الأمن المفقود في قرى شمال غرب القدس والأحياء الواقعة خلف الجدار
القدس المحتلة - القسطل: يعاني سكان قرى شمال غرب القدس والأحياء المقدسية الواقعة خلف الجدار من تهميش وفلتان أمني حولها لغابة من السلاح والجريمة، وقد تجلى ذلك بوضوح قبل أيام في بلدة كفر عقب الواقعة شمال مدينة القدس، إذ قتل فيها ثلاثة شبان خلال فضهم لنزاع بين عائلتين.
يقول رئيس بلدية كفر عقب عماد عوض لـ"القسطل" إن سبب انتشار العنف في البلدة هو عدم وجود أجهزة أمنية قادرة على ضبط الأوضاع، ولا يمكن لرجال الإصلاح والتنظيمات سدّ هذا الفرغ، لأن دورهم في النهاية دور مساعد فقط.
وأضاف أن كمية الأسلحة الأوتوماتيكية الموجودة لدى المواطنين في كفر عقب تشعرك أنك في ساحة حرب، واصفا البلدة بأنها "شيكاغو فلسطين" بسبب انتشار الأسلحة حتى بين الشبان الصغار، وهذا كله في ظل عدم وجود محاسبة وإهمال وتهميش متعمد من قبل الاحتلال، الذي يتولى السيطرة الأمنية على المنطقة.
وأشار عوض إلى أن الدور، الذي تقوم به البلدية لا يتعدى مناشدة رجال الإصلاح والجهات الرسمية للتدخل وتكثيف الحضور، بالإضافة لنقل صورة ما يجري عبر الإعلام.
وتابع رئيس بلدية كفر عقب في حديثه مع "القسطل" قائلا إن حجم المأساة كبير جدا، وهو ما يفسر الحاجة لـ 200 عنصر أمني فلسطيني دخلوا البلدة من أجل فض النزاع الأخير.
وأوضح أنه بحسب اتفاقية جنيف فإن الاحتلال يجب أن يتحمل مسؤولية الأمن والاقتصاد والصحة والتعليم، ولكن ما يجري على أرض الواقع هو أنه لا يقوم بمسؤولياته، ويمنع أيضا السلطة الفلسطينية من القيام بواجبها تجاه الفلسطينيين في البلدة.
وفي السياق أكد رئيس بلدية الجديرة الواقعة شمال غرب القدس نزار قاسم لـ"القسطل" على أن غياب الوازع الوطني والديني بالإضافة للفراغ الأمني من أهم الأسباب التي تؤجج العنف، مشيرا إلى أنهم يلجأون في فض النزاعات إلى شرطة بدو التي تعمل ضمن نطاق شرطة الضواحي.
وقال "نحن بحاجة إلى دخول الأجهزة الأمنية إلى قرى شمال غرب القدس، لأنها تدخل بشكل محدود.
وبحسب رئيس بلدية الجديرة، فإنه في ظل الفراغ الأمني الحاصل، لا بد من استنساخ نماذج من تاريخ الشعب الفلسطيني، أهمها؛ تجربة الانتفاضة الأولى، التي كان فيها لجان ضبط من مختلف التنظيمات ساهمت في ضبط الحالة الاجتماعية.
وأوضح أن ما يجري اليوم من صراعات وإشكاليات هو انعكاس للتهميش الذي تعاني منه تلك المناطق سواء من الاحتلال الإسرائيلي أو السلطة الفلسطينية، ودور المجالس في هذه الحالة يقتصر على التوعية وعقد الندوات، التي كان آخرها قبل يومين في المركز الثقافي في بيت عنان.
وتابع قاسم قائلا: "طالبنا بأن يوكل للقوى الوطنية الدور الفعال والمباشر في هذه القضية من خلال تشكيل لجان إصلاح واعية وطنيا وأمنيا في كل بلدة، على أن تضم قانونيين ورجال إصلاح، بحيث يمكنهم التواجد في اللحظات الأولى من أي شجار لمحاصرته ومعالجة آثاره".
وقال إن هذه اللجان يجب أن تكون منظمة وواعية وغير منحازة وشجاعة ومقبولة اجتماعيا، لأن هذا هو الحل الوحيد لمنع فوضى السلاح والجرائم في ظل أن القانون الفلسطيني لا يمكن تطبيقه في هذه المناطق، خاصة مع عدم وجود سيطرة أمنية فلسطينية وتحكم الإسرائيليين بالمداخل والحواجز وهو ما يسهل هروب المجرمين للداخل المحتل.
وفي مقابلة مع "القسطل" قال المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية العقيد لؤي ارزيقات إن الاحتلال الإسرائيلي يسمح لتجار السلاح والمخدرات للقيام بكل ما يريدون فعله في هذه المناطق، التي لا يمكن للأجهزة الأمنية الفلسطينية التواجد فيها بشكل مستمر.
