في القدس.. مسلمون ومسيحيون يدافعون عن الكنائس والمقدّسات
القدس المحتلة - القسطل: تسلّل إلى الكنيسة، وألقى مواد حارقة باتجاه مقاعدها، ثم أشعل النار فيها، وحاول الهروب، تضررت بعض أجزاء الكنيسة، لكنّ يقظة حرّاسها وبعض الشبان المقدسيين أوقفت ألسنة حقد مستوطن.
بالأمس، قام مستوطن يهودي بحرق أجزاء من كنيسة الجثمانية التي تقع على سفح جبل الزيتون مقابل المسجد الأقصى المبارك، هي إحدى كنائس القدس القديمة، وهو ليس الاعتداء الأول، فسبق أن تم الاعتداء عليها في تسعينيات القرن الماضي.
يقول فادي نيكوديم (40 عاماً) وهو مسؤول الحراسة في كنيسة الجثمانية لـ”القسطل” إن أحد المستوطنين اليهود دخل إلى الكنيسة من بوابتها الرئيسية بصفته أحد الزوار، وادّعى بأنه يحمل قارورة من المياه التي اتضح فيما بعد أنها مواد مشتعلة.
في هذا الوقت، ألقى المستوطن (49 عامًا) المواد المشتعلة على أحد مقاعد الكنيسة وأشعل النار ثم حاول الهروب، وهنا تدخّل الشبّان بشكل سريع، بعضهم داخل الكنيسة لإخماد النيران، ونيكوديم وشابان مُسلمان لحقوا بالمستوطن بعدما أبلغ الحارس خليل خلف نيكوديم بأن هذا المستوطن أشعل النار وهرب، ليتمكّنوا من القبض عليه وطرحه أرضًا.
يوضح نيكوديم أن هذه الكنيسة اسمها “كل الأمم” يُمكن لأي شخص أن يزورها سواء كان مسيحي أو مسلم أو يهودي، وتوقع الحراس أنه زائر كغيره من الزوّار، لكن كان يحمل الأحقاد في عينه وزرع المشاكل، وتهجّم على الكنيسة وأشعل النيران فيها.
حاولت شرطة الاحتلال مع بداية الحدث وقبل التحقيقات الأولية، الادّعاء بأن هذا المستوطن “مجنون”، لكنّ نيكوديم أبلغ أحد ضباط الاحتلال ممن تواجدوا في المكان أن اليهودي قام بالعملية بكل هدوء، وأدخل معه قارورةً ادّعى بأن داخلها ماء وليس مواد قابلة للاشتعال، ثم قام بفعلته وهرب، فهذا بالتأكيد ليس مجنونًا، وما فعله أمر مدبّر.
وأكد أنه في حال أُقيمت محكمة في هذه الحادثة فسيذهب ليشهد على ما حدث، كما أشار إلى أن كاميرات المراقبة الخاصة بالكنيسة وثّقت كل شيء. وقال: “نتمنى أن تظهر الحقيقة حتى لا يتعدى أحد على كنائسنا ومقدّساتنا”.
الشابان المسلمان محمود وحمزة عجاج (31، 30 عامًا) من جيران الكنيسة، حيث كانا يجلسان على مقربة منها. يقول محمود عجاج لـ”القسطل”: “شعرت بحركة غريبة في الكنيسة، فذهبت أنا وحمزة لنرى ما الذي حدث، وإذ بمستوطن يهرب من المكان وفادي يلحق به، فلحقناه أيضًا وأمسكنا به وطرحناه أرضًا حتى حضرت شرطة الاحتلال وسلّمناه”.
ويضيف أنهم عادوا إلى الكنيسة بعدما علموا أن نارًا اشتعلت فيها، وشاركوا الشبان المقدسيين في إخماد النيران التي بفضل الله لم تأت إلّا على أجزاء من الكنيسة، حسبما أفاد.
يُشير عجاج إلى أن هذه الكنيسة يزورها في كل عام نحو ثلاثة ملايين شخص من كافة أنحاء العالم، وأنها وقت الحادثة كانت فارغة من الزوّار، وإلّا لكانت كارثة كبيرة.
ويُلفت إلى أن الشبّان كانوا واعيين جدًا أمس، وقال: “عندما أمسكنا ثلاثتنا بالمستوطن، كان الشبان الآخرون يحموننا خوفًا من وجود شركاء للمستوطن، قد يتهجمون علينا في أي لحظة”.
