قضية الشيخ جراح.. تتطلب جرأةً في اتخاذ القرار
الموعد الذي حددته ما تسمى بمحكمة العدل العليا الإسرائيلية للرد على مقترحها بالتسوية، بين أهالي حي الشيح جراح، أصحاب الأرض الشرعيين وبين المستوطنين ممثلين بجمعية "نحلات شمعون" مدعي الملكية حتى 2/11/2021، يقترب من النفاد، ورغم كل جلسات الحوار والتشاور بين سكان الحي عامة وبين العائلات الأربعة المهددة بالطرد والتهجير (الجاعوني ،الكرد ،القاسم واسكافي) مع محاميهم الذين لا نشك ولو لحظة بانتمائهم وإخلاصهم وصلابة مواقفهم في الدفاع عن حق أهل الشيخ جراح في أرضهم، وكذلك اللقاءات مع المرجعيات والهيئات المتعددة من لجنة عمل وطني وأهلي مقدسية ولجنة المتابعة العليا في الداخل الفلسطيني، والهيئة الإسلامية العليا، والمرجعيات الرسمية في السلطة والمنظمة، لم يجر اتخاذ أي موقف أو قرار من قضية التسوية المطروحة من قبل المحكمة العليا، تلك التسوية التي تحمل مخاطر قانونية ووطنية، وربما أشتم منها رائحة التفاف على موقف السكان لخداعهم وتضليلهم وجرهم إلى مربع الموافقة على التسوية المقترحة، وقد يجد سكان الحي أنفسهم بتسوية شبيهة بتسوية محامي السكان اليهودي "توسيا كوهين" عام 1982.
تلك التسوية التي اعتبرت سكان حي الشيخ جراح مستأجرين محميين، وشركة "نحلات سمعون" الاستيطانية مالكة للأرض، ولكن هذه التسوية المقترحة من قبل المحكمة العليا فيها بعض المقبلات والإغراءات بأن قالت بالإضافة إلى التسوية التي توصل إليها المحامي اليهودي، بأنه عند الشروع في عملية التسوية، لا يبطل ادعاءات الطرفين في الملكية، وإذا لم تجر التسوية، يكون السكان محميين على الأقل لـ15 عاماً، وكذلك اعتبار السكان الحاليين الجيل الأول في الحماية، وليس الجيل من السكان الذين كانوا عند توقيع اتفاقية تمليك السكان للأرض، نتاج اتفاقية بين وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية السابقة وبين وكالة الغوث واللاجئين "الأونروا" عام 1956، والتي لم يستكمل تمليكها وتطويبها بسب حرب جزيران عام 1967.
وأعتقد بأن الرهان على قضية التسوية ينطوي على مخاطر حقيقية، ولا نعرف هل سيتم البدء في التسوية قبل الـ15 عاماً من الحماية أو بعد ذلك، وخاصة أنها إذا ما أقدمت شركة "نحلات شمعون" على إقامة مشروع استيطاني، تعوض فيه السكان عن أملاكهم وبيوتهم، تستطيع إخلاؤهم، وليس هذا فقط، فالتجارب تقول إن هذا الاحتلال ووزارة قضائه "تفصل القوانين" بما يخدم مصلحة المستوطنين، ولكم أنموذج ومثال في قانون "المواطنة" – بند لم الشمل- حيث رغم عدم قدرة وزيرة الداخلية الصهيونية المتطرفة شاكيد على تمديده، فهي ترفض فتح الباب أمام استقبال ملفات جمع الشمل، متذرعة بالخطر الديمغرافي على دولة الاحتلال والمخاطر الأمنية، فكيف في أرض كأرض الشيخ جراح يخطط لها اليمين الديني الاستيطاني من أجل إقامة مشروع استيطاني ضخم (230) وحدة استيطانية، تعزل بشكل كلي قرى شمال مدينة القدس، الشيخ جراح وواد الجوز وشعفاط وعناتا عن قلب المدينة، بالتشابك مع المشاريع والمخططات الاستيطانية في تلك المنطقة، والتي مهد لها بالاستيلاء على كرم المفتي، بيت وقصر المفتي، وبالاتجاه نحو الشمال الشرقي، حيث مبنى وزارة داخلية الاحتلال، ومشروع واد السيلكون، والذي سيهدم أكثر من 200 ورشة تجارية وصناعية، ومن ثم يتجه المشروع نحو مستشفى "هداسا" والجامعة العبرية، ومن الغرب، سيتم إخلاء حي كبانية "أم هارون”، وطبعاً هناك مبنى ضخم لشرطة "حرس الحدود”، ويلتقي المشروع مع شارع رقم (1)، ويربط البؤر الاستيطانية في القسم الشرقي من المدينة مع المستوطنات في القسم الغربي منها.
