أملٌ خلف القضبان.. حكاية الأسير المقدسي سائد سلامة
القدس المحتلة- القسطل: "السجن ليس له لغة، وليس له انتماء، لذا فهو من دون ذاكرة، إن ما يتشكل في أدمغتنا نحن الأسرى من ذكريات داخل السجن هو ما تفرضه لغة القهر والجبر والإخضاع، لذا فإن هذه الذكريات عرضية ومارقة، ذاكرتنا ترفض تسجيلها وتحويلها إلى ذخيرة حميمة".
نصٌ صغيرٌ من النصوص التي كتبها الأسير المقدسي سائد سلامة، يصفُ فيه علاقة الأسير الفلسطيني في السجن، فهو كاتبٌ وشاعر يملأ وقته خلف القضبان بالقراءة والكتابة.
سلامة أسيرٌ مقدسي (45 عاماً)، من بلدة جبل المكبر بالقدس المحتلة، اعتُقل في تاريخ 30 مارس/آذار 2001؛ بتهمة الانتماء لحركة "الجبهة الشعبية"، والقيام بعمليات مقاومة ضد الاحتلال، وحُكم عليه بالسجن لمدة 24 عاماً، ومُحتجز في سجن "النقب".
خاض الكثير من الإضرابات برفقة الحركة الأسيرة؛ في مواجهة إدارة السجون، وإجراءاتها الظالمة بحق الأسرى والأسيرات.
"رفيقة الدرب والسند"
في لقاءٍ مع شقيقته ضمن برنامج "بروفايل أسير"، الذي يُعرض عبر شبكة "القسطل"، وتقدمه الإعلامية لمى غوشة.
تقول شقيقته سهاد سلامة عن دورها في دعم شقيقها: "الأخت هي السند، ورفيقة الدرب، التي تحمل من صفات الأم ما يُؤهلها لأن يعتمد عليها أشقائها.. خاصةً عندما تكون هي الكبيرة، وتفقد والدتها، ويكون شقيقها أسير".
وتشير إلى أنها عاشت فترة الانتفاضتين الأولى والثانية، ما ترك أثراً كبيراً في شخصيتها، وحياتها، ووعيها بمعنى كلمة "أسير"، مؤكدةً على أهمية دور العائلة في دعم وإسناد نجلهم الأسير، والوقوف بجانبه وجذبه لمكانه الطبيعي.
سائد الإنسان والكاتب
تصفُ شقيقها بأرق الكلمات، وتتابع بفخرٍ كبير: "هو إنسان بكل معنى الكلمة، مُرهف الإحساس، مبدأي، مُستعد للتضحية بأغلى ما يملك، مقابل الدفاع عن مبدأ يُؤمن فيه".
وتحدّث القسطل قائلة: "لم ينطق بكلمات من الندم، هو متحمل لمسؤوليته بشكلٍ كامل، مؤمن في قراراته واختياراته. يقوم بممارسة دوره في التعبير عن مكانه الذي هو فيه "السجن"، وكيف يجب التعامل معه".
بقلمه وورقته استطاع سلامة خلق مُتنفسٍ خاص به خلف قضبان الأسر، أدبٌ يخرج من قلب المعاناة، ويعكس الواقع الحقيقي الذي يعيشه الفلسطيني.
وتضيف شقيقته: "سائد يحمل شهادة في تخصص الكيمياء والرياضيات من جامعة القدس- أبو ديس. في بداية أسره كانت كتاباته متواضعة جداً، خلال الأسر رأى أن الخلاص الوحيد للاستفادة من الوقت هو الانشغال في الكتابة، وبناء شخصيته، وصقل الوعي.. حتى تطور مستوى كتابته بشكلٍ كبير".
حُرم من نظرة الوداع..
خلال الأسر، فارق سلامة والدته في عام 2011 بعد صراعٍ مع المرض، ومن ثُمّ فارق والده في عام 2015، دون إلقاء نظرة الوداع عليهما، ما ترك غصَّة وحزناً شديداً في قلبه.
تصف شقيقته هذه اللحظات الحزينة، وتردد والدموع تذرف من عينيها: "الفقد شيءٌ مؤلم للأسير ولعائلته، في تجربتنا الأولى مع فقد الوالدة كتب سائد نصاً حزيناً جداً بعد أن حال القدر أمام لقائهما".
تصمتُ قليلاً ثُمَّ تسترجع بذاكرتها مواقف تدفعها للضحك والأمل، وتقول: "في كل مرةٍ نلتقي بسائد نفرح.. على الرغم من أنه خلف الزجاج.. مجرد رؤيته فرحة وموقف جميل".
"أراه دائماً بصحةٍ نفسية جيدة، حتى في أصعب الظروف عندما فارقنا والدتي هو من منحنا القوة والعزم، يرفض أن نشعر بالضعف"، بهذه الكلمات وصفت سلامة حال شقيقها خلف القضبان.
"نفقُ الأمل"..
وتبيَّن سلامة أن الإنسان هو من يبني لنفسه الأمل، مؤكدةً أن قيمة الإنسان تُقاس بما يحققه في حياته، وما يقدمه لقضيته الوطنية.
وتشير إلى أن شقيقها لا يستمع سوى لأغاني الأمل للفنانيْن سميح شقير، ومارسيل خليفة، وتتابع: "حتى الموسيقى التي يستمع لها تُحاكي الطبيعة والرُقي بالمشاعر الإنسانية.. سائد يؤمن أن السعادة بالرضا وقناعاتنا التي نؤمن فيها".
وتستكمل بأملٍ كبير: "الأسير دائماً يحلم بالحرية، سائد أطلق على تجربة "نفق الحرية" مصطلح "نفق الأمل"؛ لأن الأمل هو حالة رمزية لإمكانية الإنسان وفطرته، فهو يسعى دائماً إلى التحرر من القيود والخلاص".
وتختتم سلامة حديثها قائلة: "جميعنا بحاجة إلى أنفاق حرية وأمل، تحديداً أهل القدس كما يرى سائد.. حياتنا مُلاحقة بالبناء، بالترخيص، بلقمة العيش وبكل شيء".
. . .