أسامة جدة.. أول شهداء الانتفاضة الثانية
القدس المحتلة - القسطل: “أبلغهم بأنه سيخرج كي يتبرّع بالدّم للمُصابين خلال الأحداث في مشفى المقاصد، لكنّ قلبه لم يُطاوعه على ترك الميدان والمواجهة من أجل القدس والأقصى، حتى أُصيب برصاص الاحتلال واستُشهد”.. إنه أسامة جدة.
ولد أسامة في مدينة الدمام بالسعودية في الثاني من كانون ثاني عام 1978، حيث كان والده يعمل مدرس المرحلة الأساسية في الدمام، وعُرف بحبه الشديد لفلسطين وطلبه الدائم للشهادة على أرضها وفداءً لها فكان له ما أراد.
أكمل جدّة دراسته الثانوية بعد قدومه من مدينة الدمام في مدرسة الراشدية بمدينة القدس المحتلة، وكان من الطلاب المجتهدين. درس بعدها الإدارة الفندقية وعمل بها فترة قصيرة، لكنه قرر تركها والعمل في قطاع الخدمات في الدولة العربية خصوصًا أنه الأجدى ماديًا للعائلة التي كانت تسكن حي شعفاط شمالي القدس المحتلة.
حينها، كان أسامة أحد النشطاء البارزين في مدينة القدس في الأعمال الاجتماعية، وانتمى للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان من أبرز نشطائها، واعتقل على خلفية نشاطه مرتين وسُجن لفترة قصيرة.
وفي المرة الأخيرة، منعه الاحتلال من دخول البلدة القديمة في مدينة القدس التي لطالما أحبها وعمل من أجلها، أرادوا من وراء هذا القرار أن يحرموه دخول المسجد الأقصى لكنهم لم ينجحوا كما يقول والده.
يضيف والد الشهيد: “كان شابًا مجتهدًا محبًا لأهله ووطنه، يقدم المساعدة لكل من يحتاجها سواء كان يعرفه أم لا، كان يحب مطالعة الكتب، وكتابة القصائد الشعرية التي تركزت عن بطولات الانتفاضة الأولى، وكان يساعد مزارعي المدينة في قطف الزيتون في موسم القطاف”.
في صباح يوم الجمعة- يوم إجازته- أفاق أسامة من نومه مبكرًا على غير عادته، وعندما سألته والدته عن الأمر، أجابها بابتسامة عريضة وسرور كبير “اليوم عندي أعمال كثيرة”.
أخبر والدته أنه رأى حلمًا جميلًا يتلخص في وجوده ببستان جميل جدًا ومعه اثنين من أولاده، وسألته والدته ضاحكة، وهل رأيت أمهما؟ فأجابها عندما أتزوج سأراها.
وعندما بدأت أحداث الأقصى سرعان ما سمع ورأى شاشات التلفاز تنقل صور مروعة من قمع الصهاينة للمصلين هناك بعد خروجهم بمسيرة احتجاجية في ساحات المسجد الأقصى، احتجاجًا على زيارة رئيس حكومة الاحتلال الأسبق أرئيل شارون الاستفزازية للمسجد في الثامن والعشرين من أيلول عام 2000 والتي أدت إلى اندلاع الانتفاضة الثانية.
جن جنون جدّة، وقرر العودة ثانية إلى المسجد الأقصى، لكن والده منعه من الخروج حرصًا على حياته، فأخبره بأنه لا يريد الذهاب للمسجد بل لمشفى المقاصد كي يتبرع بدمه للمصابين خلال الأحداث، لكن والده رفض لعلمه بنية والده الذهاب للمشاركة في المواجهات الدائرة.
وبعد إلحاحه الشديد سمح له والده بالذهاب للتبرع بالدم لكن برفقة شقيقه الأكبر “آدم” حتى يتبرعا سويًا بالدم ويعودًا بعدها معًا إلى البيت.
جلس الوالد وزوجته ينتظران عودة ولديهما بفارغ الصبر، لكنهما تأخرا جدًا، فقرر الوالد الاتصال على هاتف “آدم” الخليوي ليبلّغه بإصابة أسامة بشكل طفيف في المواجهات الدائرة في المسجد الأقصى وهو موجود حاليًا في “المقاصد” لتلقي العلاج.
بعد وقت قصير، وصل والدا جدّة إلى مستشفى المقاصد، تزامنًا مع خروج إحدى الممرضات معلنة نبأ استشهاد “أسامة” بعيار ناري من النوع المتفجر أدى إلى تهتك أمعائه بشكل كامل.
“أسامة” كان من أوائل الشهداء الذين ارتقوا في المسجد الأقصى المبارك، ونعته الجبهة الشعبية حيث كان من أبرز قادتها الميدانيين في البلدة القديمة في القدس.