ليس هكذا يكون تعزيز صمود المقدسيين وتمكينهم !
في مؤتمر صحفي عقدته شركة مسار العالمية ومقرها مدينة روابي بالقرب من رام الله والمملوكة لرجل الأعمال بشار المصري وبالشراكة مع بطريركية الروم الأرثوذكس المالكة لقطعة الأرض البالغة مساحتها 31 دونماً، وبحضور شخصيات دينية ووطنية وفي المقدمة منها مفتي الديار المقدسة الشيخ محمد حسين ومدير دائرة الأوقاف الإسلامية الشيخ عزام الخطيب والشيخ واصف البكري القائم بأعمال قاضي القضاة، أعلن يوم الإثنين 11/10/2021، بحضور إعلامي لافت و"ببروغندا" وإعلانات ممولة على صفحات التواصل الاجتماعي عن إطلاق ما سمي بأضخم مشروع سكني في مدينة القدس في منطقة شمال بيت حنينا باسم" لنا".
400 وحدة سكنية بتكلفة مليار شيكل حصلت على التراخيص اللازمة من بلدية الاحتلال و12 ألف متر كبناء تجاري تضم محلات تجارية لأحدث الماركات العالمية، ودور سينما ومدرسة نموذجية وحضانة ومساحة خضراء من أجل الترفيه.
المواطن المقدسي عندما يسمع عن ذلك يقول "قرب فرج الله"، وأخيراً تحققت الأحلام بتوفير شقق سكنية لأبنائنا تمكنهم من تعزيز صمودهم ووجودهم في القدس، ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، ولكون ما يسمع ويروى لا ينطبق على أرض الواقع، بل ويتعارض ويتعاكس مع رغبات المقدسيين وإمكانياتهم، يكتشف المقدسيون أن هذا المشروع غير موجه لهم وعلى رأي المأثور الشعبي"يا فرحة ما تمت".
هذا المشروع بأسعار شققه يتجاوز كل إمكانياتهم وطاقاتهم، حتى لو رهنوا بيوتهم وأراضيهم وأثاثهم وأسرهم لمؤسسات النهب الدولي من صندوق نقد وبنك دوليين، على غرار سياسة رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض “وهم المصنفين 78 -80 % منهم تحت خط الفقر” فهذا المشروع لا يمكنهم اقتصادياً ولا وجودياً، وجزء لا بأس به من فرص العمل ودوران العجلة الاقتصادية، سيعود بالفائدة على "حيتان" المشروع، وليس على العمال والتجار الفقراء.
المشروع لا يسهم في تعزيز صمود المقدسيين ولا بقائهم، فلا الطبقات الفقيرة ولا المتوسطة منهم بقادرة على امتلاك شقة في هذا المشروع الذي تبلغ تكلفة الشقة فيه بمساحة 90 متراً مربعاً حوالي نصف مليون دولار أمريكي وشقة بمساحة 120متراً مربعاً يصل سعرها إلى 600 ألف دولار أمريكي، طبعاً شقة في برج سكني من 12 طابقًا فيه 45 شقة.
وأي مواطن يريد الحصول على شقة سيدفع 25% من قيمتها وقرضًا ربويًا من أحد البنوك الفلسطينية لمدة 15 عاماً بشروط تعجيزية، وفائدته تصل إلى ضعفين ونصف الفوائد من البنوك الإسرائيلية، كجزء من دور تلك البنوك في " تعزيز" صمود المقدسيين.
وكما يقول قادة الفكر "التحليل الملموس للواقع الملموس"، فهذا المشروع هو بالأساس مشروع استثماري ربحي، وهذا جوهره وأحد أهدافه الرئيسية، ويبدو أنه موجه للطبقات والفئات العليا من المقدسيين، وأبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني، الذين يعتبر دخلهم أعلى من دخل أبناء شعبنا في مدينة القدس، وكذلك يستطيعون الحصول على قروض إسكان من بنوك الاحتلال" مشكنته" بفوائد أقل من البنوك الفلسطينية التي أوعزت لها سلطة النقد تسهيل عملية الحصول على القروض، وكذلك قدمت وزارة مالية السلطة الكفالات لتلك البنوك لأصحاب هذا المشروع.
ولذلك لا المستثمر ولا الشريك ولا البنوك ولا السلطة ولا وزارة ماليتها، معنية بتعزيز صمود المقدسيين وإسكانهم في وحدات سكنية تتناسب مع دخلهم، فكل تلك الجهات المذكورة همها الأساس تحقيق الربح بالأساس.
المشروع يأتي في إطار تشابك المصالح والأهداف والأجندات، ويندرج تحت ما يسمى بمشاريع السلام الاقتصادي المطروحة أمريكاً وإسرائيلياً لـ"حل" تصفية القضية الفلسطينية، واعتبار قضيتنا الفلسطينية، ليست قضية شعب وأرض، بل قضية صفقة تجارية ومشاريع اقتصادية، تحسين شروط وظروف حياة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، ما يعرفه بينت رئيس وزراء الاحتلال بـ" تقليص الصراع"، مشروع اقتصادي بحراسة أمنية مجرد من الحقوق الوطنية السياسية.