اتخاذ القرار بالقبول أو الرفض من السكان، فيه الكثير من المخاطر والتبعيات والتداعيات، والسكان يعيشون تحت تأثير الكثير من الضغوطات والهواجس، ولا مجال للمزايدة عليهم في قضية أملاكهم وأرضهم، ولذلك لا يجوز بأي شكل من الأشكال تحميل السكان مسؤولية اتخاذ القرار، فقضية الشيخ جراح خرجت عن كونها قضية سكان حي، أو سكان مدينة القدس، هي قضية شعب وأمة بأكملها، وهي قضية وصلت بفضل صمود أهالي الشيخ جراح وتضحيات ونضالات أبناء شعبنا في القدس والداخل وقطاع غزة، والمتابعة من قبل العديد من مرجعيات السلطة المقدسية إلى كل المحافل الدولية، قضية عمدت بالدماء وسقط فيها شهداء وجرحى، واعتقل وحوكم العديد من الشبان والمواطنين على خلفية قضية الشيخ جراح، ولذلك إضاعة هذه النضالات والتضحيات سدى، سيكون خسارة كبرى، والموقف الذي سيتخذ في قضية الشيخ جراح سيكون له تداعياته على بقية الأحياء المقدسية المهددة سكانها بالطرد والتهجير، كأحياء سلوان الستة؛ بطن الهوى، البستان، عين اللوزة، وادي حلوة، وادي الربابة وواد ياصول، وكبانية "أم هارون" في الشيخ جراح، وحي الأشقرية في بيت حنينا.
يحتاج الموقف من قضية الشيخ جراح إلى جرأة في اتخاذ القرار من القوى الوطنية والمرجعيات الرسمية والسلطة والمنظمة ولجنة المتابعة العليا، ولا يجوز الاختباء خلف القول، إننا نقبل ما يقبل به السكان، فهذا هروب من تحمل المسؤوليات، وفي حال اتخاذ القرار بالرفض واستمرار النضال في الميدان لتثبيت حق سكان حي الشيخ جراح في أرضهم، يجب العمل على توفير حاضنة لهم فلسطينية – عربية إسلامية، حاضنة تجعلهم يشعرون بالأمن والاطمئنان، أنه إذا ما أقدمت دولة الاحتلال على طردهم وتهجيرهم بأن يكون هناك تأمين منازل لهم للسكن، وليس تركهم يلتحفون السماء ويفترشون الأرض.
وأنا أقول أنه لا ثقة في القضاء الإسرائيلي، هذا القضاء الذي لم ينصف السكان منذ 50 عاماً، لن ينصفهم الآن، فالمحتل يدرك حساسية عملية الطرد والتهجير لسكان حي الشيخ جراح من الناحية الدولية، وما قد يكون لها من تداعيات، أبعادها ونتائجها ستكون أبعد من مدينة القدس، بانفجار قد يمتد لهيبه ويطال كامل الجغرافيا الفلسطينية، وربما يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، ولنا في معركة "سيف القدس" في أيار الماضي العبرة والأنموذج، حيث تدخلت غزة لأول مرة لصالح القدس والأقصى عسكرياً، ولا أظن بأن شعبنا وم قاومتنا وشعوب أمتنا العربية والإسلامية وكل أحرار العالم سيخذلون قضية الشيخ جراح.