فلسطين في قلب الرّأي العام العربي

فلسطين في قلب الرّأي العام العربي

ازدهرت في السنوات القليلة الماضية العلاقات "الطّيبة" بين عدد من المسؤولين العرب والإسرائيليين، وحضرت "مقدّمات" التطبيع سواء عبر المؤتمرات الأمنية والتعاون الاستخباري، أو عبر الفعاليات الرياضية والثقافية والدينية، وغير ذلك فيما كانت التصريحات التي تغازل دولة الاحتلال والتي صدرت عن غير مسؤول عربي تنبّأ بأنّ الاتجاه الرسمي في هذه الدول هو نحو إشهار العلاقات مع الاحتلال، وهي علاقات كانت تدار على مدى سنوات بشكل سرّي كما بات مكشوفًا ومعروفًا.

تُوّج هذا الازدهار مؤخرًا عبر توقيع اتفاقيتي "سلام" بين كلّ من الإمارات والبحرين من جهة ودولة الاحتلال من جهة أخرى، جرى توقيعهما في البيت الأبيض برعاية أمريكية. ويشير المتداول من التصريحات السياسية الصادرة من واشنطن و"إسرائيل" إلى أنّ دولاً أخرى تسير في هذا الطريق لتنضمّ إلى قطار التطبيع. لن نناقش هنا الأسباب أو التبريرات أو الذرائع التي يسوقها المتهافتون على التطبيع أو التفسيرات التي يحاولون عبرها تسويق انحيازهم إلى الاحتلال، لكن الكلام سيكون حول المستوى الشعبي والموقف من التطبيع والاعتراف بدولة الاحتلال.

في 2020/10/6، أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نتائج استطلاع المؤشر العربي 2019-2020، الذي شمل 28000 مستجيب ومستجيبة في كلّ من؛ مصر، السودان، موريتانيا، المغرب، تونس، الجزائر، السعودية، قطر، الكويت، لبنان، الأردن، فلسطين، والعراق. جاء الإعلان عن نتائج الاستطلاع بعد توقيع اتفاق التطبيع الذي جرى في 2020/9/15، أمّا تنفيذ الاستطلاع فكان ما بين تشرين ثاني/ نوفمبر 2019 وتموز/ يوليو 2020، وهي فترة كانت "مقدّمات" التطبيع فيها نشيطة وملحوظة.

وأظهر الاستطلاع، الذي يصدر منذ عام 2011، أنّ المجتمعات العربية لا تزال تعدّ القضية الفلسطينية قضية العرب جميعًا، لا قضية الفلسطينيين وحدهم، وأنّ 88% من المستطلعة آراؤهم يرفضون أن تعترف حكوماتهم بدولة الاحتلال.

في جولة سريعة على بعض الأرقام التي يوردها الاستطلاع يتبين أنّ 85% في مصر يعارضون الاعتراف بدولة الاحتلال، وذلك على الرغم من مرور أكثر من 40 عامًا على اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين المصري والإسرائيلي. في السودان، التي تشير التطوّرات إلى أنّها تتحضّر للإعلان عن التّطبيع، يرفض 72% من المستطلعين الاعتراف بدولة الاحتلال مقابل 13% يؤيدونه. أّمّا في السعودية، فعبّر 65% من المستطلعين عن رفضهم مثل هذا الاعتراف فيما رفض 29% الإجابة عن هذا السؤال.

يشير د.وليد عبد الحي إلى نتائج استطلاعات الرأي أجرتها خمس جهات أخرى، إلى جانب المركز العربي، وهي مراكز أمريكية وأوروبية إضافة إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية، أجرت استطلاعاتها في الدول العربية كافة باستثناء دول القرن الإفريقي، وتبين النتائج أنّ الاستطلاعات التي أجرتها هذه الجهات ما بين 2010 و2020 تتّفق على أنّ الغالبية في جميع الدول العربية من دون استثناء "تعارض بشدّة التّطبيع مع إسرائيل".

إلى جانب هذه الأرقام، أظهر تقرير أجرته وزارة الشؤون الاستراتيجية في حكومة الاحتلال ما بين 2020/8/12 و2020/9/8 وزّعت نتائجه على الوزراء في 2020/10/11، أنّ 90% من المنشورات في الشبكات الاجتماعية العربيّة سلبية ورافضة للتطبيع العربي مع "إسرائيل". ومن دون شك، فإنّ مثل هذه النتائج ستكون محلّ اهتمام إسرائيلي للعمل على التأثير في الرأي العام العربي وتحسين الموقف الشّعبي من التطبيع.

هذه المعطيات والأرقام تعيدنا إلى كلمة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ألقاها في "الكنيست" عام 2017 في الذكرى الأربعين لزيارة الرئيس المصري أنور السّادات إلى القدس المحتلّة، قال فيها إنّ "العائق الرئيس أمام إبرام سلام بين الدول العربية وإسرائيل ليس في قادة الدّول، بل في الشّعوب العربية، والرأي العام العربي".

ومع هذا الموقف الشّعبي، يقول درور شالوم، قائد الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، في مقابلة نشرتها "يديعوت أحرونوت" في 2020/10/7، إنّه "يحظر الاعتقاد أن العالم العربي يتجاهل القضية الفلسطينية فجأة. فالقضيّة الفلسطينيّة هي القاسم المشترك الأدنى للعالم العربي كلّه... والتعاون معنا هو قشرة دقيقة تغلي تحتها كراهية تجاهنا. وعلينا أن نعرف كيف نجعل وضع منطقتنا أفضل، وإلا فإنّ هذا الوضع سيصل إلينا".

في خطابه بـ "الكنيست" المشار إليه أعلاه يصف نتنياهو "السلام" مع مصر بـ "البارد" مُعيدًا السبب إلى "اختراق الرأي العام العربي بالتضليل"، مضيفًا أنّ "السلام البارد أفضل من الحرب السّاخنة". وفي ظلّ سعي الاحتلال إلى مزيد من التطبيع، ودخول عدد من الأنظمة العربية في دائرة الانحياز الفجّ إلى "إسرائيل" والاصطفاف معها في المعسكر ذاته، فإنّ المتوقّع هو مساعٍ حثيثة لكسر جدار الرفض الشعبي وخلخلته، إذ إنّ الاحتلال وداعميه يدركون أنّ العلاقات الرسمية وحدها لن تجعل منه كيانًا طبيعيًا.

وأمام ذلك، فإنّه من الأهمية بمكان تعزيز الموقف الشعبي وتقويته لمنع الاحتلال والجهات التي تصطفّ معه من هدم أحد أهمّ أطواق حماية القضيّة الفلسطينيّة، وهو ما تتحمّل مسؤوليته كلّ الجهات التي لا تزال تحمل راية هذه القضيّة وتدافع عنها، وذلك عبر كل الوسائل الممكنة من تحصين الرّأي العام من الدّعاية التي ينشرها الاحتلال، واستمرار التعريف والتذكير بجرائمه المتمادية، وتأكيد عدم شرعيّته ككيان قام على قتل الفلسطينيين وطردهم وتهجيرهم من أرضهم، والتوعية بمخاطر الانجرار خلف أيّ شكل من العلاقات معه لما يعنيه ذلك من إسباغ الشّرعية عليه، والمساهمة في تضييع القضية الفلسطينية وتصفيتها.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: