حتى تتوقف دوامة العنف
بعد كل جولة عنف أهلي يسقط فيها ضحايا تتجدد التساؤلات عن أسباب هذا العنف: فهل هي ثقافة عنف؟ أم فوضى سلاح؟ أم غياب سلطة؟
هذه الأسئلة الثلاثة ربما تصلح في مجتمع يعيش حالة عادية، على أرضه وفي دولته... أما في مجتمع واقع تحت الاحتلال يتعرض أفراده لعنف الشرطة والجند وقيودهم وقبضاتهم وهراواتهم وأسلحتهم وجرافاتهم واعتقالاتهم وتعذيبهم، فإن المصدر الأساس الدائم لهذا العنف هو عنف المحتل.
والعنف لا يفنى ببساطة، فالنفس الإنسانية ليست مهيأة لامتصاصه ونسيانه، بل هي تبحث عن تفريغه، والشكل البدائي من هذا التفريغ هو أن تبحث عمن هو أضعف، فتنشأ هرمية تنقل العنف من الأقوى للأضعف، وهذا الشكل من التفريغ لمجتمع تحت الاحتلال هو شكل من الانتحار الجماعي، فالعنف سيبقى يصدر إليه من المحتل، وهو سيواصل تفريغه إلى أن يصل ضحاياه الضعاف لنقطة انفجار، فيصبح المجتمع تحت وطأة عنفين متفجرين من فوقه ومن تحته.
إن كان من حل عقلاني لدوامة الجحيم هذه فهو إعادة توجيه العنف إلى مصدره الأساس؛ إلى صدر المحتل. هذا يتطلب إدراكاً جماعياً بأن استمرار هذه الدوامة انتحار، وأنها ستطحن الجميع ما دام المحتل يصدر العنف لمجتمعنا دون توقف؛ والحل الوحيد هو إزالة المصدر المستمر له، أو على الأقل ردعه بعنف مضاد يجعله يخضع لمعادلة الثمن.
توجيه السهام نحو ثقافة العنف وفوضى السلاح وغياب السلطة كلها تغفل هذه السلسلة المركزية للعنف في أقل الأحوال، وتصب في مصلحة المحتل -بغض النظر عن قصد أصحابها- إذ تأخذنا نحو تفكير نتهم فيه أنفسنا بعيداً عنه، ونجرّم فيه السلاح ونبرر نزعه، ونستدعي من خلاله سلطة المحتل بل ونستجديها، أو نستدعي سلطة دايتون التي تعمل تحت أقدامه؛ فضلاً عما يشكله هذا العنف الأهلي من بيئة خصبة لعمل أجهزة المحتل الأمنية في تفتيت مجتمعنا واستهداف خيرته تحت ستار هذا العنف.
إن كنا نبحث حقاً وبشكل جدي عن حل لهذا العنف الأهلي الطاحن وتوظيف المحتل له فلا مفر من إعادة توجيهه إلى صدر المحتل كخيار جماعي، إلى أن يزول أو أن نلجم عدوانه بمعادلة الردع في حدها الأدنى، مع مواصلة جهود الإصلاح لرأب الصدوع أولاً بأول، وحل المشكلات عبر مبادرات مجتمعية دينية وعشائرية لا تحوجنا بأي حال لاستدعاء شرطة المحتل وجنده لحمايتنا من بعضنا، وإلا كنا كمن يستدعي سرطان الكبد ليعالج سرطان الدم.
. . .