نصف مليار دولار سنوياً قيمة ما تحتاجه القدس لمواجهة هدم البيوت.. لكن الدعم خجول
القدس المحتلة- القسطل: لم تخرج القدس المحتلة من بؤرة الاستهداف الإسرائيلي عبر تأكيد الاحتلال أنها عاصمة كيانه الأبدية، إضافة لاستمراره في تهويد المدينة وإطلاق يد الاستيطان لنهش ما تبقى منها .
كما لم تخرج المدينة المقدسة من الخطاب الفلسطيني الرسمي الذي يؤكد على استمرارية دعمه المالي والسياسي للمقدسيين، لكن الشواهد كلها تقول إن الموقف الرسمي الفلسطيني كان خجولاً وضعيفاً، مقابل الدعم الذي يتلقاه المستوطنون من قيادتهم السياسية.
دعم لفظي للمتضررين وأوسلو قيدت العمل بالمدينة
قابلت القسطل "أم العز صبيح" وهي مقدسية هدم الاحتلال منزلها عام 2020م حيث قالت "الحسرة تملأ نفوس العائلة لأن ذكرياتنا كلها كانت ولا زالت داخل البيت.. هَدمُ بيتنا جاء بهدف عقاب العائلة على العملية الاستشهادية التي قام بها نجلي" .
وحول طبيعة الدعم الرسمي الفلسطيني للعائلة تعويضاً عن هدم بيتها، أكدت صبيح أن الدعم ضعيف للغاية، وفي قامت المؤسسات بتقديم الدعم فهو أقل من القليل، وعندما تسعى العائلات المقدسية محاوَلة منها لاستكمال الوعود تكون الإجابة لاحقاً .
وبخصوص تداعيات ضعف الموقف الرسمي الداعم للعائلات المقدسية التي هُدّمت بيوتها ولم تجد عوناً من أحد قالت صبيح "يؤدي غياب الدعم الرسمي الكافي إلى مشاكل اقتصادية وعائلية بسبب المحاولات الحثيثة والكبيرة للعائلة من أجل تأمين المبالغ التي يفرضها الاحتلال على الأسر المقدسية"، مضيفة أن تجاهل ذوي المناصب القيادية لقضية الدعم المالي للمقدسيين المهدَمة بيوتهم يجعل الأمر معقداً تماماً .
طالعت "القسطل" تقارير اقتصادية حكومية فلسطينية كشفت من خلالها أن الدعم المالي المخصص من الحكومة للمدينة المقدّسة من خلال وزارة شؤون القدس التي تبلغ ميزانيتها من إجمالي النفقات الحكومية ما بين 50- 70 مليون شيقل فقط ( 21.5 مليون دولار)، رغم التصعيد الكبير في المدينة، والزيادة الملحوظة في حجم الإجراءات التعسفية الإسرائيلية لخنق اقتصادها، ورغم ذلك لم تخصص الحكومة الفلسطينية لميزانية وزارة شؤون القدس خلال الربع الأول من العام 2021 سوى 7.8 مليون شيقل ( 2.4 مليون دولار)..
المقدسي عطا جعفر، هو الآخر هدم الاحتلال بيته فكشف للقسطل ما جرى معه حيث قال "الاحتلال هدم البيت بحجة عدم وجود ترخيص رغم أنه لا يعطي تلك التراخيص بسهولة إذ طلب نحو تسعمائة ألف شيقل لترخيص منزل لا يتجاوز خمسة وتسعون متراً".. مضيفا "عشنا فترات مرهقة ومخيفة بسبب تهديد الاحتلال الدائم بهدم المنزل في أي وقت ورغم ذلك كنت رافضاً أن أهدم بيتي بيدي وبقيت مصراً على البقاء في أرضي ".
وحول الدعم الرسمي لقضيته قال " قُدم لي مبلغ ثلاثين ألف شيقل فقط من المؤسسات الحكومية الفلسطينية بعد عدة أشهر من المطالبة على رغم أن ثمن البيت الذي هُدم يُقدّر بستمائة ألف شيقل ودفعنا مخالفات لبلدية الاحتلال ما يقارب التسعين ألف شيكل .. والاحتلال كان أيضاً يرسل مخالفة بدل الهدم كل مرة خمسين ألف شيقل ومكان الهدم طلبوا تنظيف الركام مبلغ قدره خمسة وعشرون ألف شيقل"، مضيفاً "السلطة لا تساعد في إزالة الهدم ولا في إيجار بيتي الحالي"، مشيرًا إلى أن الضرر الذي وقع على عائلته يتجاوز الحدود المادية، إلى معاناة هائلة تعيشها العائلة، بسبب عدم قدرتهم على التأقلم مع الواقع الجديد.
معاناة المواطن عطا جعفر والمواطنة أم العز صبيح متكررة، إذ أشارت أرقام نشرتها وكالة الإعلام الرسمية "وفا" إلى أن الاحتلال هدم من 1967 إلى 2020 نحو 2267 بينما بلغ أعداد الهدم القسري من 2006 إلى 2020 بلغت 491 ، بينما كشفت أرقام صادرة عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا" في فلسطين، إن الاحتلال صعّد عمليات هدم منازل الفلسطينيين في القدس، ليرتفع بنسبة 21% عام 2021 .
