"أبو المجد" .. مقدسيّ يحاكمه الاحتلال بسبب "عصبةٍ" على رأس نجله
القدس المحتلة- القسطل: لا تكفّ يد الاحتلال عن ملاحقة كلّ من يعشق القدس والمسجد الأقصى، ومن تعلّق قلبه بهما، فالمحرّر عمر محيسن “أبو المجد” (37 عامًا) أحد المقدسيين الذين عانوا طوال سنوات من اعتداءات الاحتلال وانتهاكاته.
“أبو المجد” ذاق كل أنواع الاعتداءات الإسرائيلية، من ضرب، اعتقالات، استدعاءات، تحقيقات، إبعاد عن المسجد الأقصى، إبعاد عن منزله وعائلته، حتى الحبس المنزلي والسجن الفعلي.
يستذكر محيسن الأحداث التي حصلت في “باب الأسباط” العام الماضي، وبالتحديد في الـ15 من شهر آب/ أغسطس 2019، حينما اعتدت قوات الاحتلال على المصلين بالضرب بأعقاب البنادق ورمي القنابل تجاههم، حتى أُصيب بكسر في جفنه وتم تحويله للعلاج في إحدى المشافي القريبة.
يقول محيسن لـ”القسطل”: “تعرضت طيلة الفترة الماضية للكثير من الاعتقالات والتضييقات، وأُصبت عدة مرات من قبل الاحتلال، وكدت أفقد عيني قبل عام بعدما تم الاعتداء عليّ بأعقاب البنادق، لكن الحمد لله مرّ كل شيء بسلام”.
وفي بداية العام الجاري، اعتقلت قوات الاحتلال عددًا من الشبان من بينهم محيسن، على خلفية أحداث مصلى “باب الرحمة”، وتم الإفراج عنه بعد 20 يومًا قضاها في سجن “المسكوبية” غربي القدس، لحبس منزلي جزئي مع إمكانية الذهاب للعمل فقط.
ويُشير إلى أن شرطة الاحتلال سلّمته بعد ذلك، قرارًا بالإبعاد عن المسجد الأقصى لمدة ستة شهور وذلك خلال شهر أيار الماضي، وانتهى القرار أواخر شهر تشرين ثاني الماضي.
الاعتقال الأخير والتهمة التي فاجأت محيسن
في الـ13 من شهر آب/ أغسطس الجاري، اعتقلت وحدة من مخابرات الاحتلال “أبو المجد” من مكان عمله في “دير ياسين”، وصادرت هاتفه، ثم اقتادته عناصر الاحتلال إلى “المسكوبية”، ثم زجّوا به في “زنازين 20” الخاضعة لتحقيق “الشاباك”.
بعد يوم واحد من الاعتقال، عُرض على محكمة “الصلح” التي مدّدت اعتقاله لاستكمال التحقيق لمدة خمسة أيام. يوضح محيسن: “كانوا يتخبطون، ويحاولون تلفيق أي تهمة لي، تهديد وترويع، كنت أمكث في الزنزانة فترات طويلة دون تحقيق، حتى اتهموني بتلقي أموال من منظمة إرهابية ومساعدة تنظيم إرهابي”.
تلك الزنازين التي مكث فيها المحرر محيسن نحو شهر، عبارة عن غرفة ضيقة، باردة، ذات ضوء أصفر مزعج، جدران إسمنتية خشنة، وفرشة مهترئة على الأرض، وتكون قريبة من “المرحاض”، بحسب وصفه لها.
ويُلفت إلى أنهم بعدما فشلوا في نسب أي تهمة له في التحقيق الأول، بدأوا بالتحقيق معه على منشورات على حسابه على “الانستغرام” بعدما فتحوا هاتفه، واختاروا ما يحلو لهم حتى يجدوا أي ذريعة لإدانته وزجّه في السجن.
يقول “أبو المجد” إن هذه المرة الثالثة التي يخضع فيها لزنازين الاحتلال ويخرج منها دون إدانة، لكنهم هذه المرة استطاعوا إدانته على أمر بسيط لم يكن يتوقع أبدًا أن يُسجن بسببه.
عصبةٌ على رأس طفل .. كانت “تُهمة”
“حققوا معي على صورة لنجلي قبل ثماني سنوات في مهرجان الأقصى، كان يلبس عَصْبة خضراء كُتب عليها “لا إله إلا الله”، فاعتبروا بأنها دعم لمنظمة “إرهابية”، إضافة إلى أناشيد بصوتي واعتبرها الاحتلال نوعًا من التحريض”، يفيد محيسن في حديثه لـ”القسطل”.
احتُجز في الزنازين لمدة شهر، ثم نُقل إلى سجن “مجدو” حيث بقي هناك لمدة شهرين، حتى تم الإفراج عنه في الثاني من شهر تشرين ثاني الماضي، لحبس منزلي قاسٍ في بلدة سلوان، بعيدًا عن مسكنه وبيته في مخيم شعفاط شمالي شرق القدس المحتلة.
ويبيّن: “أُفرج عني شرط دفع كفالة مالية بقيمة 13 ألف شيقل، وثلاثة أشخاص عليهم أن يكفلوني بالالتزام بالشروط والحبس المنزلي، ومُنعت خلال هذه المدة من استخدام أي جهاز فيه انترنت”.
أخيرًا، وبعد معاناة طويلة ما بين السجن الفعلي والتحقيقات والحبس المنزلي لمدة شهر، تم الحكم عليه في الثاني من شهر كانون أول/ ديسمبر الجاري بالسجن لمدة سبعة شهور، وغرامة بقيمة ألف شيقل، وستة شهور وقف تنفيذ لمدة ثلاث سنوات، شرط أن يسلّم نفسه في الـ20 من الشهر الجاري أي يوم الأحد القادم.
بعد النطق بالحكم ومغادرة المحكمة، تفاجأ محيسن بتوقيف مركبته من قبل قوات الاحتلال قرب “باب المغاربة”، والتي اعتقلت زوجته التي كانت برفقة نجله عز الدين البالغ من العمر نحو عام، بحجة أنها كانت مطلوبة للتحقيق ولم تحضر.
تم التحقيق معها لمدة ساعة ونصف في مركز “القشلة” غربي القدس، ثم أُفرج عنها دون شروط.
عمر محيسن الذي عُرف بحبه للمسجد الأقصى، وبصوته الذي كان يصدح بالقرآن والدعاء قرب “باب الأسباط” وقت إبعاده، سيسلم نفسه للاحتلال في سجن “الرملة” بعد عدة أيام، وستنتظره زوجته وأطفاله الأربعة كي تُعود لهم حياتهم الطبيعية دون وجع البُعد والفراق والسّجن.
اليوم .. احتفل "أبو المجد" بذكرى ميلاد نجله "عز الدين" الذي بلغ العام، قبل أن يسلّم نفسه ويحرمه الاحتلال من عائلته وأطفاله