تعقيبًا على ما حصل، يقول عجاج إن إرهاب المستوطنين لا يتوقف، فاليوم الكنيسة، وغدًا قد يكون أحد بيوتنا، أو مساجدنا، ولو أن هناك رادع لكل من يحاول أن يفعل ذلك، لما تجرأ هذا المستوطن على حرق الكنيسة.
“ما في فرق بين مسلم ومسيحي في القدس، احنا سند وظهر واحد، تربينا على هذا الكلام، احنا بناكل في بيوت بعض، بنعيّد على بعض في أعيادنا، حتى شغلنا أحيانًا بكون مع بعض، كلنا واحد وما في فرق بينا”، يقول عجاج.
ويؤكد أن حكومة الاحتلال ليست قادرة على إيقاف إرهاب المستوطنين، وأن الظلم واقع على القدس وأهلها وشبّانها ورغم ذلك يقفون معًا على قلب رجل واحد.
لقي نبأ محاولة ذاك المستوطن إحراق كنيسة "الجثمانية" أمس إدانات واسعة ومطالبات بمحاسبة المتطرفين المعتدين على المقدّسات الدينية سواء كانت المسيحية أو الإسلامية، وحماية الوجود الفلسطيني في القدس المحتلة التي يتعرّض سكانها الأصليون لسلسلة من الانتهاكات من قبل الاحتلال ومستوطنيه.
الرئاسة الفلسطينية
حملت الرئاسة، حكومة الاحتلال مسؤولية استمرار اعتداءات المستوطنين ضد شعبنا وممتلكاته ومقدساته، مؤكدة أن هذه الاعتداءات المتكررة على الأماكن الدينية المسيحية والإسلامية، دليل على همجية ووحشية المستوطنين، الذين يمارسون الإرهاب بأبشع صوره، تحت بصر وسمع قوات الاحتلال.
وحيت الرئاسة يقظة أبناء شعبنا المرابطين في القدس، التي حالت دون إكمال المستوطن لجريمته.
الأوقاف الفلسطينية ..
واستنكرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الجرائم الإسرائيلية المستمرة والمتصاعدة على الشعب الفلسطيني ومقدساته، وقالت إن ما تعرضت له الكنيسة يتجاوز العمل الفردي وغير المدروس لكونه يأتي ضمن حماية سلطات الاحتلال التي تطلق العنان لهؤلاء المتطرفين ليقوموا بأفعالهم دون رقيب أو حسيب.
وأشادت بالدور الكبير لأبناء القدس كافة والمرابطين، مؤكدة أن فلسطين على مر العصور قامت على المحبة والتسامح والتعاون بين الديانات ونبذ التطرف لتحقيق مستقبل يضمن العيش بحرية وكرامة للجميع.
وأشارت إلى أن المقدسات الإسلامية والمسيحية تحتاج منا إلى وقفة جدية لحمايتها وحفظها خاصة في ظل ازدياد الانتهاكات التي تتعرض لها والتي وصلت إلى مستوى غير مسبوق، داعية المجتمع الدولي والعالمين الإسلامي والمسيحي إلى الوقوف بشكل جدي أمام مسؤولياتهم في حماية وحفظ المقدسات من العبث الإسرائيلي اليومي.
“الرئاسية العليا لشؤون الكنائس”..
أدان رئيس اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس، مدير عام الصندوق القومي الفلسطيني رمزي خوري، الاعتداء على الكنيسة، وقال إنه ليس الأول الذي يمس دور العبادة والمقدسات الإسلامية والمسيحية ولا سيما في القدس، فقد سبق هذا العمل العديد من الاعتداءات والتي مست دور العبادة ورجال الدين المسيحيين.
وأشار إلى أن هذا عمل ممنهج من قبل الاحتلال ومستوطنيه، لإضعاف الوجود الفلسطيني العربي في القدس، مضيفًا أن حكومة الاحتلال تسعى بكافة الطرق غير المشروعة لتهجير السكان الأصليين من القدس، لتحقيق أهدافها في إحكام السيطرة الكاملة وتهويد المدينة، ضاربة بعرض الحائط كل المواثيق الدولية، التي تكفل حرية العبادة وحرمة الأماكن المقدسة.
وأكد أن سكان المدينة المقدسة وزوراها “يواجهون عنصرية المستوطنين، وخاصة في أوقات المناسبات الدينية الإسلامية والمسيحية، لافتا إلى أن هذا ما تسعى له حكومة الأبرتهايد، وتريد تحقيقه بصورة أو بأخرى، وهو مسح وتشويه وإبعاد كل ما هُو مسيحي وإسلامي”.
