في عامها الخامس..طفلا الأسيرة أماني الحشيم:"بدنا ماما"
القدس المحتلة-القسطل: في إحدى الزيارات، كان أحمد يجلس قبالة والدته الأسيرة أماني الحشيم، صامتا أمام أسئلتها عن حاله والمدرسة، لينفجر باكيا، لكن بصمت، فسألته:"ليش يا ماما بتبكي؟ شو مالك"، كان الجدار الزجاجي يحول بينه وبين والدته، ولم يجد سوى جدته التي تجلس بجانبه ليحضنها، ويقول لها:"تيتا بدي ماما، بدي أدخل عندها".
في الثالث عشر من شهر ديسمبر/كانون أول عام 2016، كانت أماني الحشيم، الأم لولدين، في طريقها من رام الله لمدينة القدس حيث تقطن في بلدة بيت حنينا، عند وقوع حادث معها عند حاجز قلنديا العسكري، لتجد جنود الاحتلال يحيطون بمركبتها ويطلقون ما يقارب 40 رصاصة صوبها، دون أن تصيبها إحداها.
اعتقل الاحتلال أماني، واقتادوها لمركز تحقيق "المسكوبية" مدة 15 يوما، لتتفاجئ أن الاحتلال يوجه لها تهمة "تنفيذ عملية دهس"، وخضعت لـ27 جلسة محكمة، ليُحكم عليها بالسجن 10 سنوات.
لم يكن وقع الحكم سهلا على الأسيرة أماني وعائلتها التي كانت تتابع مع المحاميين في سبيل التوصل لحكم مخفف، رغم معرفتهم أن الاحتلال يفرض أحكاما عالية على أسرى وأسيرات القدس. تقدم محامي أماني قبل عام باسئناف على الحكم، ليتم رفضه.
انقلبت حياة أماني رأسا على عقب بعد اعتقالها، لتجد نفسها في الأسر، حُرّيتها مقيّدة، محرومة من أطفالها، لم تعد على رأس عملها في "إقليم القدس"، وغير قادرة على استكمال دراسة الماجستير في جامعة بيرزيت، وهي التي كانت على وشك مناقشة الرسالة بعد أيام قليلة من اعتقالها.
لم تحضر والدة أماني أي جلسة محكمة لها، وذلك حرصا من أبنائها على وضعها الصحي، لكنها أصرّت على حضور جلسة النطق بالحكم، الذي كان وقعه صادما عليها، أما أماني فمدّت أمها بالقوة وقالت لها:"الحكم حكم ربنا، وانا لن أكمل هذا الحكم، ولكن ماذا نتوقع من المحتل!".
خمسة أعوام مرّت على الأسيرة أماني الحشيم داخل الأسر، بعيدة عن طفليها أحمد وآدم، اللذان كانا يبلغان من العمر عند اعتقالها، خمس وأربع سنوات.
في أول زيارة لنجلي الأسيرة، جلسا صامتين والصدمة تبدو على ملامحهما، أعينهم تتفحص والدتهما والمكان الذي تقبع فيه، في الوقت الذي كانت أماني وجدتهم تبكيان.
يُسمح لأبناء الأسيرات دون سن الثامنة الدخول في آخر عشر دقائق من الزيارة، وفي أول مرّة دخل أحمد وآدم عند والدتهما، كانا سعيدين جدا يظنان أنهما لن يغادرا، وما إن فُتح الباب حتى ركضا باتجاهها، حضنتهما وتمسكا بها بقوة، وقف الجميع في غرفة الزيارة يبكي على تلك اللحظة المؤثرة، التي لم تتوقف فيها أماني وطفليها عن البكاء.
في بداية الاعتقال، كانت الأسئلة التي يوجهها أحمد وآدم مؤلمة وصعبة، ولم تكن جدتهما تملك الإجابة لعمرهما، فكانت تكتفي بالقول عند زيارتها أن هذا بيت أمهما في الوقت الحالي، فيطلبان من أماني أن تأخذهما بجولة تريهما البيت وغرفتها.
في كل مرة يدخل فيها أحمد وآدم لرؤية أمهما، يرفضان أن يخرجا، لكن وبعد مرور خمس سنوات يدركان ما تعيشه والدتهما. لم يعد الاحتلال يسمح لأحمد بعد أن بلغ هذا العام تسع سنوات من الدخول، أما آدم وفي عامه السابع، فلم يتمكن من احتضان والدته بذريعة الكورونا.
"بدنا ماما امتى بدها تروّح"، لم يتوقف طفلا الأسيرة أماني يوما عن السؤال عن أمهما، التي بدورها ترسل لهما من داخل الأسر رسائل وصورا ملونة عبر البريد.
في عيد الأم قبل عامين، شاهد أحمد جميع الطلاب يشترون من المدرسة وردة حمراء لإهدائها لوالداتهم، ليتوجه لمتجر المدرسة ويطلب منها وردة، فسألته لمن ستهديها يا أحمد؟ فأجاب:"لماما بس هي مش هون، بعيدة، بس بدي أعطيها لتيتا"، لتجد جدته في اليوم التالي عند اصطحابهما الوردة في الحقيبة ويهديها إياها.
تقول والدة أماني في حديث مع القسطل:"نستفقد أماني، مرّت أربع سنوات كالدهر علينا، قبل عام تزوج شقيقها، كنت أبكي وأضحك في الفرح، أما أماني فلم تستطع أم تتمالك نفسها، وانهارت في ذلك اليوم، فابنتي الوحيدة بين أربع أبناء غائبة عنا".
. . .