لماذا لاحق الاحتلال المؤسسات الثقافية في القدس وغيّبها؟
القدس المحتلة - القسطل: في عام 1994 طلب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي إسحاق رابين من المدعي العام الإسرائيلي مايمل بن يئير، سن تشريعات "قانونية" لتطبيقها على المؤسسات الفلسطينية في مدينة القدس بما يمكّن شرطة الاحتلال وأجهزته الأمنية من ملاحقة العاملين في هذه المؤسسات، وقد أتت هذه الخطوة ضمن سلسلة الإجراءات الإسرائيلية لتعزيز مبدأ "السيادة الإسرائيلية" على مدينة القدس بكافة أجزائها.
هذه الهجمة الإسرائيلية على الحياة الثقافية في مدينة القدس ليست بالجديدة، فمنذ احتلالها سعى الاحتلال الإسرائيلي لتحقيق السيطرة الفعلية على كافة مفاصل الحياة فيها تمهيداً لأسرلة فضائها لاحقاً، خاصة وأن مدينة القدس برزت كجغرافيا فلسطينية مقاومة لما حملته من دور بارز في تشكيل الهوية الفلسطينية وما رمزت إليه من مكانة رمزية ثقافية لدى الشعب الفلسطيني خاصة والإسلامي العربي عامة، فكيف غيبت دولة الإحتلال الإسرائيلي دور المؤسسات الثقافية في القدس؟. يرى الأكاديمي محمد هلسة المختص في شؤون القدس في حديث لـ " القسطل" أن أي كيان استعماري لا يستطيع الهيمنة على الأرض المستعمرة ما لم يفلح في تمزيق الحياة الثقافية والفكرية للشعب الواقع تحت الاستعمار، وهذا أيضا يدفعنا لسؤال هل هذا العنف الصهيوني ضد كل رمز عربي فلسطيني إسلامي في داخل مدينة القدس هو مجرد عقاب أو ثورة غضب وهذا التساؤل مهم جدا لفهم خلفية السلوك الإسرائيلي وأهم من البحث في حيثيات الإجراء هو البحث في خلفيات السلوك، العنف الإسرائيلي في هذه الحالة لا يأتي كمجرد عقاب إنما هو قرار عقلاني استراتيجي يمهد لمرحلة مقبلة و تخطيط للمستقبل وبالتالي القوة الصهيونية المستخدمة هي مرجعية تحكمها عملية الصراع داخل الأرض المستعمرة خاصة وأن الصراع الدائر الآن هو صراع وجود ويقوم بأساسه على معادلة النفي والنفي المضاد بفعل الأيديولوجية الصهيونية الممارسة يتوقف وجود الذات الصهيونية على نفي الآخر ولا يكتمل تحديدا في مدينة القدس إلا على نفي الآخر. ويتابع هلسة أن تمزيق الحياة الثقافية في مدينة القدس الواقعة تحت القهر والاستعمار من خلال إشعار المقدسي بالدونية وسلب هويته وهو واحدة من أدوات المحو الثقافي التام وهذا ما يقوم به الاحتلال عن طريق تدمير النسيج الوطني والمواطنة والهوية. والمؤسسة الثقافية هي جزء من الهوية فالرمز المنقوش على حجر في أزقة البلدة القديمة وحواري القدس المختلفة وكذلك الطعام والثوب الفلسطيني هو هوية ثقافية يحاول الاحتلال نفيها. والاستعمار كفكرة لا يمكن أن يكون بدون عنف وهذا ما يتجلى فيما يفعله داخل مدينة القدس، فالحرب الإسرائيلية المستمرة على الثقافة الفلسطينية، شكل المفكرون والمثقفون الفلسطينيين رأس الحربة فيها، لذلك حارب الاحتلال المثقفين والثقافة، لأن المحتل يدرك ان هؤلاء يشكلون بثقافتهم ضمير مجتمع بأكمله، مثل ما حدث في اغتياله غسان كنفاني وكمال ناصر ووائل زعيتر ...الخ. وفي السياق يرى أنس اشتي مدير الأنشطة والمشاريع في نادي هلال القدس أن نهجا أساسيا يتبعه الاحتلال لإغلاق المؤسسات في المدينة المحتلة وواقع المؤسسات في مدينة القدس مختلف تماما خاصة الثقافية، إذ تعيش هذه المؤسسات في حالة من عدم الاستقرار سبب إجراءات الاحتلال وقوانينه الاستعمارية بما يشمل إغلاقها للمؤسسات بحجج واهية وملاحقة موظفيها وتجميد الدعم المالي عنها، وتأتي كل تلك الإجراءات بسبب قوة الانتماء والالتفات الشبابي لتلك المؤسسات في مقابل البديل الذي يحاول الاحتلال فرضه والمتمثل في المراكز الجماهيرية التابعة للاحتلال. ويؤكد اشتي في مقابلة مع "القسطل" أن تغييب المؤسسات يأتي ضمن سلسلة الإجراءات الإسرائيلية لتهويد المدينة وزرع الفكرة الصهيونية بين الناس ومحاولة إيجاد إطار ومظلة تابعة لبلدية القدس وهي المراكز الجماهيرية التي تعمل على أخذ مكانة المؤسسات الثقافية العمل على تقبل التهويد وتقبل المستوطنين عن طريق مخيمات التعايش. ويتابع اشتي "نحن بحاجة أكبر لتوعية الشباب الفلسطيني في مدينة القدس حول عدم التعاطي مع هذه المخيمات والمراكز الجماهيرية التي لها هدف رئيسي وهو تطبيع العلاقات الفردية بين الفلسطينيين والمستوطنين خاصة وأن هذه المراكز تعمل تحت إطار تقديم مشاريع خدماتية للمواطن العربي واليهودي وهذه الشعارات خطيرة جدا خاص، والاحتلال دائما ما يضع الكثير من المعوقات لمنع سير عمل المؤسسات الثقافية في مدينة القدس". وحول المعوقات التي تواجه عمل المؤسسات الثقافية يرى مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زياد الحموري في حديثه لـ " القسطل" أن المعيق الأكبر لعمل المؤسسات هي قضية التمويل وكذلك التمويل المشروط من خلال الممولين الدوليين وهذه القضية أصبحت سببا لمعاناة كبيرة والمؤسسات الثقافية أضحت محدودة جدا في القدس وهذا غير معهود على المدينة التي كانت دائما منبرا للثقافة والسينما وكل ما يتعلق بالحياة الثقافية والتراثية والتاريخية الفلسطينية، لأن الاحتلال أكثر شيء يحاربه اليوم هو الكلمة لأن الكلمة تثبت معنى وجودنا كفلسطينيين على هذه الأرض، ومدينة القدس تتعرض لهجمة كبيرة متعلقة بكافة مؤسساتها وليس على صعيد المؤسسات الثقافية فقط. ويؤكد على أن هذه المعوقات تكمن أيضاً في الملاحقة القانونية التي تشرّعها محاكم الاحتلال وهناك العديد من الشباب الفلسطيني الناشطين في المؤسسات الثقافية يتم ملاحقتهم قانونيا إلى جانب التحقيق معهم ومنعهم من السفر وتجميد رواتبهم وسحب الاعتراف بشهاداتهم العليا بالتالي هذا يصبح تحدي ومعيق كبير.. . .