“حراك الحقيقة”..
استنكر “حراك الحقيقة الأرثذوكسي” الاعتداء على الكنيسة، وقال في بيان له، إنه لولا تدخل أبناء القدس ومن كانوا داخل الكنيسة لكانت الجريمة والأضرار أعظم وأفدح.
وأضاف أن ما حدث ليس سوى نتاج لثقافة الاحتلال والاستيطان والتطرف الصهيوني الديني؛ إذ سبقته اعتداءات متكرّرة بحرق الكنائس في السنوات الأخيرة، فضلًا عما يتعرض له رجال الدين المسيحيين في القدس القديمة، وبخاصة اعتداءات المستوطنين عليهم جسديًّا وكلاميًّا”.
وأوضح أن ما يحصل هو جزء من مخططات دولة الاحتلال الرامية إلى النَّيل من القدس ومكانتها التاريخيّة، ولا سيّما أنّنا نتحدّث عن كنيسة لها تاريخ طويل..”، مُطالبًا بملاحقة ومحاسبة المستوطن المعتدي على الكنيسة ومَن يقف خلفه.
“فتح القدس”..
واعتبرت حركة “فتح” إقليم القدس أن هذا العمل ما هو إلا حلقة من حلقات الفعل الصهيوني على المقدسات المسيحية والإسلامية. ويعبر بشكل أساس على توجهات المجتمع الإسرائيلي بكل مكوناته.
وطالبت في بيانها، المجتمع الدولي بمختلف مؤسساته بضرورة توفير الحماية لأبناء شعبنا وأماكنه المقدسة المسيحية والإسلامية، محملة حكومة نتنياهو مسؤولية استمرار اعتداءات المستوطنين ضد شعبنا وممتلكاته ومقدساته،
كما طالبت بوضع عناصر الإرهاب اليهودي ضمن قائمة الإرهاب الدولي، والتعاطي مع هذا الخطر الوجودي بمسؤولية عالية.
رئيس أساقفة سبسطية للروم الارثوذوكس عطا الله حنا..
بدوره، أكد رئيس أساقفة سبسطية للروم الارثوذوكس في مدينة القدس المحتلة المطران عطا الله حنا أن “الاعتداء على كنيسة الجثمانية، ومحاولة إحراقها من مستوطن متطرف يدل على عقلية عنصرية غاشمة”.
وأضاف أن سلطات الاحتلال تتحمل المسؤولية المباشرة عن هذه الجريمة لأنها تتواجد في منطقة حساسة ومقابلة للمسجد الأقصى ويتواجد فيها دائمًا قوات كبيرة من الشرطة”.
وأوضح أن المستوطنين الذين يقتحمون المسجد الأقصى بحماية الاحتلال ويتطاولون على المقدسات الإسلامية هم أنفسهم الذين يتطاولون أيضًا على المقدسات المسيحية ويحاولون إحراقها.
وأكد أن قيام شابين مقدسيين مسلمين بالدفاع عن الكنيسة وتصديهما لمحاولة حرقها دليل على الوحدة الوطينة الفلسطينية والتسامح الديني، لأن الجميع مستهدف من الاحتلال والمستوطنين، مؤكدًا أن مدينة القدس في خطر حقيقي نتيجة لما تتعرض له من إجراءات تهدف للقضاء على تاريخها الحضاري.
سفير منظمة التعاون الإسلامي الرويضي..
من جهته، قال سفير منظمة التعاون الإسلامي في فلسطين أحمد الرويضي، إن التعاضد الذي حصل بين الشبان المسيحيين والمسلمين أمس، يؤكد أن الانتماء للقدس ببعديه الوطني والديني يجمعنا في محاربة عنصريين يهدمون ويحرقون ويعتقلون ويقتلون.
وأضاف أن المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس مستهدفة، ومشاهدة حالة الرفق التي تتعامل بها سلطات الاحتلال مع هؤلاء المتطرفين الذين يعتدون على مقدساتنا وحالة التحريض المستمرة على المساجد والكنائس تنبئ بأننا أمام كارثة جديدة قريبة تذكرنا بحادثة حرق المسجد الأقصى عام 1969 على يد صهويني متطرف، مع حالة التحريض والكراهية التي تنشرها حكومة الاحتلال من خلال أجهزتها ومستوطنيها،