الأقصى بين الاقتحام والإغلاق
زياد ابحيص .. الباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى
طُرحت مؤخراً حجة مفادها أن إغلاق المسجد الأقصى المبارك في وجه الجميع خير من تركه أمام الاقتحامات الصهيونية وخصوصاً في موسم الأعياد اليهودية، وقد سمعنا هذه الحجة تطرح خلال اللغط الذي شهدناه حول نية إغلاق الأقصى يوم الأربعاء (ما قبل الإغلاق الشامل بيومين)، وما زال هناك بطبيعة الحال من يعتقد أن إغلاق الأقصى لربما كان أفضل من بقائه مفتوحاً، وبات لزاماً بالتالي تقييم تلك الحجة من الناحية المنطقية والعملية؛ فهل فعلاً يمكن أن يكون إغلاق الأقصى أمام المسلمين لمدة محددة وبقرار من الأوقاف وسيلة ناجعة لمنع الاقتحامات؟
أولاً: هل حقاً يمكن لمجلس الأوقاف الإسلامية في القدس أن يقرر إغلاق المسجد الأقصى المبارك في وجه المقتحمين الصهاينة؟ وإن كان الأمر كذلك فلماذا لا يقرر إغلاقه في وجههم دون إغلاقه أمام المسلمين؟
ثانياً: إذا كان اقتحام المتطرفين الصهاينة يجري رغماً عن الأوقاف الإسلامية في القدس، وبعكس إرادتها، فهل يمكن حقاً لإغلاق الأقصى أمام المسلمين أن ينتهي إلى إغلاقه في وجه الجميع؟! هل حقاً شرطة الاحتلال في القدس ملزمةٌ بأن تغلق الأقصى أمام المتطرفين الصهاينة إذا ما أغلقته الأوقاف في وجه المسلمين؟ هل لهذا أساس أو ضمانات؟ وإذا ما حاولنا إغلاقه أمام الجميع لمنع الصهاينة من اقتحامه ألا نُسلم بذلك بأن وجود المقتحمين فيه بات هو الأصل والمعيار؟ ألا يصبح هذا الوجود هو الدائم حينها، وأننا نحاول التخلص منه بإخراج أنفسنا من الأقصى؟ ترى هل في هذا مكسب أم خسارة من الناحية العملية؟
ثالثاً: اليوم تطلب سلطات الاحتلال إغلاق الأقصى في وجه المسلمين كي تفرض إجراءاتها في مواجهة وباء كورونا –وهي عملياً إجراءات لمواجهة الاحتجاجات المتصاعدة المطالبة بتنحي نتنياهو- المهم أنها تريد فرض إجراءاتها تلك على جميع الأماكن والناس تحت سلطتها، ما يكرس سيادتها الفعلية على الأقصى، ولكي تُسكِت متطرفي جماعات الهيكل الذين لا يرضيهم أن لا يتمكنوا من اقتحام الأقصى في موسم أعيادهم وحجهم الأطول على مدار العام، بينما المسلمون من أهل البلدة القديمة وسلوان يتمكنون من الوصول إليه.
لكن؛ ماذا لو قيمنا هذا التكتيك خارج إطار الوباء، ماذا لو بادر مجلس الأوقاف إلى إغلاق المسجد من جانب واحد في الأعياد اليهودية بقصد منع الاقتحامات، ثم جاءت الشرطة الإسرائيلية وسمحت باقتحامات المتطرفين؛ فما المحصلة التي نصل إليها حينها؟
ما سنصل إليه حينها هو أن يقتحم المتطرفون الصهاينة الأقصى ويستفردوا به بينما المسلمون ممنوعون من دخوله بقرار هيئتهم الشرعية، وليس بقرار حكومة الاحتلال، ما سنصل إليه هو تقسيم زماني كامل طوعي ننجر إليه بإرادتنا نتيجة هذا التكتيك الفذ في وقف الاقتحامات. ترى، لو تخيلنا وضعاً كهذا، ألا يكون الصراع قد انتقل إلى الداخل؟ وماذا سيكون مجلس الأوقاف لو انجر –لا سمح الله- إلى هذا "التكتيك" الذي يسوق له البعض؟
في 14 و15 من شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2015 هذا بالضبط ما حاول نتنياهو فرضه، التقسيم الزماني التام، أن لا يدخل المسلمون للأقصى في أيام أعياد اليهود، أن يكون الأقصى في تلك الأيام مقدساً يهودياً خالصاً، وهو ما انطلقت انتـ.فاضة السـ.كاكين 2015 لأجل منعه، وارتقى دونه الشـ.هدا.ء، وحُظرت لأجل فرضه الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948، وما يُطرح اليوم من "تكتيك" سيعرضنا إلى أن نُقدِّم تلك النتيجة للمحتل على طبقٍ من ذهب وبإرادتنا "الحرة"، أن نصل إلى وضعٍ يفتح فيه الأقصى ويغلق أمام المسلمين وفق الرزنامة العبرية؛ ويوم الأربعاء الماضي كان يهدد ببداية مشؤومة لمسارٍ كهذا، ونتمنى أن نكون قد تجاوزناه إلى غير رجعة.
نعود الآن إلى الخطر المحدق بالأقصى، لقد كانت جماعات المعبد مبلغة من شرطة الاحتلال بأن الأقصى سيغلق أمام المسلمين بدءاً من الجمعة، لذلك دعت إلى "اقتحامٍ تعويضي" لنفخ البوق فيه يوم الخميس 17-9-2020، علماً أنها كانت تخطط لنفخ البوق من داخل الأقصى يوم الأحد 20-9، باعتباره أحد أيام الاحتفال برأس السنة العبرية التي تفتتح بنفخ البوق، لكنها حاولت نقل تلك النقطة إلى الخميس على اعتبار أن الأقصى سيغلق أمام الطرفين من الجمعة.
في المحصلة.. ما دام الأقصى لن يغلق أمام المسلمين فإن كيفية تعويض جماعات الهيكل باتت معضلة عند الحكومة الصهيونية، وهي ستحاول تعويضها بمنح تسهيلات حركة في أيام الاقتحامات، وبتعاونٍ كبير من شرطة الاحتلال يسمح لهم بتقدمٍ نوعي يعوض التراجع العددي الذي ستسببه إجراءات الإغلاق، وهذا يعني أن خطر نفخ البوق من الأقصى في صباح يوم الأحد 20-9 بات أكبر، وخطر نفخه صباح "يوم الغفران" اليهودي الإثنين 28-9 بات أكبر، وبأن الرباط هو الحل العملي الطبيعي الذي تجلى على الأرض في وجه الاقتحامات بعيداً عن التكتيكات المدمرة، وبأن هذه المحاولات لفرض تقدمٍ نوعي في أداء الطقوس النوعية لا تُواجه إلا برباطٍ وحضورٍ إسلامي واسع بقدر ما تسمح به الإمكانات في تلك الأيام، بل وفي كل يومٍ يكون فيه ذلك الحضور ممكناً.