عن مسيرةٍ كسرت خوفنا وصنعتْ خوفهم وجددت إيماننا بالنصر
المقال للأستاذ صامد صنوبر..
دأب الصهاينة على إقامة ما يسمونه بمسيرة الأعلام في الخامس من حزيران يونيو من كل عام احتفالا بذكرى توحيد مدينة القدس على حد وصفهم، ذلك التوحيد الذي تمَّ لهم بعد تمكنهم من هزيمة ستة جيوش عربية في ستة أيام مما جعلهم ينتشون ويؤمنون بأنهم جيش لا يقهر.
ولو حاولنا البحث والتعمق في أهداف وغايات الصهاينة من تلك المسيرة في كل عام لوجدنا أنهم لا يقومون بها من فراغ وهي ليست فعلا رمزيا أبدا، وفضلا عن إظهار سيادتهم على المدينة المقدسة القائمة بالأمر الواقع عسكريا نجد لهذه المسيرة عدة أهداف ربما من أهمها التعالي على أصحاب الأرض الأصليين ومحاولة بث الذعر لدى السكان المقدسيين وعموم الشعب الفلسطيني والعربي عبر إظهار مشهد القدس وكأنها ذات طابع صهيوني بحت يصعب كسره أو تغييره وهذا يندرج ضمن عملية التهويد المستمرة للمدينة المقدسة ومحاولة طمس الطابع العربي والإسلامي فيها، أيضا يمكن أن نفهم من إصرار الصهاينة على هذه المسيرة بأنه محاولة للحفاظ على معنويات جمهورهم وشعوره بالقوة والتفوق على أعدائه العرب الذين يشبعونهم شتما وعنصرية في مسيراتهم، باختصار يريد الاحتلال كيَّ الوعي لشعبنا والشعوب العربية والإسلامية من حولنا ومحاولة زرع الخوف فينا وتثبيت قناعة لدينا بأنه لا يهزم وأن الوضع في القدس لا يمكن أن يتغير، لكن هل نجح الاحتلال بذلك يا ترى؟
إنّ المتأمل للوضع بعد معركة سيف القدس التي خاضتها المقاومة الفلسطينية عام 2021 وكان التصدي لمسيرة الأعلام عنوانا لها يلمس متغيرات جوهرية أقل ما يقال في وصفها بأنها إيجابية على عموم القضية الفلسطينية وسلبية على أصحابها، وكأنّ السحر انقلب على الساحر، وكأنّ هذه المسيرة قتلت الخوف لدى الفلسطينيين وجددت إيمانهم بالنصر على الاحتلال وتحرير فلسطين كل فلسطين بشكل لم نعهدهُ من ذي قبل خصوصا لدى فئة الشباب الفلسطيني والمقدسي على وجه الخصوص، وهنا لا يمكن أن نغفل تنامي المقاومة في شمال الضفة الغربية والتي بدأت تتدحرج من مخيم جنين كما لا يمكن إغفال البطولات المقدسية التي أظهرت تحديا أسطوريا جعل أصحاب السيطرة العسكرية يظهرون في قمة ضعفهم وهم يحشدون قوات عسكرية ضخمة في مواجهة مواطنين عُزَّل، كما أظهرت حقيقتهم بأنهم غرباء عن الأرض، فصاحب الأرض الحقيقي لا يحتاج إلى قوات عسكرية هائلة ليرفع علمه في مدينته، فالمسيرة أثبتت أن القدس عربية من حيث لم يحتسب أصحابها، كما أنها زرعت الخوف والرعب في قلوب أصحابها وهذا الذي ظهر في حالة الجدل لدى الأوساط الصهيونية المختلفة والتي سبقت المسيرة، فكل من يراقب الشأن الصهيوني يدرك أن المسيرة لم تكن حدثا طبيعيا لأصحابها كما جرت العادة بل باتت حدثا يقض مضاجع مجتمع الاحتلال من أسفل هرمه إلى أعلاه، وبات الخوف والذعر الذي أرادوه لشعبنا من مسيرتهم يسكن قلوبهم وعقولهم، بل إن فكرة الهزيمة والزوال باتت تسكن صدورهم مكان فكرة من لا يقهر وباتوا يتحدثون عن ما يسمونه لعنة القرن الثامن أكثر، كل هذا يدل على أن الكثير من الأمور قد تغيرت بعد آخر مسيرتي أعلام في العامين الأخيرين وفي الوقت الذي لم تنتهِ تبعات هذه المسيرات حتى الآن نقول بأنّ اشتباك شعبنا ما بعد المسيرة ما يزال مستمرا ولا أحد يستطيع الرهان على شعب آمن بفكرة النصر وهزم فكرة الخوف.