معالم بيت صفافا الأثرية.. ضحية الاحتلال ومشاريعه
القدس المحتلة - القسطل: المشهد في قرية بيت صفافا ليس نادرا ولا مستهجنا، فمنذ مجيء الاحتلال الإسرائيلي وضع نصب عينيه سرقة وتزوير التاريخ والمعالم الأثرية بعد المصادرة التامة للأرض. وشهدت بلدة بيت صفافا منذ نكبة عام 1948 مرورا بنكسة عام 1967 شتى أنواع النهب والسرقة للأرض والحجر والهوية، وكل ما يرتبط بأصلها الفلسطيني العربي، لا سيما المعالم الأثرية الماثلة في البلدة والتي لم تسلم من بطش الاحتلال.
وواحد من أهم تلك المعالم والذي يعتبر إرثا تاريخيا وحضاريا، يطلق عليه اسم البرج، وقع فريسة للاحتلال، واستولت عليه "سلطة الآثار الإسرائيلية" لسنوات طويلة، بل وفرضت غرامة مالية على كل من يحاول أن يزحزح حجرا من مكانه فيه، وسط احتجاجات واعتراضات من قبل أهالي البلدة.
لا يبدو الأمر في أحسن حال فيما يتعلق بالبرج، فهو اليوم بقايا حجارة نقش الزمان عليها علاماته، يرجع عمرها إلى آلاف السنين، ولا يزال ماثلا للعيان حتى يومنا هذا، تجده في بيت صفافا الواقعة جنوب غرب القدس، إنه واحد من بضعة معالم أثرية احتوتها البلدة، ودمرته الحرب، ولم يتبق منه إلا قطعة صخرية أبت أن تصير ركاما.
وبحسب مختار البلدة محمد عليان ورئيس مجلس إدارتها السابق فإن البرج: يعد من أوائل المعالم الأثرية في البلدة، كما يعتبر مركزها، وتحديدا مركز البلدة القديمة فيها، حيث سكنته مختلف العائلات، وعاشت فيه لفترة من الزمن.
وانتقل السكان للعيش في المناطق المحاذية في منطقة الجبل والظهرة والمنطقة الشرقية، بعد إجبارهم على إخلائه.
ومع مرور الزمن، سقطت أبنيته، وعلى الرغم من اندثار الجزء الأكبر منه، إلا أن الاحتلال يصر على فرض سيطرته عليه، ويمنع أي محاولات ترميم من أهالي البلدة، باستثناء منطقة القوس التي أعيد ترميمها من قبل لجنة ترميم الأحياء، يقول علي سلمان (83 عاما) وهو أحد مخاتير القرية لـ"القسطل": " أي شخص يملك جزء بسيطا في البرج ممنوع من الوصول إليه، كما تمنع أي محاولات ترميم على اعتبار أن الآثار تبقى كما هي حسب إدعاء "سلطة الآثار الإسرائيلية".
ولم يكتف الاحتلال بمنع الوصول للمكان نفسه، بل طال المحلات والدكاكين المحاذية للبرج، يحدثنا الحاج سلمان بحسرة عن ذلك قائلا "قبل حوالي عشرة أعوام حاول أصحاب محلات قريبة من المنطقة وضع أبواب لمحلاتهم ولكن باءت محاولاتهم بالفشل، وقوبل طلبهم بالرفض، في محاولة من سلطات الاحتلال للتضييق على أهالي البلدة ودفعهم لمغادرتها، ناهيك عن محاولة الاحتلال لجعله منطقة سياحية بالتعاون مع وزارة السياحة وسلطة الآثار من خلال إنشاء المطاعم ومناطق جذب، لكن أهالي البلدة أوقفوا كل تلك المحاولات".
يريدها الاحتلال "منطقة سياحية عربية إسرائيلية"
ويوضح المختار محمد عليان لـ"القسطل" أن بلدية الاحتلال وبالتعاون مع مجالس الأحياء، أقدمت على مشروع قبل 15 عاما لجعل بيت صفافا منطقة سياحية، بحجة تطوير وإنماء البلدة، وجعل معالمها مكانا سياحيا مشتركا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن أهالي البلدة تصدوا لهذا المشروع لإدراكهم الأهداف الخفية وراء هذه الخطوة، والتي تتمثل في السيطرة على المعالم الأثرية، والقضاء على ما تبقى من تراث فيها.
