الحبس المنزلي في القدس..طفولة مقيّدة بين الجدران
القدس المحتلة-القسطل: بين جدران المنزل، يقضي عشرات أطفال مدينة القدس أحكاما فرضتها محاكم الاحتلال عليهم، ليسلب حقوقهم ويحرمهم من عيش طفولتهم، ويحوّل المنازل لمعتقلات يقبع فيها الأطفال، تحول فيها الأبواب دون حريتهم.
في إحصائية زودتها هيئة شؤون الأسرى والمحررين لـ "القسطل"، بلغ عدد الأطفال المقدسيين الذي صدر بحقهم أحكام بالحبس المنزلي 48 طفلا في عام 2017، وفي عام 2018 بلغ 43 طفلا، وارتفع هذا العدد في عام 2019 ليصل إلى 67 طفلا، وبلغ 20 طفلا في عام 2020.
الفتى علي طه من مخيم شعفاط بالقدس المحتلة (17 عاما) حوّله الاحتلال للحبس المنزلي عقب إصابته بالقدم، لتصدر محكمة الاحتلال حكما عليه بالحبس المنزلي مدة عام، وما إن انتهت المدة حتى حوّله الاحتلال للسجن الفعلي مدة أربعة أشهر.
يقول بلال طه والد علي لـ"القسطل" أثناء ذهاب الأطفال إلى المدارس، كان علي يقف على نافذة المنزل يراقبهم، دون أن يكون قادرا على الخروج من باب المنزل، ليحول الحبس المنزلي دون اكمال تعليمه المدرسي.
ودّع علي مرحلة الطفولة بأقسى تجربة، ليُحرم من أن يخرج ويلعب مع بقية الأطفال، أو يتوجه للدكان لشراء ما يشتهيه، ليكون المكان الوحيد الذي يخرج إليه ويعتبره نُزهة هو المستشفى، وحتى ذلك كان يتطلب من عائلته الحصول على تصريح من المحكمة من خلال المحامي لاستكمال العلاج.
يضيف طه أن الحبس المنزلي حوّل علي لشخص عصبي، وكانت معاناته تزداد نتيجة الأوجاع الشديدة في قدمه، إذ كانت إصابته تتطلب رعاية طبية مستمرة، وفي أكثر من مرة فرضت محكمة الاحتلال علينا غرامة مالية لمخالفة الحبس المنزلي عندما كنا نتوجه للأطباء.
الناطق باسم لجنة أهالي أسرى القدس أمجد أبو عصب يشير إلى أن الحبس المنزلي هو عقوبة يفرضها الاحتلال على أطفال القدس، لها عدة أشكال، إذ يفرض الاحتلال الحبس المنزلي المفتوح، ويُمنع فيه الطفل من الخروج من منزله، لأي سبب كان، وهو غير محدد بزمن.
وأوضح في حديث مع القسطل أن أحكام الحبس المنزلي تتراوح لأيام وشهور وتصل لعام، ويتم أحيانا تزويد الطفل بسوار إلكتروني تحدد حركته.
وبيّن أن الاحتلال أيضا يفرض على الطفل المقدسي الحبس المنزلي ويتم إبعاده عن منزله خارج بلدته أو المدينة، وهناك عدد من الأطفال الذين تم إبعادهم وفرض الحبس المنزلي عليهم في حيفا، يافا، عكا، وهو ما يضطر العائلة لاستئجار منزل له.
وقال أبو عصب:"سياسة الحبس المنزلي اتبعها الانتداب البريطاني واستند عليها الاحتلال، وتهدف إلى تدمير النسيج الاجتماعي للعائلات المقدسية".
وأشار إلى أن عقوبة السجن الفعلي لا تضمن المدة التي يمضيها الطفل في الحبس المنزلي، ويتم فرض شروط عليهم وعلى عائلاتهم تتضمن إيداع مبلغ كبير من المال في صندوق محكمة الاحتلال تصل لعشرات آلاف الشواقل، كضمان لعدم خرق الشروط.
وتابع أن الاحتلال يفرض على الأطفال عدم الخروج من المنزل تحت أي ظرف، ويلزم العائلة بوجود كفيل مع الطفل في المنزل على مدار الساعة.
وأردف أن الحبس المنزلي أدى لتحطيم بنية العائلة المقدسية، وحوّل الاحتلال المنازل لمعتقلات.
وبيّن أن الطفل يرى الحرية أمامه ولا يمارسها، وهو ما جعله يتمرد في أحيان كثيرة ويحاول الخروج، ما يجعله في مواجهة مع عائلته.
وقال إن الحبس المنزلي حوّل العديد من الأطفال إلى أشخاص مزاجيين، وعنيفين، ومنهم من اعتدى على أفراد العائلة، وحطم أثاث المنزل، ومنهم من حاول الانتحار، إضافة إلى من أصبح يعاني من تبول لا إرادي، وتساقط في الشعر.
وشدد أبو عصب إلى أن الاحتلال يسعى عبر هذه السياسة لتجهيل الجيل، إذ ينقطع الطفل عن دراسته، وما أن يعود ليمارس حياته حتى يجد نفسه في نفس الصف مع طلاب آخرين، وهو ما يجعله يعزف عن استكمال دراسته.
بدوره، قال محامي مؤسسة الضمير محمود حسان في حديث مع القسطل إن قانون الاعتقالات "الإسرائيلي" الذي يطبقه بحق أطفال القدس، يسمح لمحاكم الاحتلال إطلاق سراح المعتقل ضمن شروط مقيّدة، تتراوح بين الحبس المنزلي، والإبعاد، والحبس في مكان خارج إقامته.
واعتبر أن هذه السياسة تندرج في إطار تضييق الخناق على سكان القدس وتهجيرهم، وتحويل حياتهم لجحيم، وأن الاحتلال يستخدم هذا القانون من أجل المساس بالحياة الاجتماعية داخل مدينة القدس.
وحول الآثار النفسية لسياسة الحبس المنزلي على الأطفال، أوضح المدير المهني لمركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب الأخصائي، خضر رصرص أن سياسة الحبس المنزلي هي إعتداء على الحرية المكانية للأطفال، وتضييق لمساحتهم الشخصية.
وأشار لـ"القسطل" إلى أن الخطورة في هذه السياسة تكمن في تغيير الدور الذي تقوم به العائلة، الذي يشعر الطفل بالآمان بينهم، ويُحوّلهم الاحتلال لسجانين في عينه.
وقال إن الأطفال يحتاجون للوسط والبيئة الملائمة لعمرهم، وأن الطفل يحتاج أطفالا آخرين.
واعتبر أن الحبس المنزلي إعتداء على حق الطفل في التعليم، ويُحرم من التوجه للدراسة، فهو يبدع عندما يكون في وسط ملائم له بين الطلاب.
وأضاف أن الطفل في الحبس المنزلي يشعر بضائقة نفسية، ويتولد لديه شعور بالذنب والخذلان، وهذا يخلق حالة من الاحباط يترتب عليها تغير في السلوك، ويصبح انطوائي ولديه سلوك عدواني.
. . .