقدسي للحصول على قرض تضع شروطًا تعجيزية وليس باستطاعة أي مقدسي توفير هذه الشروط.
وبيّن أن البنك مؤسسة استثمارية، فلا يوجد أي بنك يقدم قرضًا دون فائدة، والفائدة تتراوح ما بين 4 إلى 6 بالمائة، وإذا حصل المواطن على قرض بقيمة 300 ألف دولار، فسيتم دفع فائدة بقيمة 200 ألف دولار، لمدة 15 عامًا، وهذا يؤكد ما قلناه سابقًا أن المقدسي لن يحالفه الحظ في هذا المشروع.
ما الذي يُخفيه هذا المشروع؟
ما إن أعلن المصري عبر صفحته على فيسبوك عن المشروع حتى انهالت عليه التعليقات بالمُباركات، خاصة ممن يتمنّون امتلاك شقة في القدس، لكن آخرين تساءلوا، كيف وافق الاحتلال على بناء مثل هذا المشروع، في الوقت الذي يهدم فيه غرفًا صغيرة تسكنها عائلات كبيرة في سلوان وشعفاط والطور وبيت حنينا وجبل المكبر والعيساوية، بحجة أنها غير مرخّصة؟.
وكيف وافق المحتل على منح الرّخص لإقامة 400 وحدة سكنية للفلسطينيين في الوقت الذي يسعى لتشريدهم وتهجيرهم وطردهم من القدس؟.
ناصر الهدمي كتب له معلّقًا: “إنه مشروع مشبوه، أموال مسمومة تنفق لذر الرماد في العيون ولتبييض صفحة شخصيات عميلة، خانت القدس وأهلها، واليوم تريد أن تنظف نفسها لما هو آت”.
الصحفي الفلسطيني أحمد ملحم، علّق على المشروع قائلًا إن المصري أقام مشروعًا استثماريًا في القدس بقيمة مليار شيقل، بالتعاون مع البطريركية الأرثوذكسية المتهمة بتسريب الأملاك الوقفية للمستوطنين، والمشروع عبارة عن مشروع سكني وبناء شقق لأصحاب الدخل المرتفع (الطبقة العليا).
وأضاف عبر صفحته على فيسبوك ساخرًا: “طيب كيف المشروع بده يصير مشروع وطني .. لازم يتسمى أول اشي (حي لنا في القدس) وبعدين نصرح ان المشروع هدفه "تعزيز الاقتصاد الوطني الفلسطيني" و"شكل مهم من أشكال التمكين الاقتصادي والوجودي للمقدسيين".
أمّا الصحفي الريماوي تساءل: “لماذا يسمح لك الاحتلال بناء مشروع سكني محرم على أهل القدس القيام به؟ والمسربون للعقارات المسيحية في القدس ما علاقة المشروع بهم وما صيغته مع البطريركية المتصهينة؟، وتساؤلات عديدة.
وفي أكثر من مناسبة، أدانت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، مشاركة المصري في العديد من المؤتمرات التابعة للاحتلال سواء في القدس أو الداخل المحتل.
هدمي: مشروع مدعوم من الإمارات ويُبيّض صفحة شخصيات لها باع في الخيانة والتطبيع
من جهته، أكد رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر هدمي أن المشروع مدعوم من الإمارات التي اشترت منازل في القدس وسرّبتها للاحتلال، سابقًا، واستطاعت إدخال 25 مليون دولار عبر رجالاتها في القدس، دون أن يتم مصادرتها من قبل الاحتلال الذي يسرق أموال أهل القدس وشرفائها.
وأضاف في حديث لـ”القسطل” بأن هذا المشروع السكني الذي تم الإعلان عنه، مشروع من أجل إشعار أهل مدينة القدس أن من يقف خلفه يعمل لمصلحة المدينة وينفذ مشاريع فيها ومن أجلها.
كثيرون من صفّقوا وباركوا هذا المشروع، فأهل المدينة بحاجة ماسة لمثل هذه المشاريع لكن يجب الوقوف عند الشخصيات التي أقامته وتتعاون لإنشائه وتاريخها، بحسب هدمي.
اجتماع المصري وثيوفيلوس في الحدث نفسه أثار علامة استفهام، خاصة وأن الأخير متهم بتسريب الأملاك الكنسية للمحتل.
وأوضح هدمي أن هناك رجالات لها باع طويل في التطبيع والخيانة وتسريب العقارات وتسيير أمور الاحتلال، وتريد اليوم تبييض صفحتها وتُظهر نفسها على أنها “وطنية”.
وأشار كذلك إلى إعلام الاحتلال الذي روّج للمشروع أيضًا ونشر عن إطلاقه، والسبب بحسب الهدمي هو محاولة الاحتلال تخفيف الضغط في القدس، وإظهار نفسه على أنه يمنح تراخيص بناء منازل للمقدسيين.
عبيدات: الخوف أن يكون ضمن مشاريع السلام الاقتصادي
الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات أوضح لـ”القسطل” أنه مع أي مشروع في القدس يحمي الأرض من "غول" الاستيطان المتسارع، ولكن هناك العديد من الملاحظات المتعلقة بهذا المشروع السكني القائم عليه رجل الأعمال بشار المصري.
وأضاف أن المصري كرجل رأسمالي استثماري يريد أن يستثمر لكي يحقق أرباحًا، وبالتالي يحقق إنجازًا وسمعة وطنية، بالإضافة إلى الحديث عن التمكين والوجود الاقتصادي.
وأشار إلى أن هذا المشروع بمواصفاته التي يتحدث عنها كمواصفات عصرية، يأتي لخدمة مصالح وشريحة معينة قادرة على الاشتراك فيه، وبالتالي لا الطبقة الوسطى ولا الفئات المهمشة ستكون جزءًا منه، ولا من معركة الصمود.
وقال: “صحيح أن هذا المشروع سيوفّر المئات من فرص العمل، ولكن الشيء اللافت أن هذا المشروع المكون من 400 شقة سكنية وبتكلفة مليار شيكل، والذي جرى الإعلان عنه في مؤتمر صحفي، وبحضور رجال دين مسلمين ومسيحيين وشخصيات اعتبارية، كان على رأس حضوره أحد البطاركة اليونان، والذي يعد جزءًا من صفقات بيع وتأجير وتحكير عشرات آلاف الدونمات من أراضي الكنيسة العربية الأرثوذكسية وكذلك العقارات لتلك الكنيسة في القدس والداخل الفلسطيني”.
وأضاف: “أنا أستغرب أنه في الوقت الذي يقوم فيه المجلس المركزي الأرثوذكسي العربي ومؤسسة الحقيقة بخوض معارك شعبية وجماهيرية وقضائية حول الأملاك والأراضي العربية المسيحية التي جرى ويجري تسريبها وبيعها، أن يكون هذا البطرك على رأس الحضور، وهذا يعني تبييض لصفحة من يقومون بالعبث بأراضي وممتلكات الكنيسة العربية الأرثوذكسية، والتي قبل أن تكون أملاك كنسية، هي أملاك وطنية”.
أمّا الخوف من هذا المشروع بحسب عبيدات، أن يكون من ما يسمى بمشاريع السلام الاقتصادي، الذي يتشارك فيه أكثر من رأسمال.