ومَنْ لا يعرفُ بلال ..
القدس المحتلة - خاص بالقسطل: “يومها حكالي تعالي نامي عندي، هو عادةً بنام عالأرض، بس أنا ما بقدر علشان أوجاع ظهري، إجا، ونام جمبي على تختي، حضنّي وحضنته، وضل يبوسني”، تقول والدة الأسير المقدسي بلال أبو غانم.
اليوم يدخل الأسير أبو غانم البالغ من العمر 26 عامًا عامه الاعتقالي السادس في سجون الاحتلال، حيث اعتُقل عام 2016 عقب إصابته بعدّة رصاصات خلال تنفيذه عملية طعن وإطلاق نار داخل حافلة للمستوطنين في مستوطنة “أرمون هنتسيف” المُقامة على أراضي بلدة جبل المكبر جنوبي شرق القدس.
خلال هذه العملية لم ينل أبو غانم الشهادة التي كانت حُلمه، بل نالها رفيقه بهاء عليان الذي شاركه العملية، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة مستوطنين، وإصابة ما لا يقل عن سبعة آخرين، فكانت تلك العملية حديث الساعة.
قبل الجلسة الأخيرة والتي كان القاضي سينطق بالحكم عليه خلالها، وتحديدًا في الـ13 من آذار/ مارس 2016، رفض بلال الوقوف للقاضي، وعندما طلب منه القاضي ذلك، قال: “أنت وكل دولتك لا تستطيعون إجباري على الوقوف لكم”، وعلى إثر ذلك تم تأجيل النطق بالحكم.
في الحادي عشر من تموز عام 2016، أصدرت محكمة الاحتلال المركزية عليه حُكمًا بالسجن المؤبد ثلاث مرات، إضافة لـ60 عاماً، ودفع تعويض مالي بقيمة 250 ألف شيقل لعائلة كل قتيل من المستوطنين، إضافة لدفع 150 ألف شيقل كتعويض لكل جريح، وتعويض سائق الحافلة بمبغ 100 ألف شيقل أيضًا.
ما قبل الواقعة ..
تستذكر والدة بلال الحادثة مع “القسطل” وتقول: “في تلك الليلة طلب مني أن أنام عنده على الأرض، لكنّي لا أستطيع ذلك بسبب آلام ظهري، فجاء إليّ ونام بجانبي، ألعب في شعره، أحضنه وأُقبّله، وهو يفعل الأمر ذاته، لم أدرك سبب ذلك إلّا لاحقًا”.
وتُضيف: “نام فترة قصيرة عندي، ثم غادر إلى فراشه، استيقظت على صوته وهو يقرأ القرآن بصوت عالٍ، ثم جاءه اتصال عند السابعة صباحًا، فسألته هل هناك خطب ما؟، فأجابني لا.. إنه اتصال من العمل، فقد كان يعمل في محل لبيع الكوكتيل، ثم عاد ونام بعدما طلب مني أمرًا”.
صباح الثالث عشر من تشرين أول
طلب منها أن تكوي وتحضّر له بلوزته الخضراء، وبالفعل فعلت ذلك، ووضعتها له عند الباب، وخرجت من المنزل باتجاه السوق في القدس. وأثناء وجودها عند الجزّار، سمعتْ بتنفيذ شبّانٍ فلسطينيين عملية داخل حافلة للمستوطنين في جبل المكبر، تقول: “لم ألتفت لشيء، سوى لقطعة الملابس الخضراء الموجودة على الأرض، والتي تظهر بشكل واضح، على الأقل لي، فأنا التي كويتها وجهّزتها لبلال”.
تبيّن هنا أنها كانت على يقين تام بأنه بلال، وتوقّعت أنهم خلعوا عنه ملابسه كما يفعلون بأبناء شعبنا خلال العمليات، لكنها كذّبت نفسها.
“اتصلتُ عليه مرارًا، لم يرد على اتصالاتي، خرجت من عند الجزّار باتجاه حافلات المكبّر، شعرت بأنني أمشي أمشي والطريق ما زالت بعيدة، وكأني أركض بالمكان ذاته، وصلتُ الحافلة وسمعتُ الناس يتحدّثون عن العملية وأن منفذيها من المكبر، ثم بدأت الأسماء تنتشر بأنهما استُشهدا، صرتُ أبكي بحُرقة، تضاربت الأنباء، إحداهما شهيد والآخر مصاب”.
بهاء نال الشهادة، وبلال أصبح أسيرًا في قبضة الاحتلال، مُصابًا بطلقات نارية في أنحاءٍ عدة بجسده، إحداها ما زالت مستقّرة على مقربة من القلب، وما زالت تؤذيه.
تقول والدته لـ”القسطل”: إنه يُعاني من ضيق في التنفس بسبب تلك الرصاصة التي استقرّت في رئته، وهي قريبة جدًا من القلب، إلى جانب آلام في رجليه، وإدارة “ريمون” لا تُعطيه أي أدوية سوى المسكّنات التي لا تصلح لشيء”.
لكن بلال لم يستسلم لتلك الآلام، بل قاومها وما زال يُقاومها قدر استطاعته، كما تقول والدته، ويمارس الرياضة في السجن، ويحضّر لرسالة الماجستير في العلوم السياسية.
في صوتِها أملٌ بعودة قريبة لأصغر أبنائها الذّكور “بلال” الذي أثّرت تلك الحادثة في نفسها كثيرًا وقلبت حياتهم وحياة عائلتها رأسًا على عقب، وتقول: “بلال بانتظار حريّة قريبة”.