مسيرة المهزومين.. من لا يمتلكون السيادة والسيطرة على المدينة
في قراءتنا الأولوية لمسيرة ما يسمى بـ”الأعلام” التي ابتدعها المتطرف يهودا حيزاني عضو جمعية "غوش امونيم" الاستيطانية عام 1974، وباني العديد من المستوطنات في الضفة الغربية، والذي صمم لها العديد من الرقصات والأغاني المترافقة مع رفع الأعلام، والتي يجري الاحتفال بها في السابع من حزيران من كل عام، تحت ما يسمى بذكرى “توحيد القدس”، هذه المسيرة التي ألغيت قبل شهر من الآن، نتيجة هبات القدس الثلاثة باب العامود والأقصى والشيخ جراح، والتي جرى إسنادها عسكريًا من قبل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، معركة "سيف القدس"، حيث هرب زعران المستوطنين كالفئران، مع سقوط صواريخ المقاومة في القدس والمنطلقة من قطاع غزة، هذه المسيرة التي جرى تأجيلها أكثر من مرة خوفاً من تدهور الأوضاع الأمنية من بوابة مدينة القدس، وخوفاً من ردة فعل فصائل المقاومة التي أرست معادلات وقواعد اشتباك وردع جديدة، قالت بشكل واضح العبث بمصير القدس والأقصى، يعني دخول المقاومة على الخط، وذهب محور المقاومة إلى أبعد من ذلك عندما ربط سماحة السيد حسن نصر الله العبث بمصير القدس وهويتها بنشوب حرب إقليمية.
نعم معركة "سيف القدس " انتصرت على "حارس الأسوار" و"هشّمت" هيبة دولة الاحتلال عسكرياً وسياسياً، وخلقت حالة من الفراغ السياسي والعسكري والأمني، وتآكلاً في قوى الردع الصهيونية، وتفككًا في بنيتها ونسيجها المجتمعي.
مسيرة اليوم بعيداً عن أنها فخٌ نصبه نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال السابق لبينت رئيس الحكومة الجديد، غير المستقرة أوضاعها، والتي هدف من تحديد موعدها بعد يوم واحد من ممارسة بينت لصلاحياته الحكومية إلى إذلاله في الميدان، وفك علاقته بالمستوطنين، حتى يسهل التحريض عليه، وبالتالي إسقاط حكومته، وإظهاره بالضعيف أمام قوى وفصائل المقاومة الفلسطينية إذا ما تراجع عن إقامة هذه المسيرة، وكذلك نتنياهو يريد بهذه المسيرة أن يُحرج بايدن الذي أعطى الضوء الأخضر لقيام هذه الحكومة.. نتنياهو يريد لهذه المسيرة أن تأخذ شكلاً تصعيدياً يمكّنه من خلط الأوراق، وبينت يريد من خلال السير في تنفيذ هذه المسيرة أن ينقذ حكومته ويرمم قوة الردع الإسرائيلية المتآكلة، وأن يؤكد على عدم الربط ما بين القدس وقطاع غزة، وبأن دولة الاحتلال هي صاحبة القرار فيما يتعلق بالقدس، وهي من تمتلك السيطرة والسيادة، ولكن هذه المسيرة المصطنعة والمرتجفة والتي لم تحظ بالزخم المطلوب، بحيث لم يتجاوز عدد المشاركين فيها عن 5000 من غلاة المستوطنين المتطرفين الخائفين والمرتجفين، والذين يحرسهم أكثر من 2500 شرطي وجندي، بعد أن حولوا القدس إلى ثكنة عسكرية، وفرغوا كل المنطقة المحيطة بساحة باب العامود من المقدسيين وأغلقوا المحال التجارية، ومنعوا أي شخص من الوصول لتلك الساحة، واعتدوا على الفلسطينيين والطواقم الصحفية، ولكن رغم كل هذا الحشد العسكري والشرطي والمتاريس والحواجز الحديدية، إلا أن مئات المقدسيين كانوا يشتبكون مباشرة مع جنود وشرطة الاحتلال، ويتصدون لزعران المستوطنين المحميين القادمين لساحة باب العامود، والمطلقين للشعارات العنصرية والاستفزازية من شتم للرسول و"الموت للعرب" ومضايقة الصحفيين وغيرهم.
عندما يحرس أكثر من 2500 شرطي وجندي خمسة آلاف مستوطن، فهذا يعني بأن السيادة على المدينة هي للشبان المقدسيين، هؤلاء الشبان الذين امتلكوا إرادة الصمود والمقاومة والتحدي، ولأنهم أصحاب أرض وحق، في حين من كان يرتجف ويرتعد خوفاً، كان يتصرف كاللص لأنه دخيل وغريب على هذه الأرض.
نعم نحن نستطيع القول من خلال هذه المسيرة، أن المستوطنين هم من يمتلكون القرار في الميدان ويسيطرون على المستوى السياسي الصهيوني ويدفعونه نحو التصعيد وسياسة التطهير العرقي والتهويد في القدس والداخل الفلسطيني، من أجل إقامة دولة يهودية نقية، ولكن نحن على ثقة بأن هذه الحكومة غير قادرة على صنع سياسات، وستكون أولوياتها معالجة القضايا الاقتصادية وتبريد الصراعات داخل المجتمع الصهيوني الآخذة في التفاقم على الخلفيات الأثنية والعرقية والدينية.
البعض يعتقد بأنه مع انطلاق هذه المسيرة الاستفزازية، فإن صواريخ المقاومة ستنطلق من قطاع غزة، والسياسة جبر وليست حساب، وفصائل المقاومة تراقب ما يحدث بشكل دقيق ومتواصل في مدينة القدس، ولها حساباتها الإستراتيجية، وهي قادرة على الرد والتدخل بأشكال أخرى، والرد العسكري واحد من خياراتها في اللحظة المناسبة .
هي مسيرة المرتجفين.. هي مسيرة المهزومين.. هي مسيرة من لا يمتلكون السيادة والسيطرة على المدينة ..