في بلدة سلوان جنوب القدس.. يفقد المقدسي منزله مرتين!
القدس المحتلة- القسطل: في بلدة سلوان، أو الحامية الجنوبية للمسجد الأقصى في القدس كما يسميها المقدسيون، يعيش حوالي 59 ألف مقدسي، يواجه نحو 8 آلاف منهم خطرين محدقين، فإما هدم منازلهم لأجل بناء حدائق تلمودية، وإما طردهم من منازلهم وإخلائها لصالح الجمعيات الاستيطانية الإسرائيلية، وقد سلمت بلدية الاحتلال حتى اللحظة قرابة 7000 أمر هدم للساكنين في أحياء البلدة.
ليس المؤلم في قصتنا أن عائلاتٍ ستذوق مرارة التهجير القسري والتشريد إن قام الاحتلال بتنفيذ الهدم والطرد الجماعي فقط، فالأشد إيلاماً هو أن بعض هذه العائلات ستتجرع ألم فقد المنزل للمرة الثانية، فمنهم لاجئون ونازحون خسروا أرضهم ومنازلهم خلال حملات تطهير عرقي مارسها جنود الاحتلال خلال نكبة عام 1948 ونكسة 1967.
خليل البصبوص، 63 عاماً أحد اللاجئين المنحدرين من قرية الدوايمة المهجرة، وكانت وعائلته من الناجين من مذبحة الدوايمة عام م1948، التي نفذتها قوات الاحتلال في القرية الواقعة جنوب مدينة الخليل وتبعد عنها مسافة 24 كم، وعلى إثر هذه المذبحة هرب سكان القرية منها، وغدوا لاجئين مشتتين في مخيمات العروب والجلزون والأردن، واليوم في عام 2021م يهدد الاحتلال عائلة البصبوص بالطرد من منزلها أو هدمه، بذريعة عدم ملكيتهم للمنزل.
ويروي بصبوص تفاصيل قصته لـ القسطل:"في عام 1963م، غادرت عائلتي من مخيمات مدينة الخليل، وتوجهت نحو القدس، حيث اشترى والدي أرضاً في بلدة سلوان التي كانت أراضٍ زراعية في حينه، ولم تكن فيها أي بناية سكنية، وكانت عملية الشراء قانونية بوجود كاتب عدل وكل الأوراق تثبت ملكيتنا للأرض التي بُني المنزل عليها، وهذا في فترة حكم الأردن للقدس، ولم نواجه أي مشكلة منذ ذلك الحين وحتى عام 2013، حيث فوجئنا بإقامة دعوى ضد منزلنا في المحاكم الإسرائيلية، فحواها أننا نقيم في منطقة أملاك الغائبين، وأن مكان وجودنا يتبع للجمعية الاستيطانية عطيرت كوهانيم، وهذه ادعاءات باطلة، حيث أن بلدة سلوان كانت أرضاً زراعية عندما اشتراها والدي، ولم تتواجد فيها أي أملاك سكنية للغائبين اليهود كما يدعون سكنية".
ولم يقتصر الأمر على الادعاءات بملكية بيتٍ ليس من حق الجمعيات الاستيطانية، فبالرغم من وجود الأوراق التي تثبت ملكية الأرض والمنزل وبحسب الأردنية في تلك الفترة، لم تقم المحاكم الإسرائيلية بإعارتها أي اهتمام، حيث يروي السيد بصبوص بألمٍ كبير ما يعانيه في كل محكمة يحضرها بشأن قضية منزله ويقول لـ القسطل:" في كل مرة أقدم الأوراق الثبوتية لا يعترفون بها، هم يصدقون ما يشاؤون ويكذبون ما يريدون، والمشكلة الواضحة أن موقف الجمعيات الاستيطانية ضعيف، ففي كل محكمة تختلف روايتهم، فمرة يقولون إن مساحة الأرض 3 دونمات، ومرة يقولون إنها 4، كما أنهم لا يعرفون حدود الأرض التي يدعون ملكيتها بدقة، ومع كل هذه الدلائل على أحقيتنا بالمنزل عبثاً نقاتل، هم لا يسمعوننا".
خلال هذه السنوات دفع بصبوص ما يزيد عن 150 ألف شيكل كمخالفاتِ سكنٍ لا يدري ما سببها، سوى ممارسات ضغطٍ وتضييقات عليه وعلى عائلته، وتهديداتٍ بهدم المنزل؛ وكلها وسائل لإجبارهم على ترك المنزل والفرار منه، وقد حاول المستوطنون مراراً تقديم عروض مغرية للسيد بصبوص، بتقديم مبالغ طائلة لأجل التخلي عن المنزل لكنه رفض ذلك قطعياً، وقال:" لو خيروني أن أبيع المنزل للمستوطن أو أموت سأختار الموت، ولو كان خيار شراء المنزل متاحاً رغم أنه منزلي، سأدفع النقود وأشتريه، هذا بيت الذكريات والعائلة، لا أبيعه بمال الدنيا كلها".
