ما الذي تعنيه خطوة ذبح القرابين بالنسبة لـ"جماعات الهيكل"؟
القدس المحتلة - القسطل: يجري الحديث بشكل واسع عن جلب جماعات “الهيكل” المزعوم، قربان عيد “الفصح” العبري للمسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة، لكن ما أهمية هذه الخطوة بالنسبة لهم، وهل يترك المقدسيون والفلسطينيون عامة تلك الجماعات المتطرفة للقيام بمثل هذه الخطوة التي يتجهّزون لها منذ 14 عامًا؟ وكيف يُمكن أن يكون الرّد قبل الموعد المحدد وهو ما بين صلاتي العصر والمغرب من يوم الجمعة القادمة؟.
يوضح لنا الباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى، زياد ابحيص مكانة القربان في الديانة اليهودية، ويبين أنه بالنسبة للرواية التوراتية، هو الشكل المركزي من العبادة الذي اندثر باندثار “الهيكل” وفق زعم هذه الرواية، وحينما اندثر “الهيكل”، اندثرت معه تقديم القرابين، وخسرت اليهودية هذا الشكل من العبادة القربانية.
ويضيف أن إحياء طقس تقديم “القربان” هو إحياء للهيكل عبر الطقوس والعبادات. منذ عندما عام 2010 وحتى عام 2012 وجماعات الهيكل تُقدّم عبر المحاكم “الإسرائيلية” طلبًا لإحياء طقوس القربان في المسجد الأقصى، فتتلقى رفضًا لذلك، لأن المحكمة عندما تشاور حكومة الاحتلال عبر المدعي العام، فإن الحكومة تُجيب بأنها لا تستطيع تأمين طقوس تقديم القربان لأن ذلك من شأنه تفجير المنطقة، ولذلك فإنها ترد القضية.
البدايات ..
إن المجموعة التي تعمل على تقديم القربان هي “السنهدرين الجديد” والتي تأسست عام 2008. تكمن رؤيتها في إعادة تأسيس مجلس القضاة الذي كان يقود عملياً “الحاخامية الدينية” وفق الوصف التوراتي.
عام 2010 توجّه “السنهدرين” للمحاكم لتقديم القرابين في المسجد الأقصى، وتلقى ردًا نهائيًا بالرفض عام 2012، فقرر “السنهدرين” بالتعاون مع معهد “الهيكل” المضي في طريق جديد بداية 2014، والعمل على إحياء ممارسة تقديم القربان حتى لو كان فقط من حيث الاستعداد، لتصبح قادرة على تقديم القربان بطريقة متقنة، وفق الوصف التوراتي، بحسب ما أفاد به الباحث ابحيص.
وقال إن أول تدريب أُجري لتقديم القربان كان لطبقة الكهنة لأن هذه الطبقة- وفق الوصف التوراتي- هي التي تقود العبادات الدينية في “الهيكل” المزعوم- الذي يقولون بأنه الأقصى- وبالتالي فإن الحصول على “الهيكل” يقتضي إحياء طبقة الكهنة.
وبيّن أن هذه الطبقة عندما تنفّذ طقوس تقديم القربان ترتدي زي “التوبة” الأبيض، وهي ترتديه في معظم الأحيان، وعندما نشاهد اقتحام مستوطنين بالزي الأبيض داخل الأقصى، فهذا يُقصد به إحياء طبقة الكهنة التي تقود العبادة داخل المسجد، وهذا أحد الاعتداءات المتكررة في الأعياد اليهودية على الأقصى، وسيتكرر في عيد الفصح القادم.
ولتوضيح هذا الأمر وتقريبها للقارئ، بين ابحيص أن إدخال طبقة الكهنة للمسجد الأقصى، كإدخال “إمام” يهودي إلى جانب الإمام الإسلامي؛ لقيادة العبادة اليهودية في الأقصى إلى جانب العبادة الإسلامية.
إذن، يعمل معهد “الهيكل” على إعداد طبقة الكهنة منذ سنوات طويلة، ولإحياء طقس “القربان” لا بد من تدريب طبقة الكهنة على تقديمه، لذلك عُقد مؤتمر تدريبي أولي عام 2014 في مستوطنة “كريات موشيه” المقامة على أراضي لفتا ودير ياسين المهجّرتين، وكانوا يتلقون تعاليم حول بعض الطقوس والحركات ويؤدونها، ثم يتدارسون غيرها وينفّذونها وهكذا.
تقديم القرابين على مدار السنوات الماضية..