ويتابع عليان: "قمنا باحتجاجات مستمرة، تمثلت في رفض المخطط، الذي يقضي بتحويلها إلى منطقة بنية ما يعني أنها منطقة عامة، تستطيع بلدية القدس استخدامها، بينما طالب أهالي البلدة أن تعتبر المعالم الأثرية، منطقة برتقالية أي أنها تصنف عامة خاصة، أي خاصة لأهالي بيت صفافا ما لا يعطي البلدية صلاحية عمل أي مشروع دون موافقة أهالي البلدة".
ويضيف: "قمنا بوقفات احتجاجية وعيّنا محامين، وكان سكان البلدة كلهم على قلب رجل واحد، رغم كل المغريات التي حاولت فيها البلدية، إقناع الأهالي بالمشروع".
كما بادر مخاتير البلدة الأربعة بطرح فكرة لجعله مكانا يقيمون فيه اجتماعاتهم ومن ثم محاولة الحصول على رخصة لإنشاء صالات في المكان، حتى لا يبقى مهجورا خاليا من الفلسطينيين، لكنها قوبلت بالرفض من أهالي البلدة نفسهم تحسبا لخطر تأجير المكان لليهود مستقبلا وذهبت الفكرة أدراج الرياح.
ووفقا لعليان فإن حجة إنعاش المنطقة ستعطي ذريعة للاستيطان كونها معالم أثرية، وستعطي البلدية الضوء الأخضر لتنفيذ مشاريعها التهويدية فيها.
زمن طويل مر على بناء البرج، واستنادا إلى الحفريات يرجع بناؤه إلى عهد الرومان، ثم جاء الصليبيون وأضافوا عليه بعض الأعمدة والقلاع والحصون، ثم الأيوبيين بقيادة صلاح الدين الأيوبي وأحضر معه بعد معركة حطين القبائل العربية وأسكن بعضهم فيه، ثم جاء بعدهم المماليك الذين أوقفوا بلدة بيت صفافا للمدرسة المنجكية في القدس، وبعدهم جاء العثمانيون وأحضروا معهم قبائل من بلاد الشام وسكنوه، ومن أسماء العائلات في ذلك الوقت عائلة الدمشقي وعائلة شمس الدين النوري، كان ذلك في عام 1632.
من لم يعش الماضي لم يعرف عظمة الفن المعماري الذي تمثل في كل تفاصيل ذلك المبنى الذي بات اليوم بقايا حجارة، يقول مؤرخ القرية الراحل مصطفى عثمان في كتابه (بيت صفافا طيب المنبت وصفاء القلوب) إن البرج: "كان مؤلفا من عدد من الطوابق، فيه بئرعميقة في الطابق الأوّل، ومن حوله تتناثر بعض الأعمدة الرخامية المكسرة، يعلو بابه الرئيس حجر منقوش، وهناك درج داخلي يوصل طبقات البرج المتعددة، كما أن للبرج نوافذ عديدة تطل على جميع الاتجاهات".
ويوجد في البلدة معالم أثرية عديدة، فبحسب المختار محمد عليان إلى جانب البرج ومعمل الثلج يوجد في البلدة، منطقة طباليا التي احتمى فيها الجيش الأردني وينوي الاحتلال اليوم مصادرتها وتوسيع الاستيطان فيها.
بالإضافة إلى "الشيك" الذي فصل بين الحدود الأردنية والإسرائيلية بعد عام 1948، ومقام البدرية في منطقة شرفات الذي تحول اليوم إلى مسجد للقرية، والسكة الحديدية التي كانت تمر من وسط البلدة وتقل الأهالي إلى الدول العربية المجاورة، والتي يعود عمرها إلى ما قبل الاحتلال.
. . .