أمير ربايعة من جبل المكبر هدم الاحتلال بيته بحجة عدم الترخيص، ذكر لـ "القسطل" أنه لم يحصل على أي مساعدة من المستوى الرسمي الفلسطيني رغم أنه قدم لكثير من المؤسسات لكن الرد كان يأتي أنه لا يوجد مساعدات حالية ، مؤكداً أن هذا كله يؤثر على حياة المقدسي الذي يظل طوال حياته يعمل من أجل بناء بيته وفي نهاية المطاف يُهدم أمام عينيه ولا يجد من يساعده في ترميم ما هدمه الاحتلال.
وفي هذا السياق قال الباحث في شؤون الاستيطان خالد معالي لـ القسطل إن "اتفاق أوسلو قيّد دعم السلطة لمدينة القدس، باعتبار أن القدس حسب الاتفاق هي مناطق تُركت للمفاوضات النهائية.. الدعم شحيح وبالتالي هذا يؤثر سلباً على أصحاب المنازل المُهدمة و يتركهم لقمة سائغة للاحتلال" مستدركاً أن كل الدعم للقدس المحتلة سواء كان منازل مهدومة أو عمليات الطرد والملاحقة لا تضاهي دعم أحد مليارديرات الصهاينة للمستوطنين في مدينة القدس المحتلة.
وأضاف معالي، "الأصل أن يتم تعزيز الصمود بكل الإمكانات والطرق والوسائل وليس فقط الاكتفاء ببيانات الشجب والاستنكار" .
تقييم وعود السلطة
في 22 يوليو 2019 قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الراحل صائب عريقات، إن الحكومة قررت وبتعليمات من الرئيس محمود عباس وضع كل ما يلزم لجبر الضرر عن العائلات المتضررة في القدس من إسكان وتعويض كامل، وفي 27 يوليو وعد رئيس الوزراء محمد اشتية خلال الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء بدعم الحكومة أصحاب البيوت التي تعرضت للهدم في حي وادي الحمص، وتوفير كل متطلبات الصمود لهم في مواجهة محاولات تهجيرهم عن أرضهم .
رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد، ناصر الهدمي شرح لـ "القسطل" أحد أسباب ضعف أو غياب الدور الرسمي الفلسطيني عن مدينة القدس حيث قال " السلطة وقعّت على اتفاقية أوسلو التي أحد بنودها يخص العمل الفلسطيني الرسمي داخل مدينة القدس وهو يمنع العمل داخل المدينة حتى يتم البث في مستقبل مدينة القدس وفِق الاتفاقية النهائية لمحادثات السلام بين الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية، معنى ذلك أن السلطة اختارت منذ توقيعها لاتفاقية أوسلو ألا يكون لها دور رسمي في مدينة القدس"
وأضاف الهدمي "سمعنا أن هناك بعض وليس الكل تلقى دعما رسميا فلسطينيا وصل في أعلى تقدير ٣ آلاف دولار لكل بيت يتم هدمه رغم أن تكلفة البناء قد تصل إلى 100 ألف دولار.. هذا الغياب للدعم الرسمي شكّل خيبة أمل كبيرة للمقدسيين ".
وتحتاج مدينة القدس، حسب لجنة القدس في المجلس التشريعي الفلسطيني لنصف مليار دولار سنوياً لدعم صمود سكانها والوقوف في وجه إجراءات الاحتلال الهادفة لتهجير أهلها والسيطرة الكاملة على كامل الجزء الشرقي والمسجد الأقصى.
ماذا جرى في خطة العرب لإنقاذ القدس؟
وافقت الدول العربية خلال قمة سرت في ليبيا عام 2010 على خطة فلسطينية بعنوان "إنقاذ القدس" وتقضي برفع مقدار الدعم المالي من 150 مليون دولار كما كان مقرراً في قمة بيروت 2002 إلى 500 مليون دولار، لكن ذلك لم يترجم واقعاً وتن ترحيل المساعدات إلى عدة قمم بعدها دون نتيجة .
وبخصوص الدعم العربي قال الباحث معالي لـ القسطل إن صناديق الدعم العربي كثيرة جدا لكنها عبارة عن حبر على ورق حيث لا يرى لها أي أثر ملموس وبالتالي لا يوجد دعم حقيقي للمقدسيين على أوجه كثيرة سواء كانت منازل مهدّمة أو مصادرة أراضي أو طرد وتهجير لذلك يجب سرعة ترتيب البيت الفلسطيني من اجل مواجهة هذا التحدي الخطير".
وفي سياق متصل قال الباحث الهدمي، إن: "صندوق الدعم العربي للقدس لم يفعل وحتى لو فعل فالوضع الفلسطيني الحالي سيؤثر على فاعليته"، مضيفاً أن السلطة وقعّت في أوسلو على تحجيم دورها في مدينة القدس حتى مقر وزارة شؤون القدس موجودة في الرام خارج حدود المدينة .
ويكشف تقرير رسمي صادر عن ديوان الرقابة المالية والإدارية في أغسطس/آب الماضي أن اللجنة الوطنية للقدس عاصمة الثقافة العربية لم تلتزم ببروتوكول التوأمة مع اللجنة العليا لبغداد عاصمة الثقافة العربية، وهو ما حرم المقدسيين مساعدات بقيمة 8.2 مليون شيقل، موضحا أن اللجنة الفلسطينية المعنية بدعم القدس لم تقم بأي نشاط خلال العام الماضي واكتفت بصرف رواتب ومكافآت لموظفيها.
. . .