مبعدون عن الأقصى يعودون إلى جنّتهم
القدس المحتلة-القسطل: قُبيل صلاة الفجر، انطلقوا من منازلهم، مهرولين إلى المسجد الأقصى، والشوق يغمر قلوبهم، التي أثقلها الحزن بُعدًا عن بيت المقدس لمدة تزيد عن العام، وما أن وطأت أقدامهم أبوابه، حتى غالبتهم الدموع فرحًا واشتياقًا، أدوا سجدة شكر في ساحاته، وأمضوا يومهم في رحابه.
المعلمة هنادي الحلواني التي أبعدها الاحتلال عن الأقصى ما يقارب 14 شهرا متواصلة، وكانت تعدُّ خلالها الثواني، انطلقت مع ساعات الفجر تسابق الريح، كأنها تطير فرحًا، ودقات قلبها كانت تُسمع للبعيد قبل الغريب مع دخولها للأقصى.
الحلواني قالت في حديث مع "القسطل":"ما أن دخلت الأقصى حتى بكيت بكاء فرح وحزن، حزن على ألم المسجد الأقصى، وفرح وبشارة خير بأن قرارات الابعاد لن تدوم، والظلم لن يدوم".
وأضافت مشاعر الدخول إلى الجنة لا توصف، متمنية أن يتذوق غيرها من المبعدين عن الأقصى هذه الفرحة، سواء المبعدون بشكل قسري، أو ممن تفصلهم الحواجز "الإسرائيلية".
وأشارت الحلواني إلى أن مضايقات الاحتلال على أبواب الأقصى وفي ساحاته مستمرة، من تفتيش الحقائب واحتجاز الهويات، ومراقبتهم وتصويرهم، كما حرروا لها مخالفة بذريعة عدم وضعها للكمامة.
تؤكد الحلواني أنه على الرغم من مضايقات وملاحقات الاحتلال، إلا أنهم سعيدون بعودتهم للأقصى وثابتون فيه.
المعلمة خديجة خويص أيضا حرمها الاحتلال من أداء الصلوات والتواجد في الأقصى، وأبعدها 14 شهرا متواصلة، كانت خلالها تصل لأقرب نقطة للأقصى وتصلي فيها.
دخول خويص للأقصى كان كمن رُدّت إليه الروح وعاد إلى جنته، معتبرة أن مشاعر العودة لا يمكن وصفها بالكلمات.
واعتبرت أن فرحة دخول الأقصى كانت منقوصة، لغياب والدها الذي توفى قبل أيام ولم تتمكن من أداء الصلاة عليه داخل المسجد، نظرا لقرار الإبعاد، إضافة لغياب رواد الأقصى الذين ما زالوا مبعدين عنه.
خويص قالت لـ"القسطل":"لا تتوانى شرطة الاحتلال عن ملاحقتنا في ساحات الأقصى، وتتربص بنا منذ ساعات الفجر الأولى، بمصادرة هوياتنا، وتحرير المخالفات بذريعة عدم التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة".
وأضافت أتمنى أن يجمع الأقصى جميع المسلمين فاتحين محررين، لا زائرين ولا سائحين ومطبعين ومتخاذلين عن حق العودة.
أحمد أبو غزالة الذي تحرر من الأسر في شهر نيسان عام 2019، كان يتردد للأقصى شوقا بعد غياب ثلاث سنوات، لكن الاحتلال كان يُصرّ على تنغيص فرحته بإبعاده فترة أسبوعين بين الفترة والأخرى، ويُسلّمه قبل عام قرار إبعاد مدة ستة شهور تم تجديدها مرة ثانية، ليكون مجموع إبعاده بعد تحرره نحو 17 شهرا.
ليس هذا الإبعاد الأول لأحمد، بل هو يواجه سياسة الإبعاد منذ عام 2011، ما مجموعه أربع سنوات.
يصف أبو غزالة لـ"القسطل" قرارات الإبعاد كمن يهدم صخرة فوق رأسه، ويكسر قلبه، لا سيما أنه يسكن حارة باب حطة، ومنزله ملاصق للأقصى، وكان يقضي جلّ وقته وحياته داخل أسواره.
أبو غزالة كان يخرج من منزله لأداء صلاة الفجر في الأقصى، ومن ثم يتوجه لعمله، ويعود لأداء صلاة العصر، وعند مغيب الشمس يعود برفقة زوجته وأولاده إليه، فهو متنفس العائلة، لذلك قرارات إبعاده معاناة أيضا لعائلته.
الاحتلال كان يحرم أبا غزالة من أداء الصلاة عند أبواب الأقصى، وكان يرفق قرار الإبعاد بخارطة تحدد له الأماكن التي يُمنع الاقتراب منها، وتشمل أبواب الأقصى، وهو الذي يقطن في باب حطة الملاصق للأقصى.
كان أبو غزالة يرى المستوطنين والأجانب يقتحمون الأقصى، وهو ابن الأقصى يُمنع من دخوله، ويتألم عندما يقف وحيدا بعد أن يتركه أصدقاؤه ويدخلون الأقصى.
في اليوم الذي انتهى قرار الإبعاد، لم يستطع أبو غزالة أن يغفو من شدة الفرح، وسار إلى الأقصى مع ساعات الفجر، وكأنه يطير إليه لا يمشي، والخوف يسكن قلبه بمنعه من دخول الأقصى بذرائع واهية.
في طريقه من باب الأسباط حتى الأقصى، كانت الدموع تنهمر على وجنتيه، شوقا ومحبة للقاء الأقصى، وما إن خطى أولى خطواته داخل أبوابه حتى سجد سجدة شكر، وأمضى يومه كله بالأقصى.
. . .