"المراكز الجماهيرية".. أداة الاحتلال للسيطرة على القدس

"المراكز الجماهيرية".. أداة الاحتلال للسيطرة على القدس

القدس المحتلة - القسطل: إنها السّم الذي يستشري بين المقدسيين بلباس خدمة أهل المدينة وإغاثتهم وتلبية كلّ ما يحتاجونه وحل مشاكلهم، إلّا أنها تهدف إلى اختراق وعيهم وصهره، باتجاه تقبّل المحتلّ وجعله واقعًا في مدينة القدس، إنها المراكز الجماهيرية التي انتشرت في معظم الأحياء الفلسطينية في العاصمة المحتلة.

في حديث لـ”القسطل” مع المحلل السياسي راسم عبيدات قال إنه بعد عام 2017، وجد الاحتلال أنه لا بد من القيام بخطوات عملية لدمج واحتواء سكان مدينة القدس، خاصة القسم الشرقي منها، عبر ما يسمى بـ”المراكز الجماهيرية” وضخ ميزانيات كبيرة لها، موضحًا أن ميزانية هذه المراكز تبلغ نحو 15 مليون شيقل في كل عام.

وأشار إلى أن بداية إنشاء تلك المراكز كانت في الشمال وتحديدًا في بلدة بيت حنينا، حيث كانت تقدّم خدمات للسكان، وتأثيرها لم يكن كبيرًا سواء في بيت حنينا أو غيرها من المناطق الأخرى في القدس.

لكن الاحتلال شعر بأن الوضع بعد هبّة الشهيد محمد أبو خضير والهبات الشعبية والجماهيرية التي مرت بها القدس، قد تطيح بسلطته في العاصمة المحتلة وقد يفقد السيطرة، ما دعاه إلى إعادة رسم سياساته وإستراتيجياته للإمساك بالحالة المقدسية في القسم الشرقي من المدينة، بحسب عبيدات.

مراكز جماهيرية تخترق الوعي والثقافة .. 

المخطط الإسرائيلي قام على أساس إقامة مراكز جماهيرية في البلدات المقدسيّة، بحيث يتم توظيف شبّان وشابات فيها ليتم تقبّلها من قبل السكّان، تقوم بأعمال إغاثية في البداية، لكن هدفها الأساس القيام بعملية اختراق ثقافي ونفسي واجتماعي.

يؤكد عبيدات أن المراكز الجماهيرية هي نافذة بلدية الاحتلال على سكان القدس، من خلال ربط حياتهم الاقتصادية والاجتماعية بالمراكز الجماهيرية وتقديم خدمات لهم، هذا يعني النفاذ إلى داخل الأسرة المقدسية، إذا ما أُضيف لهذه المراكز  أيضًا “الشؤون الاجتماعية” والوصول لداخل الأسرة ما يُحدِث اختراقًا واطّلاعًا على أوضاع الأُسر.

حتى في التعليم، فإن طلبة المدارس التابعة لبلدية الاحتلال ومن يحتاج منهم لمهارات أو دروس تقوية أو نشاط لامنهجي يتم إرسالهم لهذه المراكز الجماهيرية، حيث يؤكد المحلل السياسي عبيدات لـ”القسطل” أن دورها اختراق وعيهم والعبث به، من أجل تطويع وصهر هذا الوعي باتجاه تقبّل الاحتلال وجعله واقعًا في مدينة القدس.

دمجٌ في المجتمع “الإسرائيلي”..

ويُضيف أن الهدف من تلك المراكز الجماهيرية هو عملية دمج السكان الفلسطينيين في المجتمع “الإسرائيلي” من خلال ربط كامل حياتهم الاقتصادية والاجتماعية من خلال المؤسسات التابعة لبلدية الاحتلال، سواء المركز الجماهيري، أو الشرطة الجماهيرية أو مراكز الشؤون الاجتماعية وبالتالي يُصبح وجود الاحتلال مقبولًا في القدس، وعنوانًا للسكان، كبديل للأندية والمؤسسات الفلسطينية.

فالمؤسسات الفلسطينية عمل الاحتلال على تهميش دورها ووجودها سواء من حيث التعدي عليها بالإغلاق أو تفريغ محتواها وعدم السماح لموظفيها والعاملين فيها للوصول لعملهم، إلى جانب استهداف أي وجود أو رموز للسلطة الفلسطينية في القدس بمعنى أن الاحتلال لا يريد أي وجود فلسطيني في العاصمة المحتلة.

سياسة احتواء ..

