من سطح الأقصى يمتد الأفق
من سطح الأقصى يمتد الأفق، فترى وراء المنازل المتراصّة النائمة جبال الأردن.
غيمة نائمة على كتف جبل المكبّر، سيارة على المنحدر الواصل بين جبل الطور وكنيسة الجثمانية.
وسط العالم، تنتصب القبّة، الحمامة فوق القبة، فوقها المطر والغيم والسماء والله والهتاف المحبوس.
تسلّخات في الكفّ، تشهد بأن تسلّق الماسورة نحو سطح الأقصى مهمّة شاقّة، كنت قد حاولت التسلّق بالقفازات الصوفية لتقيك برد المعدن، لكن الصوف ينزلق على المعدن، وينزلق معه جسدك المثقل بالكيس الذي يحمل اليافطات.
الشمس على وشك الصعود، وكذلك صباح الإنطلاقة. شرطيّ نائم على النقطة المتوضّعة فوق باب المغاربة. تعانق سطح الأقصى البارد ببطنك، أصوات الناس المتوافدين إلى المسجد. بخار يتصاعد من الأنوف. الشيخ الجمل يأتي بلحيته الحمراء، ينظر إليك، فترد إليه النظرة من وراء اللثام، نظرة تحدّ وتحذير، ينكفئ قائلا، كأنما يقول لنفسه "الله يحميكم".
الشرطي الذي على باب المغاربة يلمح الفتية الأربعة، يقف إلى جانبه ضابط ورجال شرطة آخرين، يراقبون بالمناظير ويتحدثون باستخدام اللاسلكي.
المطر يشتد، ارتباك في الأجساد.
أربعة أجساد هزيلة تتلفع بالأسود، ثمانية أكفّ متسلّخة تطبع الدم على قماش اليافطات. ساتان الرايات.
أدرينالين في كل شيء، أدرينالين يقطر من تسلّخات الكف، عرق يتجمّع تحت اللثام. يبلّ العصبة الخضراء.
"إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى"، يقول الولد في سرّه، يهدأ النبض
انتهت الصلاة. يتأهب الجنود للدخول إلى ساحة الأقصى.
تطرق قصيدة عبد الناصر صالح الذهن
"ملثّم يوزّع البيان
وآخر يراقب المكان
وثالث يكتب بالحبر على الحيطان
وثالث يصرخ أن تقدّموا
لا خائف منّا ولا جبان
ورابع يسقط في دمه
يستنطق المكان"
الجنود يرتدون دروعهم ويتقدمون. لحظة الصفر. كل رزمة بيانات فيها خمسمائة منشور. يمسك تيسير بالبيان ويقذف به من السطح، يتطاير كما لو كان سرب عصافير، تمتد أذرع المصلّين لتقطف المنشور من شجرة الهواء المبلول.
ينهي الفتى ربط زاوية اليافطة بالحجر الأخير،
بسم الله
تنقذف اليافطة الهائلة، المرسومة بماء العيون، نحو الأرض
الرايات الخضراء ترتفع وسط المصلّين.
الشرطة تتقدم، الأجساد تتراص. أربعة فتيان ينزلقون على الماسورة نحو بلاط الأقصى. ينحنون وسط الجموع، يخلعون الأقنعة وهم متربعون على الأرض، ينزعون كنزاتهم السوداء. يتركونها على الأرض، ينسحبون وسط الجموع. الدور الآن للملثمين الواقفين في الساحة، الذين يهتفون "إنتي المدفع واحنا رصاص".
. . .