قرى شمال غرب القدس.. أراضٍٍ زراعية تواجه خطر التحول لمكرهة صحية
القدس المحتلة - القسطل: على بعد 15 كيلو متراً أو أقل شمال غرب المدينة المقدسة، تقبع خلف الجدار العازل مجموعةُ قرىً تابعة للقدس جغرافياً، لكنها منفصلة عنها بسبب الحواجز العسكرية المفروضة على هذه القرى، التي يزيد عدد سكانها عن 80 ألف نسمة، وبسبب هذا الفصل الجغرافي، وتصنيفها ضمن مناطق ج، هُمشت هذه القرى وافتقرت للخدمات الأساسية.
ورغم جمال الطبيعة الذي تتحلى به هذه المناطق، إلا أن عدم توفر شبكة صرف صحي فيها أدى لتحول العديد من مناطقها الزراعية لمكرهة صحية، إذ يضطر مواطنوها لاستخدام الحفر الامتصاصية التي لها العديد من الآثار السلبية، والتي تؤثر على المياه الجوفية، كذلك فإن تصرفاتٍ غير مسؤولة من بعض السكان تمثلت بفتح مياههم العادمة مع السيول المائية في فترات الشتاء، ما زاد الوضع سوءًا، وعزز فرصةً خصبة لخلق المشاكل بين السكان.
بهذا الخصوص يقول أحد مواطني بلدة بدو لـ "القسطل"، إن هناك مشكلة مستعصية في شمال غرب القدس تتعلق بالصرف الصحي، مبيناً أن معظم الناس في هذه القرى يعانون منها، وهي ليست مشكلة اليوم وإنما هي قديمة وما زالت قائمة حتى اللحظة، وأكد المواطن أن معظم الناس يملكون ما يسمى بالحفر الامتصاصية، للتخلص من المياه العادمة، والمشكلة أن هذه الحفر بعد فترة زمنية من امتلائها تصبح غير قادرة على امتصاص السوائل التي تخزن داخلها، ما يجعلهم ينقلون هذه المخلفات بصهاريج النضح، حيث تتوجه هذه الصهاريج إلى منطقة معينة في قرى شمال غرب القدس، لتفرغ هذه المواد، ما أدى لانعكاس ذلك بشكل سلبي على البيئة فأصبحت هذه المنطقة مكرهة صحية بسبب هذه المشكلة المستعصية.
وبين المواطن أن معظم الشكاوى التي يتوجه بها مواطنو هذه المنطقة إلى بلدياتهم سببها في الغالب مشاكل الصرف الصحي، فقد تتسرب المياه العادمة من إحدى حفر الامتصاص لحفرة أخرى مجاورة لأناسٍ آخرين، ما يتسبب بمشادات كلامية بينهم، وهناك أيضاً مشكلات تتعلق بالروائح الكريهة، التي تخرج منها، ما يسبب إزعاجاً للساكنين في تلك المنطقة، فيتوجهون بشكواهم إلى البلدية.
وأوضح المواطن :"في كل عام يجتمع المجلس ويقوم بدعوة وجهاء البلد لطرح المشاريع ذات الأولوية التي ستنفذ خلال السنة، ودائماً المشروع الذي يُتفق على أهميته و أوليته هو مشروع الصرف الصحي، ولكن العقبة التي يذكرونها في كل اجتماع، هي ضخامة هذا المشروع والميزانية التي يحتاجها، ولكني أعتقد أن المجلس لو وضع هدفاً أمام عينيه، وسعى جاهداً لتحقيقه فلا شيء مستحيل، سينفذ المشروع في النهاية، وما المانع أن ينفذ مشروع للصرف الصحي على غرار المدن، فلا يصح أن ندعي أن المشروع ضخم، لأنه لن يكون بضخامة مشاريع المدن ذات المساحة الكبيرة مثلاً، وعلى العكس من ذلك لتكن تجربة المدن في إنشاء شبكة الصرف الصحي مثالاً نسير على نهجه، والحقيقة أننا في القرى لم يبلغ تعدادنا السكاني أو مساحتنا الجغرافية ضخامة المدن".
توجهت القسطل لرئيس بلدية بدو سالم أبو عيد الذي قال": لقد أنجزنا في دائرة المياه والصرف الصحي تغييراً وتجديداً في الشبكة، هذا وكان المشروع بدعم من فنلندا، حيث بلغت قيمته مليون يورو، وحصلت بعض العثرات التي جعلت فنلندا والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي يتراجعون عن القيام بالجزء الثاني من المشروع المتعلق بالصرف الصحي".
وبين أبو عيد أن الحفر الامتصاصية لها تأثيرها على المياه الجوفية، بالتالي فالبلدية حريصة على تنفيذ هذا المشروع، رغم أن دورة المجالس الثانية شارفت على الانتهاء، فقال أبو عيد لـ"القسطل:"قبل أيام قمنا بجهدنا الشخصي وبعيداً عن علاقات الحكم المحلي، باستدعاء سفير نيكاراغوا والهند، وتحدثنا لهما عن المشاريع الملحة التي تحتاجها منطقة شمال غرب القدس، وكان على رأسها مشروع الصرف الصحي، وبيّنا أن كلفة هذا المشروع تبلغ 27 مليون دولار وهو مبلغ ليس بالبسيط، وتوجه السفير الهندي لنا بتساؤلٍ، إن كان بالإمكان أن نبدأ المشروع على مراحل، وأخبرناه أنه لا مشكلة في هذا، والمهم أن نبدأ لأن المشروع في النهاية سيكتمل".
وكان المواطن من البلدة قد وجه اقتراحاً للمشكلة بقوله:" نعلم أن الميزانية كبيرة لهذا المشروع، لكن باعتقادي أن المجالس والبلديات عليها القيام بدراسة ومخططات مسبقة لهذا المشروع، كي تكون على دراية بكل تفاصيل هذا المشروع، لأجل تجاوز المعوقات الموجودة، بحيث تُعد خطة يشرف عليها المختصون في هذا المجال، وعند الانتهاء من هذه الدراسة، تستطيع البلدية تقديمها للجهات المانحة، ولا أعتقد في هذه الحالة إن كانت الدراسة مهنية، ستتردد الجهات المانحة في دعم وتمويل هذا المشروع، ولو كان ذلك على خطة زمنية طويلة، المهم أن نبدأ بمخطط شامل لكل المنطقة، وليبدأ تنفيذه على مراحل حيث لا يجوز أن نبدأ بمنطقة معينة، دون أن يكون هناك مخطط كامل يشمل كل المنطقة".
وأشار المواطن إلى أن بعض القرى بدأ فيها هذا المشروع بشكل جزئي مثل قرية الجيب وبيرنبالا شمال غرب القدس، ولكن لم تصل خدمة الصرف الصحي لجميع البيوت وساكنيها، لذلك فالأجدر أن يكون المشروع شاملاً لكل المنطقة، ويبدأ تنفيذه على مراحل حتى تتمكن البلدية في النهاية من إنجاز المشروع ، وإن طالت المدة الزمنية، والمهم أن تتحقق الفائدة وتصل الخدمة لجميع المواطنين في النهاية.
ورداً على اقتراح الدراسة قال رئيس البلدية أبو عيد:" صممنا دراسة لمنطقة شمال غرب القدس بالفعل، وهذه الدراسة كانت مكلفة بقيمة 500 ألف يورو، حيث أخذت بعين الاعتبار المنطقة وطبيعتها الجغرافية والديموغرافية، وأيضاً المناطق التي تحتوي مياهاً جوفية، فمثلاً منطقة بيت عنان لديها أكبر مخزون مائي للمياه الجوفية في منطقة القدس، وبالتالي الدراسة شملت جميع هذه المحاذير، حتى الينابيع الموجودة تخوفنا أن تُلغى بمجرد تنفيذ شبكة الصرف الصحي، ولكن الدراسة وضعت خططاً بديلة لتغيير مسارها".
وقال أبو عيد إن تنفيذ مشروعٍ كهذا والحصول على دعم له، يعتمد هذا بشكل أساسي على الوضع السياسي، فإن كان الوضع مستقراً بإمكانيات البدء في المشروع واردة، لكن إن كان غير مستقر، وهذا يحصل كثيراً، فمن الممكن أن يتأخر تنفيذه كثيراً، موضحاً أن العديد من أوراق المشاريع التي كانت جاهزة من قبل، أُلغيت بسبب الأوضاع السياسية، وختم أبو عيد بقوله إنه وبالرغم من طول مرحلة تنفيذه مشروع الصرف الصحي وتكلفته إلا أنه مهم بالنسبة لهم، لأن طبيعة قرى شمال غرب القدس جميلة، لكنها بدأت تتأثر بشكل كبير بسبب المياه العادم
وبين المواطن أن المجالس والبلديات بشكل عام تواجه مشكلة جوهرية، بما أن معظم مشاريع البلديات والمجالس التابعة للحكم المحلي ذات طابع هندسي، وقال لـ "القسطل": أرى أنه يجب أن يعين ذوو الاختصاص منذ البداية في البلديات والمجالس المحلية، لتولي مهمة إدارة هذه المشاريع، كالمهندسين الإنشائيين أو المدنيين، وللأسف نحن في مجالس قرانا نعاني من غياب هذه الكفاءات، لأن من يدير هذه البلديات ليس لديه الخلفية والإلمام الكافيين لإدارة هذه المشاريع ورؤيتها، وهذا ينعكس سلباً على مشاريع شق الطرق، أو إيصال شبكة المياه أو توسعة الطرق، لذلك نرى أنه يتوجب على من يرشحون أنفسهم لهذه المناصب، أن يكونوا من أهل الاختصاص، وعلى الرغم أن الترشح حقٌ للجميع لكن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، يساهم في سير الأمور بشكلٍ أسلس لتعم الفائدة على المجتمع".
وكانت القسطل توجهت لوزارة الحكم المحلي في منطقة الرام لمعرفة أي حلول أو آفاق مستقبلية بشأن تنفيذ مشروع الصرف الصحي، لكن مدير الحكم المحلي هناك حولنا إلى مكتب الوكيل في الوزارة، الذي حولنا بدوره للعلاقات العامة، لكن العلاقات العامة قالت إن هذا الموضوع من اختصاص مسؤولي دائرة الخدمات المشتركة، وعند تواصلنا مع الخدمات المشتركة قالوا إن شبكات الصرف الصحي من اختصاص دائرة المياه، حيث تواصلنا مع أحد مهندسي دائرة المياه الذي طلب منا التواصل مع العلاقات العامة في وزارته، لأخذ إذنٍ بالحديث إلينا من الوزير، وحتى كتابة هذه التقرير لم نتلقَ رداً بموعدِ المقابلة.
. . .