بدوره، يوضح مدير مؤسسة تنمية الشباب في جمعية الدراسات العربية مازن الجعبري أنه بعد عام 2015 كان هناك عدد من الهبّات الفلسطينية في القدس إثر أحداث مختلفة، من حادثة الشهيد أبو خضير، ومحاولة فرض واقع جديد في المسجد الأقصى المبارك، وفي أعقاب ذلك، فكّر الاحتلال في اتّباع سياسة جديدة “الاحتواء”، وذلك لاحتواء المقدسيين وتطبّعهم بالقانون الإسرائيلي ودمجهم في الأسرلة.

ويبين لـ”القسطل” أن الاحتلال فتح منظومة من المؤسسات “الإسرائيلية” في القدس؛ مراكز جماهيرية، شرطة جماهيرية، وتوسيع مكاتب الشؤون الاجتماعية، ورصد لها ميزنيات ضخمة، بهدف دمج المقدسيين في “القانون الإسرائيلي”، مشيرًا إلى أن عملية الدمج هي عملية أسرلة؛ لأنه يُريد من المقدسيين أن يخضعوا له بإرادتهم، ثم يندمجون بالمجتمع والقوانين والأنظمة “الإسرائيلية”.

مراكز تعدّ من أخطر مؤسسات الاحتلال..

واعتبر بأن المراكز الجماهيرية من أخطر المؤسسات التي عملتها “إسرائيل” بين الفلسطينيين، لأنها مؤسسات موجودة داخل الأحياء المقدسية، وثانيًا لأن من يعمل فيها هم موظفون فلسطينيون، وثالثًا الميزانيات الضخمة التي تُرصد لها، مبيّنًا أن كل عام يتم رصد 16 مليون شيقل لها،

تلك المراكز الجماهيرية تعمل في أغلب الأحياء الفلسطينية بالقدس، حيث وسّعت صلاحايتها لتشمل؛ العمل المجتمعي، التعليم، الأنشطة الرياضية، أنشطة مشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أنها نشِطت خلال فترة انتشار فيروس “كورونا” في البلاد حيث عملت في مجال الطوارئ والإغاثة.

يوضح الجعبري أن المراكز الجماهيرية تروّج للخدمة المدنية والتي تستهدف من خلالها الشبان المقدسيين خاصة المتعلّمين لدمجهم في المؤسسات “الإسرائيلية”، مؤكدًا أن هذه الخدمة هي جزء من الخدمة الإلزامية العسكرية داخل دولة الاحتلال، وبالتالي تُشرف عليها وزارتي الاحتلال “الجيش” و”الداخلية”.

واعتبر بأن المراكز الجماهيرية تؤدي دورًا خطيرًا، فهي بوابة للاحتلال داخل المجتمعات المقدسية، تهدف إلى تفتيتها، وبالتالي إلحاقها بالنظام “الإسرائيلي”، وتعتقد دولة الاحتلال أنها بهذه العملية ستذيب الهويّة والتاريخ الفلسطيني، وستوجد هوية وثقافة هجينة جديدة، وهي ثقافة “إسرائيلية” في القدس وهدفها الرئيس إبعاد الفلسطينييين عن المقاومة والصمود.

إغلاق مؤسساتنا وتوسيع مؤسساتهم..

انتهجت دولة الاحتلال منذ عام 2000 سياسة إغلاق المؤسسات في القدس خاصة بعد توقيع اتفاق “أوسلو”، يقول الجعبري، ويضيف أنها عزلت القدس أولًا عن مُحيطها، ثم بدأت بالتضييق على المؤسسات وإخراجها من المدينة، لأنها دائمًا تراها استمرار للكيان والهوية الفلسطينية في القدس، ولذلك تضيق عليها. كما تم إغلاق العشرات منها مثل؛ الغرفة التجارية، بيت الشرق، جمعية الدراسات العربية، ومؤسسات أخرى تعنى بالأسرى والإحصاء وحقوق الإنسان. وضيّقت خلال السنوات الأخيرة على أغلب الأنشطة الفلسطينية في المدينة، سواء الأنشطة الرياضية، أو الثقافية، حيث تعتقد دولة الاحتلال أنها أنشطة تحمل رمزية فلسطينية.

إغلاق هذه المؤسسات الفلسطينية والتضييق على عملها ونشاطاتها مستمر حتى اليوم بسياسة متصاعدة، بحيث يترافق ذلك مع توسّع مؤسسات الاحتلال التي تعمل داخل المجتمع الفلسطيني في القدس، وتُرصد لها ميزانيات ضخمة من قبل بلدية وحكومة الاحتلال تعمل على أسرلة الفلسطينيين داخل العاصمة.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: