حتى لا نبيع أهل القدس وهمًا
لا بد من طرح الحقائق واضحة وعارية وبدون بيع أوهام وخداع وتضليل أمام المقدسيين حول طبيعة الخيارات المطروحة أمامهم للمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية بعد صدور المراسيم عن الرئيس محمود عباس التي تحدد تواريخ إجرائها.
وثمة أسئلة كثيرة واستفسارات يطرحها المقدسيون، وهي مشروعة وتحتاج إلى أجوبة مقنعة من قبل لجنة الانتخابات المركزية، ومن قبل صناع القرار الفلسطيني، سلطة وأحزاب وفصائل. هل السلطة والفصائل جاهزة ومستعدة لخوض اشتباك سياسي مع الاحتلال حول مشاركة المقدسيين في الانتخابات بعد تأجيل قضية القدس إلى ما يسمى بالمرحلة النهائية والتي حتى اللحظة لم تأت بعد 27 عاماً، وعملية التأجيل تلك ندفع ثمنها حتى اللحظة، والتي بات فيها المحتل في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية والعربية، وتنامي قوة اليمين المتطرف في دولة الاحتلال، وبلوغ الاستيطان في مدينة القدس مرحلة الـ"تسونامي" أكثر قدرة على فرض شروطه وحسمه لمعركة القدس؟ أي هل ستصر الفصائل والسلطة على أن يكون هناك مراكز اقتراع في القرى والبلدات المقدسية داخل جدار العنصري؟ بحيث يمارس المقدسيون فيها حقهم في الانتخاب وكل ما يتصل بالعملية الانتخابية من دعاية وتجمعات انتخابية وحق المرشحين والمراقبين بالوصول إلى صناديق الاقتراع؟..
وإذا ما تعذّر ذلك فهل السلطة والفصائل من باب ممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والدول الأوروبية التي لديها قنصليات في القسم الشرقي من المدينة، ستكون مستعدة لفتح سفاراتها كمراكز اقتراع لتصويت المقدسيين فيها، وترجمة قرارهم إلى فعل بتبني شعار حل الدولتين واعتبار القسم الشرقي من القدس مدينة محتلة وفق القانون الدولي وإلزام “إسرائيل” باحترامه..؟ أم أن ذلك مجرد كلام وشعارات وبدون رصيد، وبأن تلك الدول تابعة لأمريكا وتخشى “إسرائيل” وغير قادرة أو لا تجرؤ على فرض أي عقوبة عليها؟.
وهل الخيار البديل الذي ستمارسه السلطة والفصائل في ظل عجزها عن فرض الخيارات السابقة أو إجبار “إسرائيل” على تنفيذها، ستقول في إطار الذرائعية والتبرير يشارك المقدسيون في الانتخابات من خارج حدود بلدية الاحتلال في الضواحي ونحن نتعاطى مع القدس كمحافظة وليس خارج وداخل جدار الفصل العنصري، وهذا بحد ذاته هروب إلى الأمام وتسليم بالشروط الإسرائيلية ..؟؟
وهل هناك ضمانات دولية وعربية وإقليمية بأن من سيترشح عن دائرة القدس ممن تعتبرهم “إسرائيل” وأمريكا تنظيمات “إرهابية” أن لا يجري اعتقالهم أو طردهم خارج حدود ما يسمى بـ”بلدية القدس” (بلدية الاحتلال)؟.. كما جرى مع نواب حركة الإصلاح والتغيير المحسوبين على حركة “حماس”؛ أحمد عطون، محمد أبو طير، محمد طوطح، ووزير شؤون القدس السابق خالد أبو عرفة الذين جرى سحب إقاماتهم (الهوية الزرقاء الإسرائيلية) وإبعادهم إلى مدينة رام الله بعد فوزهم في الانتخابات التشريعية عن دائرة القدس في كانون ثاني عام 2006، تحت ذريعة ما يسمى بقانون “الولاء” لدولة الاحتلال.
خيار تصويت المقدسيين خارج ما يسمى بـ”حدود بلدية القدس”، سيجعل من إقبال المقدسيين على المشاركة في هذه الانتخابات متدني، ناهيك عن هذا الخيار مستقبلاً الذي سيرفع ويزيد من نسبة المشاركين في الانتخابات لبلدية الاحتلال، وكذلك سيزيد من نسبة الساعين للحصول على الجنسية الإسرائيلية..
