كيف ساهمت سياسات الاحتلال في عزوف الشبان المقدسيين عن الزواج؟
القدس المحتلة - القسطل: دامت خطوبة محمد عدّة سنوات، في محاولة للخروج من مأزق كبير وهو السكن في مدينة القدس، حاول أن يشتري منزلًا فتفاجأ بأسعار الشقق الخيالية، وحاول الحصول على ترخيص للبناء فوق منزل عائلته، لكن بلدية الاحتلال رفضت ذلك، وسّع منزل العائلة غرفة وحمامًا لكن آليات الاحتلال هدمتهما قبل أن يسكنها.
لجأ محمد إلى استئجار شقة في المدينة، ليجد أن منزلًا يتكون من غرفتين بمرافقهما البسيطة يصل إيجاره إلى 3 آلاف شيقل دون الفواتير الأخرى كالماء والكهرباء ..الخ. فما كان أمامه سوى مغادرة المدينة إلى خارج الجدار. هناك قد يجد مطلبه لكنه سيُعاني الأمرّين جرّاء البنى التحتية المعدومة، انقطاع الماء والكهرباء، وكذلك الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي سيمر عبرها صباحًا ومساءً، ناهيك عن إثبات إقامته في القدس.
معاناة “محمد” هي اسم حركي لكل شاب مقدسي يقطن بالعاصمة المحتلة ولا يجد مكانًا يسكنه مع شريكته ويؤسس فيه أسرة تعيش بأمن وسلام.
تُشكّل فئة الشبان المقدسيين من الذكور والإناث من عدد السكان الكلي الذي يبلغ نحو 360 ألفًا داخل وخارج الجدار (أرقام غير دقيقة) نحو 40 بالمائة، وذلك بحسب ما أفاد به المختص في شؤون القدس إسماعيل مسلماني.
وأضاف لـ”القسطل” أن تلك الفئة الشبابية بدأت فعليًا العزوف عن الزواج بسبب أسعار الشقق وكذلك ارتفاع إيجارات السكن داخل مدينة القدس، ما يجعلهم يهربون إلى خارج الجدار مثل؛ عناتا، مخيم شعفاط، كفر عقب، العيزرية، وأبو ديس.
وأشار إلى أن القدس تشهد ارتفاعًا كبيرًا في عدد السكان - خاصة خلال العشر سنوات الماضية- ما يجعلهم يتوسّعون في البناء الذي ترفضه السلطات “الإسرائيلية” وتُحاول محاربته عن طريق عمليات الهدم اليومية في شرقي القدس، متذرعة بـ”الترخيص”.
ولفت إلى أن فئة الشباب باتت أمام خيارين: إمّا أن تؤجّل موضوع الزواج وبناء أسرة بسبب غلاء أسعار الشقق والإيجارات، أو أن تهرب من القدس إلى مناطق خارج الجدار. يقول مسلماني إن القدس باتت تعيش سياسة “الطرد الناعم”، والتي تعني أن المواطن المقدسي يجرّب العيش في سكن ودفع إيجار (أقل إيجار يُطلب الآن) يصل لـ3 آلاف شيقل شهريًا، وبعد عدّة شهور تجده قد انتقل للعيش إلى خارج الجدار وهذا بالطبع من مصلحة الاحتلال الذي يسعى إلى تحقيق أقلية عربية في العاصمة المحتلة.
يبين مسلماني أنه بعد ضغط عدد من المؤسسات وأعضاء الكنيست العرب على حكومة الاحتلال في موضوع البناء في القدس، تم فتح المجال أمام البناء في بلدتي بيت حنينا (شمالًا) وبيت صفافا (إلى الشمال الغربي)، لكن من الذي يُسمح له بالبناء هناك؟ إنهم رجال الأعمال والمقاولون.
في هذا الوضع يتراوح سعر الشقة الواحدة (غير الجاهزة) ما بين 350 ألفًا إلى 500 ألف دولار، حيث يتم تقديم دفعة أولى ما بين 60 إلى 100 ألف دولار، ثم يتم التقسيط على 3 سنوات، وهناك مقاولون يطلبون 200 ألف دولار كدفعة أولى، أي أن على من يريد الشراء أن يدفع 4 آلاف دولار شهريًا، فهل يستطيع المقدسي أن يدفع هذا المبلغ؟!، يتساءل مسلماني.
يبين المختص في شؤون القدس مسلماني لـ”القسطل” أن غلاء أسعار الشقق في بيت حنينا وبيت صفافا، أثّر سلبًا على إيجارات المنازل في المدينة التي لا يطلب أصحابها أقل من 3 آلاف شيقل شهريًا، ودفع مقدّم لثلاثة شهور أو ستة، ناهيك عن الفواتير الأخرى.
الاحتلال لا يُريد للمقدسيين التوسع في العاصمة المحتلة، ولا منحهم تراخيص بناء منازل جديدة على أراضيهم، في المقابل، يمنح اليهود خاصة في غربي المدينة تراخيص بناء منشآت متنوعة، وبناء طوابق تصل لـ30 طابقًا في المنشأة الواحدة، بخلاف ما تفعله بلدية الاحتلال في القدس التي لا تسمح إلّا بأربع أو خمس طوابق و”بطلوع الرّوح”، كما أفاد مسلماني.
وأضاف أن بلدية الاحتلال تقدّم طلبات عديدة للترخيص، حيث أن 100 متر سيكلّف ترخيصه 35 ألف دولار، عدا عن دفع الرسوم الأخرى لمؤسسات الاحتلال، المياه، الكهرباء، الإطفاء، المواصلات، الطبيعة والبيئة، ويحتاج المقدسي سنوات عديدة للحصول على الترخيص التعجيزيّ، أمّا “اليهودي” فيحصل عليها مباشرة.
يحاول المقدسي أن يتشبّث في أرضه، يبيع ما لديه من أراضٍ في الضفة، أو ذهب زوجته، للحصول على منزل في مدينة القدس، لكن الظروف التي حوله تُجبره على الخروج منها، فلا سلطة تُساند أهل المدينة ولا دول عربية تدعمهم بالمشاريع والإسكانات التي تدعم صمودهم، فهي تهرول الواحدة تلو الأخرى نحو التطبيع مع دولة الاحتلال.