وكشف أن "هذه المناطق أصبحت ملاذا آمنا للمجرمين الذين يهربون إليها من مناطق سيطرة السلطة، ويرفض الاحتلال متابعتهم أو الحد من نشاطهم، وهو ما يضطرنا للاعتماد على الطرق الإرشادية والتوعية ومناشدة المواطنين بالتعاون مع اللجان المجتمعية ولجان التنظيم والمؤثرين في هذه المناطق".
وقال ارزيقات إن الاحتلال يحظر وصول الأجهزة الأمنية لبعض المناطق ويعرقل أو يؤخر الوصول لمناطق أخرى، والبديل الموجود هو نشر الوعي وترسيخ ثقافة الحوار.
بدوره اعتبر المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الناس عمار دويك في مقابلة مع "القسطل" أن المشكلة في القدرة على تطبيق القانون الفلسطيني على الجميع وليست في القانون نفسه، معتبرا أن هناك ضعفا في تطبيقه خاصة عندما يتعلق الأمر بأبناء التنظيم أو الأجهزة الأمنية، الذين يشهرون السلاح في المناسبات الاجتماعية.
ومن وجهة نظر دويك فإن هناك تساهلا من قبل المؤسسة الرسمية في موضوع السلاح مع بعض الأشخاص، والمطلوب اتخاذ قرارات سياسية محايدة تمنع وتحد من هذه الظواهر.
وطالب دويك باسم الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بضرورة تطبيق قانون الأسلحة والذخائر بشكل عام وفي مناطق شمال غرب القدس والأحياء الواقعة خلف الجدار، مؤكدا أن الأجهزة الأمنية يجب أن تبقى في هذه المناطق تطبيقا لما صرح به رئيس الوزراء محمد اشتية بأن حكومته لا تعترف بتقسيمات (أ، ب، ج).
وتابع دويك بأن دخول الأجهزة الأمنية لكفر عقب كان بمثابة فرصة بمثابة لبقائهم، لأنه في حال اعترضهم الاحتلال وشكل خطرا على حياتهم، يضطر هو لتحمل المسؤولية الكاملة عن ما يجري في المنطقة.
وأضاف أن الهيئة تعمل على تقديم توصيات بضرورة ضبط السلاح، وتنظيم حملات توعية بالتعاون مع رجال الدين والقادة المجتمعيين، هدفها التأكيد على خطورة انتشار واستخدام السلاح في هذه المناطق.
الطبيب والأخصائي النفسي محمد الخواجا أوضح في حديث مع "القسطل" أن الأحياء المقدسية الواقعة خلف الجدار وقرى شمال غرب القدس تعاني من اكتظاظ سكاني بسبب السياسات الإسرائيلية المتعمدة للتضييق على الفلسطينيين هناك، وهذا الاكتظاظ يخلق نوعا من الضغط النفسي بالإضافة لمشاكل الإزعاج والفوضى والتعديات وعدم وجود أماكن للترفيه، وهو ما يفاقم التوتر المؤدي للعنف.
وفي مقابلة سابقة مع "القسطل" اعتبر الباحث في حقل العلوم الاجتماعية عبد العزيز الصالحي أنه في تفسير هذه الظواهر “يجب علينا التركيز على أن الأفراد يتفاعلون في حالات العنف هذه بشكل إما مقصود أو غير مقصود مع أهداف المستعمر بشكل أساسي فيما يتعلق بتدمير النسيج الاجتماعي للفلسطينيين، وثانياً وبالرغم من تعامل الاحتلال مع حساسية توفر السلاح بين الأيدي الفلسطينية، إلا أنه يدرك الفائدة المرجوة لصالحه من وجوده بين الأيادي التي لن توجه هذا السلاح تجاهه، خصوصاً للمقدسيين الذين يقطنون خلف الجدار، لأن ذلك يعمل على تشويه الهوية المقدسية بشكل مقصود، والهدف تشكيل ثغرة مجتمعية تساهم في تعميم وصف الجريمة وتشويه الهوية”.
وشدد على أن “علينا الحذر بأن ما يحصل بالتحديد في هذه المناطق هو في غاية الخطورة لأنه يصب بشكل مباشر بتلاعب المستعمر بالهويات التي خلقها وتنميطها، كما ويمكن القول إن غياب الأجساد الوطنية في هذه المناطق بشكل مقصود من خلال الاحتلال (اعتقال وتفكيك) خلق عدة ثغرات مدمرة داخل هذه التجمعات تتجاوز العنف ومرتبطة به بشكل أساسي كانتشار المخدرات والاتجار بالسلاح وانتشاره وغيرها”.
ويرى الباحث الصالحي أن العنف المصاحب بالسلاح وبهذه الفوضوية يعطي ذريعة للمستعمر بأن لا مكان لكل هذه الفوضى بين “عقلانية” المستعمر التي يدعيها، والتي طبعاً لا تمت بصفات المستعمر الإجرامية بصفة، وإن أخذت طابع “العقلانية”، ودروسنا مع الاستعمار وروايته علمتنا أن المستعمر الصهيوني يخلق ظواهر اجتماعية لتوائم روايته الخيالية المنسوجة حول توصيفه لنا.
. . .