أضف إلى ذلك أن الاحتلال لاعب أساسي في تلك الانتخابات، وأجهزته وأعوانه وطابوره الخامس سيعملون على إفشال الانتخابات في القدس، وسينشرون ويبثون الإشاعات بأن من سيشارك من حملة الهوية “الزرقاء” في الانتخابات التشريعية للسلطة الفلسطينية ستسحب هويته “الزرقاء-الإسرائيلية” أو سيقطع الاحتلال عنه مخصصات التأمين الوطني والصحي، أو مخصصات التقاعد والشيخوخة والأرامل وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
والبعض قد يطرح بأن يصوت المقدسيون عبر كود محدد إلكترونياً، وهذا سيثير الشكوك وسيخلق بلبلة وإشاعات واتهامات بالتلاعب والتزوير وغيرها.
هذه التساؤلات والإضاءات ليس من باب التشكيك أو خلق حالة من اليأس والإحباط، بل هي ضرورية وعلى درجة عالية من الأهمية، كي لا نقع في المطبات دوماً، لأني قرأت تصريحاً لعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الرفيق تيسير خالد يقول فيه ”إن إسرائيل خدعتنا فيما يتعلق بانتخابات القدس”، ودعا إلى تحديث سجل الناخبين للمحطتين الانتخابيتين في مدينة القدس وضواحيها وبما يغطي جميع سكان محافظة القدس بمن فيهم التجمعات البدوية، وإلى تحرير هذا السجل من جميع القيود الإسرائيلية التي كانت سببًا في انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي جرت في العام 1996 وفي عامي 2005 و2006.
وأضاف: “لقد حصرت هذه القيود المشاركة في المدينة في بضعة آلاف نتيجة ترتيبات ينبغي عدم تكرار الالتزام بها، ونتيجة عمليات خداع فرضتها إسرائيل على قيادة السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية في حينه”.
وقرأت جيداً الورقة التي رفعها حزب الشعب الفلسطيني يوم الإثنين الموافق 11/1/2021 إلى الرئيس محمود عباس، حول مشاركة المقدسيين في الانتخابات التشريعية والرئاسية والتي حملت عنوان “تعديلات مقترحة على قانون الانتخابات في القدس”، بإضافة الفقرة 3 للمادة 7 حول الحدود الانتخابية لمنطقة القدس، بحيث تشمل التجمعات السكانية داخل جدار الفصل العنصري وخارجه (محافظة القدس)، وكذلك تعديل المادة 115 حول دور لجنة الانتخابات المركزية، بحيث تمارس نفس الدور الذي تمارسه خارج جدار الفصل العنصري داخل حدود ما يسمى بـ”بلدية القدس”.
وهنا لكي تكون الملاحظات والإضاءة واضحتين بشكل جلي، ولا نترك مجالًا لأحد كي يقول “انخدعنا”، أو أننا لم نكن على علم ودراية، أود التذكير بأن اتفاق أوسلو الذي أجّل قضية القدس إلى المرحلة النهائية، وتنازل فيه المفاوض الفلسطيني ومن وقع ذلك الاتفاق وتنازل فيه عن تمثيله لأسرى القدس والداخل الفلسطيني معتمداً على حسن النوايا، وبأن هؤلاء الأسرى “إسرائيليو القدس يحملون الهوية الإسرائيلية -الزرقاء”، والـ48 مفروض عليهم حمل الجنسية الإسرائيلية، هناك أسرى من الجهتين مضى على وجودهم في الأسر أكثر من 30 عاماً، بل أن الأسيرين كريم وماهر يونس دخلا عامهما الاعتقالي التاسع والثلاثين.
والإضاءة الأخرى هي أنه بعد توقيع اتفاق أوسلو وتولي نتنياهو للحكم في “إسرائيل” عام 1996، أعاد فتح اتفاق الخليل المتفق عليه، وقسم الخليل إلى "H1 " و"H2"، وما زال شعبنا الفلسطيني في الخليل يدفع ثمن الموافقة على إعادة فتح الاتفاق.
ونحن حتى لا نخسر معركة القدس إلى الأبد علينا أن ندرس بشكل جدي خيارات مشاركة المقدسيين فيها، وبما لا يلبي شروط واشتراطات الاحتلال والله من وراء القصد.