سرد الباحث ابحيص ما حصل خلال السنوات الماضية، بعدما تمّت عمليات التدريب والتعليم لتقديم القربان على النحو الآتي:
- عام 2015 قامت جماعات “الهيكل” بأول محاكاة مستمرة كاملة بدون مقاطعة أو توجيه أو تدارس، وذلك في مكان مفتوح بمستوطنة “شيلو” المقامة على أراضي قرية قريوت شمال شرق رام الله.
- عام 2016، وبعد إتقان الطقوس، تم تنفيذ المحاكاة في مستوطنة “بيت أوروت” المقامة على أراضي جبل الزيتون شرق المسجد الأقصى.
- عام 2017 أُدخلت هذه المحاكاة لأول مرة لقلب البلدة القديمة في القدس، في الساحة المقابلة لكنيس الخراب، المقام على أوقاف المسجد العمري الكبير.
- عام 2018 أُخدت القرابين للقصور الأموية الملاصقة تمامًا لسور المسجد الأقصى.
- وفي عام 2019 نُفّذت فوق “سوق اللحامين” بالبلدة القديمة في القدس، وكانت تُقابل قبة الصخرة المشرفة (من بعيد).
- في عام 2020 لم يتم عمل هذه المحاكاة بسبب الإغلاقات إثر انتشار فيروس “كورونا”.
- وفي 2021 أُقيمت في الساحة الملاصقة لـ”باب المغاربة” (أحد أبواب البلدة القديمة) من الداخل.
- عام 2022 نُفّذت المحاكاة عند السور الجنوبي للمسجد الأقصى في القصور الأموية مرة أخرى.
يقول ابحيص إن هناك قناعة كبيرة لدى حاخامات الصهيونية الدينية ولدى قادة جماعات “الهيكل” لهذا العام، بأن الوقت قد حان للقطاف، وأن هذه المسيرة التاريخية قد آن تتويجها بتقديم القربان في الأقصى مباشرة.
لكن شرطة الاحتلال لا تستطيع أن ترعى على الأقل بشكل علني هذا الحدث، لذلك عندما قُدّمت لها الطلبات بتقديم القربان وتأمين ذلك، رفضت الطلبات، لا لأنها تقدّس الأقصى، بل لأنها تستشعر خطورة من خلف هذا الأمر، وهناك ثمن سيُدفع، وفي الوقت ذاته، هذه الجماعات المتطرفة توعدت بالتنفيذ حتى لو رفضت شرطة الاحتلال تأمينها.
كيف يُمكن مُحاربة الأمر والدفاع عن المسجد الأقصى؟
ويتابع الباحث ابحيص حديثه مع “القسطل” في أن القربان في نظر الجماعات المتطرفة هو؛ أولًا، إحياء ديني لفكرة الهيكل من ناحية معنوية، ثانيًا هو تكريس بأن المسجد الأقصى قد بات مركزًا للعبادة اليهودية، ثالثًا هو عنوان مركزي لجهد مضني تم خلال أكثر من 14 عامًا ماضية، وبالتالي هي ترى أن الدخول للأقصى هو تتويج لهذا الجهد، أمّا رابعًا فهو محل تعبئة مركزية لجمهورها بمختلف الأدوات والوسائل.
وهنا، حذّر ابحيص من ألّا نكون بموضع الانتظار والترقب فيما يخص تقديم القربان في المسجد الأقصى، سواء تمكنت أم لم تتمكن جماعات “الهيكل”، وسواء سمحت شرطة الاحتلال بذلك أم لم تسمح، لأن هناك خطر حقيقي وقائم وسيتكرر في كل عام، والتسامح معه في هذا العام سيجعله أكبر في العام القادم.
ودعا إلى صد هذا الخطر عن الأقصى وصولًا إلى إنهائه ووأد فكرة تقديم القربان في الأقصى، ووأد مسار الدوران بهذا القربان حوله ومحاولة الدخول به، وهذا لا يكون إلّا باستحضار الإرادة الشعبية وعودتها إلى الفعل، والرباط المكثف في المسجد الأقصى، إضافة لاستحضار المعادلة التي وُجدت العام الماضي في مختلف الساحات، وانخراط المقاومة الفلسطينية إذا ما تطلب الأمر.
وختم حديثه بالقول إن “المسجد الأقصى هو المصدر الذي تفجرت عليه الثورات منذ عام 1996 وحتى 2000، 2014، 2015، 2017، 2019، 2021، سبع محطات تاريخية للانفجار الشعبي على مدار 25 عامًا كان عنوانها المركزي المسجد الأقصى ولعل هذه ستكون الثامنة”.