وليس السيد خليل اللاجئ الوحيد الذي يواجه خطر الهدم والترحيل، ففي حي البستان ببلدة سلوان يسكن السيد نضال الرجبي وعائلته، التي لجأت للعيش في بلدة سلوان بعد تهجير الاحتلال لهم من حي الشرف في مدينة القدس، وهي كحال العائلات اللاجئة الأخرى على وشك أن تصبح لاجئة للمرة الثانية.
وكما في قصتنا الأولى، فقد اشترى والد السيد نضال الرجبي أرضاً في بلدة سلوان، وأراد أن يبني شقة سكنية له ولأولاده، وكان ذلك في ستينيات القرن الماضي، وإثر قرار الاحتلال بهدم حي البستان في بلدة سلوان، لأجل إقامة حديقة تلمودية، بدأ الاحتلال بتوزيع بلاغاتٍ بالهدم على المنشآت السكنية، وكان التهديد كما في كل مرة، إن لم يهدم السكان منازلهم بأيديهم، سيهدمها الاحتلال لكنه سيجعلهم يدفعون غراماتٍ مالية باهظة.
كان موقف أهالي الحي واضحاً وثابتاً، فلم يكتفِ الاحتلال بقرار الهدم الذي سيحرم العائلات من منازلها، لكنه تمادى، وفرض عليهم هدم المنازل بأيديهم، سبيلاً في زيادة الضغط النفسي عليهم، لكن السكان رفضوا ذلك ولم يهدموا، وحين انتهت المهلة التي قررها الاحتلال لهم، وفي 29/6/2021 كانت البداية بالمحل التجاري السيد نضال الرجبي.
قام الاحتلال صبيحة ذلك اليوم باعتقال السيد نضال، كي لا يقاوم هدم محله التجاري، بعد ذلك شرعوا في عملية الهدم، ولأن الرجبي لم يهدم المحل بيده، فرض الاحتلال عليه مخالفاتٍ مالية باهظة، وقد أوضح الرجبي:" كان المحل التجاري عبارة عن ملحمة تعيل 15 شخصاً، دمر الاحتلال سبيل عيشنا وعيش 15 فرداً يعتمدون على هذه الملحمة، ليس هذا وحسب، فقد استلمنا بلاغاتٍ بهدم منازل أخرى، أحدها لي والبقية لوالدي وأخوتي".
ولم يسلم أبناء الرجبي من مضايقات الاحتلال أيضاً، فأثناء توجه ابنه حمدي لأداء الصلاة أطلق الاحتلال النار صوبه، ما أدى لإصابته إصابة بليغة، على إثرها تم استئصال الكلية والطحال له، وهو يرقد حتى اللحظة في المشفى، سألت الرجبي أن يصف لي وضعهم في البلدة بشكل عام، فقال لـ القسطل بصوت تعب ٍ وصفوٍ مُكدر:" يمارس الاحتلال بحقنا أبشع الانتهاكات لأجل حدائق ستقام على رًكام بيوتنا دون حق! تخيلي أن آلاف العائلات ستُطرد من منازلها وتُرمى في الشارع لأجل حديقة ترفيهية! نحن نواجه الضرب والقمع والاعتقالات بشكلٍ يومي، وهم لا يتوانون عن إيجاد وسيلة لتكدير صفو عيشنا، وتثبيط صمودنا".
توجهت للسيد خليل، والسيد نضال بسؤالٍ هو ماذا لو هدموا المنزل أو هجروكم قسراً، أين ستذهبون؟
فكانت الإجابة من السيد خليل:" في كل مرة يسألني أولادي وزوجتي هذا السؤال، أحاول أن أقاطعهم كي لا يكملوه، أنا لا أستطيع تخيل هدم منزلي أو حتى طردي منه، ولا أريد أن يأتي هذا اليوم، وإن حصل ذلك، فحسبنا الله ونعم الوكيل، لكني موقنٌ أن تقبل الأمر لن يكون سهلاً أبداً، وسيكون وقعه ذو أثرٍ شديدٍ على قلبي".
أما السيد نضال فقال لـ لـ القسطل:" لو هدموا منازلنا فوق رؤوسنا لن نخرج من أرضنا، ولن نترك بلدة سلوان، ولو رَمونا خارج المنازل سنجلس في شوارع البلدة وسننام على ركام المنازل، ولو دفعوا مليارات الدولارات لنا كي نتنازل سنظل صامدين، فهذه أرض أبي وبلدي التي كبرت فيها وعلى حبها".
. . .