المصري يريد أن ينقل تجربة روابي إلى مدينة القدس، ويغلف مشاريعه بغلاف إنساني وتنموي، ويستهدف الدول الخليجية والعربية للحصول على تمويل لها سواء على شكل منح أو قروض يستفيد منها دون أن يقوم بتخفيض سعر الشقة للمواطن، هذا حصل في القرض الذي حصل عليه من الصندوق الإنمائي الكويتي لمدينة روابي، والذي يستهدفه الآن من أجل الحصول على قرض من أجل هذا المشروع بقيمة 500 مليون شيكل، ولكن رفض طلبه لكون التكلفة عالية، وهو يعتقد بأن مشروعًا في القدس، يمكن أن يستقدم دعماً مالياً عربياً وإسلاميًا، وكما يقول المأثور الشعبي "زيادة الخير خيرين" ويراكم رأسمال فوق رأسمال، والمصري من دعاة السلام الاقتصادي، ورأس المال عابر للحدود، ويستخدم ويوظف في تحقيق أهداف سياسية، وكان له تجربة في القدس مع بداية جائحة " كورونا" آذار 2020، حيث جرى التعاون مع بلدية الاحتلال ووزارة الصحة الإسرائيلية، في حجر الفلسطينيين العائدين من الخارج وبالتحديد من تركيا في فندق "السان جورج في القدس"، كما كشف عن ذلك الصحفي الإسرائيلي نير حسون، في الوقت الذي انساق فيه العديد من أصحاب المؤسسات المقدسية، للترويج لهذا المشروع، في وقت كانت فيه مخابرات الاحتلال من يقوم بعملية تعقيم لحي أو بلدة مقدسية، ضمن علاقة مع السلطة الفلسطينية يجري اعتقاله.
ولذلك نحن نقول إننا مع أي مشروع في مدينة القدس إسكاني، اقتصادي – تجاري- سياحي- تنموي، يُسهم في حماية الأرض الفلسطينية من "غول" الاستيطان، ولكن بالمقابل هذا المشروع لا بد من معرفة أهدافه ومراميه وتداعياته.
هذا المشروع أتى في إطار شراكة بين شركة المسار العالمية التي يمتلكها رجل الأعمال بشار المصري والبطرك اليوناني ثيوفيوليوس، بطرك الكنيسة العربية الأرثوذكسية، هذا البطرك ومن سبقه من البطاركة اليونان عملوا على بيع وتسريب وتحكير أغلب أملاك الكنيسة العربية الأرثوذكسية في القدس والداخل الفلسطيني، البطرك الذي عُقد المؤتمر الوطني في قصر جاسر في بيت لحم في 2/10/2017 من أجله، بدعوة من لجنة التنسيق الفصائلي في بيت لحم والمجلس المركزي العربي الأرثوذكسي تحت شعار “أوقاف الكنيسة قضية أرض ووطن وانتماء وهوية”، والذي من ضمن قراراته عزل البطرك وعدم استقباله في أي مناسبة دينية واعتباره خارج عن الصف الوطني.
لذلك نحن نرى بأن هذا المشروع الذي ستكون منه 80 شقة للكنيسة الأرثوذكسية العربية، والتي يتحكم فيها هذا البطرك، له مجموعة من الأهداف؛ أولاً تحقيق أعلى قدر من الربح، واكتساب السمعة الوطنية ورصيد سياسي وجماهيري على حساب القدس وأهلها، وتبييض صفحة البعض المطعون في وطنيته وسمعته لكونه جزء من عمليات بيع وتسريب وتأجير طويل الأمد لأملاك الكنيسة العربية الأرثوذكسية، وكذلك تعبيد الطريق نحو مشاريع السلام الاقتصادي، وتعزيز لحلف " ابراهام" التطبيعي.
ليس هكذا يعزز صمود المقدسيين ويمكنون اقتصادياً ووجودياً، القدس تحتاج إلى "مسكوفتشات" فلسطينيين وعرب ومسلمين، يتبرعون بالأموال من أجل إقامة مشاريع إسكان مدعومة وبأسعار معقولة، أو القيام بشراء ووقف الكثير من البيوت في القدس ووقفها إسلامياً ومسيحياً، وإسكان الناس فيها بأجور معقولة يعود ريعها على الأنشطة والفعاليات والترميم وتطوير الخدمات في القدس، والأهم العمل على تحرير الأراضي الوقفية إسلامية ومسيحية، وإقامة مشاريع إسكان عليها للفئات الفقيرة والمهمشة وأصحاب الدخل المحدود والطبقة الوسطى.