"ساحةُ حربٍ".. عائلة صالحية تكشفُ تفاصيل اعتقالها وتعذيبها وهدم منزلها في الشيخ جراح
القدس المحتلة- القسطل: "في حدود الساعة الثانية والنصف من فجر يوم الأربعاء، هاجم حوالي 700 جُندي منزلنا، حاصروه بشكلٍ كامل، لم يكن هناك أي مفرّ للهرب، اقتحموا المنزل من السطح، ووجهوا أسلحتهم صوْبنا، وصوب رأسي".
بهذه الكلمات يروي المقدسي محمود صالحية تفاصيل اقتحام قوات الاحتلال لمنزله في حي الشيخ جراح، فجر الأربعاء الماضي، واعتقال نحو 26 شخصاً منه عقب الاعتداء عليهم.
وأثناء عملية اعتقاله، يُبيَّن صالحية لـ "القسطل" كيف أن ضابط الاحتلال كان يحاول الانتقام منه عقب تصديه لهم بصدره العاري وتهديده بحرق نفسه ومنزله، فقال له: "ألم أقل لك أنك ستخرج من منزلك دون حذاء؟ نزّل رأسك".
لكن صالحية يأبى أن يستسلم أو أن يتخلى عن مبدأه "إما العيش بكرامة وإما الموت”، فردَّ على الضابط بكل قوةٍ وقال له: "أنا ولا عمري نزلت راسي".
ويصف ما حدث في حينها، مردداً: "صاروا يدعسوا عليّ، بعدين سحبوني وطلعوني.. أخذونا كُلنا على مركز شرطة صلاح الدين.. اعتدوا علينا بالضرب وهجموا علينا.. ثم فرقونا كل شخص لحاله".
ويشير صالحية إلى أن قوات الاحتلال أرعبَّت الأطفال والنساء وكبار السن، مؤكداً أن ما حصل هو عبارة عن تطهيرٍ عرقي، وطريقة من أجل الانتقام؛ حيثُ لم يكن مع بلدية الاحتلال أمراً يقضي بهدم منزله، بل أمر إخلاء له ولزوجته فقط.
"ساحةُ حرب"
أما نجله عادل، يجلسُ بجانب والده، ويتابعُ كلماته وحركاته خطوةً بخطوة، كيف لا وهو مثله الأعلى بالصمود والدفاع عن الأرض حتى الممات.
ويروي لـ "القسطل" قائلاً: "عندما اقتحمت قوات الاحتلال منزلنا.. كُنت أنظر من فوق وأرى الأرض مليئة بملابس الجنود، والأضواء، وطائراتهم الصغيرة التي تلتقط الصور.. بمجرد مشاهدتهم والدي وجهوا نحوه السلاح.. اعتدوا علينا ونكّلوا بنا.. قيدونا وشتمونا".
ويُبيّن عادل أن قوات الاحتلال اقتحمت المنزل مستغلةً برودة الطقس، وقلّة عددهم، مضيفاً بحسرة: "جاءوا في وقتٍ متأخر، وفي بردٍ قارس لم يكن فيه مجالاً للمتضامنين البقاء لدينا أو المبيت.. غافلونا وغدروا بنا".
ويصف أن المنزل تحوّل لـ "ساحة حرب"؛ حيث أغرقت قوات الاحتلال المدججة بالأسلحة ساحة المنزل بعددٍ كبير من القنابل الصوتية، والرصاص المطاطي، رغم عدم وجود أحد في المكان، حتى أحكمت قبضتها عليه.
ويتابع بغصَّة: "لا يريدوننا أن نرتدي الملابس والأحذية.. اعتدوا على والدي بشكلٍ كبير.. في أي وقت كانت تُتاح لهم الفرصة لضربه وإيذائه كانوا يفعلون".
نكبةٌ ثانية..
وبعد أن نجحت القوات المدججة بالأسلحة بإلقاء قبضتها على المنزل وسط الظلام، حوّلته آلياتها إلى رُكام، لتغرق ذكريات صالحية وعائلته بين التُراب، وتُنثر هنا وهناك دون أن يسعفهم الوقت للاحتفاظ ببعضٍ منها.
ولم تكتفِ سلطات الاحتلال بذلك، بل أزالت وأتلفت محتويات منزل عائلة صالحية، في مكب النفايات في “عطروت”.
يقول صالحية لـ "القسطل" وعلامات القهر والألم تطغى على وجهه "عندما توجهنا إلى محكمة، قال لي الشُرطي: "أريدك أن تشاهد كيف تحوّل منزلك لركام".. توقفت المركبة في الشارع وشاهدت منزلي المهدوم".
يصمتُ قليلاً ويحاول وصف إحساسه في حينها، ويكتفي بقول: "عندما رأيت منزلي.. مُتِت.. عنجد مُتِت.. وعندما وصلنا إلى المحكمة لم أستطع رؤية وجه القاضي.. القضاء والحكومة كلاهما يُنفذان كل شيءٍ باتفاق".
لم يكن هذا المنزل الأول الذي يخسره أفراد عائلة صالحية، فعقب حرب النكبة عام 1948 فقدوا منزلهم في بلدة عين كارم، وفي عام 1967 اشترى والد صالحية هذه الأرض في الشيخ جراح، والتي تبلغ مساحتها نحو 6 دونمات.
وفي غضون لحظات، صار المنزل ركاماً، ليتشرَّد أفراده مرةً أخرى، ويصبحون بلا مأوى، كحال الكثير من العائلات في العاصمة المحتلة.
"هدموا دار بنبني غيرها"
وبكلماتٍ مليئة بالقوة والصبر، يتابع صالحية حديثه لـ "القسطل": " الحمدلله رب العالمين.. هدموا دار بنبني غيرها.. هدول مش مطولين عندنا"، ويؤكد أن القضية لم تنتهِ وسيستمر بالدفاع عن حقه وأرضه حتى الممات.
يشار إلى أن سلطات الاحتلال أفرجت مساء أمس، عن المعتقلين على خلفية هدم منزل عائلة صالحية في الشيخ جراح، شرط إبعادهم عن الحي لمدة 30 يومًا، وكفالة بقيمة ألف شيقل لكل واحد منهم، وخمسة آلاف لكل من يخرق قرار الإبعاد منهم.
. . .