أحمد قدورة.. رسام كاريكاتير فلسطيني يدافع بريشته عن القضية
القدس المحتلة- القسطل: "الرسمُ مقاومة"، من هذا المبدأ بدأ رسام الكاريكاتير الفلسطيني أحمد قدورة رسم ما يعانيه الفلسطيني في أرضه ومنزله، تحديداً معاناة أهالي حي الشيخ جراح في العاصمة المحتلة.
ومنذ اندلاع أحداث أيار/ مايو الماضي أصبح يحمل ريشته بشكلٍ يومي، وينتج الكاريكاتير، ويشاركه على مواقع التواصل الاجتماعي.
بين أزقة المخيم
أحمد قدورة رسام كاريكاتير فلسطيني من قرية ترشيحا، يبلغُ من العمر 33 عاماً، ترعرع في مخيم "النيرب" في سوريا، ويقيمُ في السويد.
يقول قدورة في حديثه مع القسطل: "أقوم بالرسم منذ الطفولة، ولكن في حينها اقتصرت رسوماتي على العلوم والجغرافيا، خاصةً أثناء دراستي بالابتدائي والثانوي".
ويتابع: "نحن كأبناء المخيم كُنا نحب رسم خريطة فلسطين، والرسومات التي تتحدث عن فلسطين، ورسومات ناجي العلي بين الأزقة والطُرقات.. كبرنا على مبدأ أن هذه القضية قضيتنا، ومن اللازم أن يؤدي الفن دوره".
"لماذا لا أرسم الكاريكاتير؟"
ويوضح قدورة أن المرة الأولى التي تساءل فيها عن فكرة رسم الكاريكاتير، كانت عام 2010، عندما شارك مع مؤسسة فلسطينية بإنتاج فيلم عن حياة الرسام الفلسطيني ناجي العلي.
وأردف "كنت أشارك خلف الكواليس، وشاهدت مشهد اغتيال ناجي العلي، وتأثرت كثيراً.. وهنا أول مرة تستوقفني فكرة لماذا لا أرسم الكاريكاتير؟ هذا الشيء لم يحدث فوراً ولكن هذا المشهد هو من منحني هذا الشعور لأول مرة".
بين عامي 2011- 2014 انشغل قدورة بكتابة الخواطر والشعر، وأثناء الحرب في سوريا، عاش ظروفاً وأحداثاً صعبة، تشبه ما يحدث في غزة من قصف، وأصوات صاخبة، وركض وانقطاع للتيار الكهربائي بشكل متواصل.
ويسترجع بذاكرته تلك الأحداث الأليمة، قائلاً: "أخذت أفكر كيف يعيش أهل غزة.. تأثرت كثيراً، وأصبحت أفكر في ضرورة الحديث عن المعاناة والأوضاع التي أعيش بها أنا وغيري عن طريق ريشتي".
في بدايته، رسم قدورة رسومات تشبه كثيراً طريقة ناجي العلي، وأخذ يتصفح رسوماته، ويحاول قراءتها وتحليلها.
وأثناء هجرته من سوريا، في رحلةٍ صعبة وسط البحر، استغرقت 13 يوماً وأوشك فيها على الغرق، عاش أحداثاً دفعته للكثير من التساؤلات.
ويتابع: "هذه المشاهد دفعتني فور وصولي للسويد أن أقرر ضرورة تبني منهج الكاريكاتير حتى لو كنت متأخراً".
وفي عام 2015، أنتج قدورة الكاريكاتير الأول له، عن جندي "إسرائيلي" يعتقل كاميرا؛ بمناسبة اعتقال جنود الاحتلال صحفيًا فلسطينيًا.
وفي عام 2019 بدأ بالرسم عن الأحزاب السويدية، وعن الشارع السويدي؛ بهدف إيصال القضية الفلسطينية بالرواية الفلسطينية، مشيراً إلى أن انقطاعه كان بسبب الدراسة وظروف أخرى.
معركة الشيخ جراح ونكبة الأجداد
يسترجع قدورة ما حدث في أيار الماضي، ويضيف لـ القسطل: "عندما حصلت أحداث الشيخ جراح.. شعرت أنها معركة يجب أن أحمل فيها ريشتي وأرسم، وقررت أن ألتزم الكاريكاتير بشكلٍ يومي".
يعكس قدورة بريشته عدة قضايا، أهمها معاناة اللاجئ الفلسطيني، والأسرى، وغزة، والقدس.
وحول الأسباب التي جعلته يرسم تحديداً عن الشيخ جراح وسلوان، يبين أنها نكبة ثانية، تشبه ذات النكبة التي عاشها أجداده، مشيراً إلى أن "الرسم مقاومة.. إما أن أكون مقاوماً أو متخاذلاً.. عكس المقاومة التخاذل".
ويردد: "أنا دائماً أُفكر كيف ترحّل جدي؟ وأتصور هذه الأحداث التي لم أعشها في فلسطين، ولكنني عشتها عندما اضطررت للخروج من سوريا.. هذا الشيء يتكرر في الشيخ جراح.. عملية تطهير عرقي وتهجير قسري، يجب إيصالها للعالم".
"إذا خسرنا الشيخ جراح سنخسر كثيراً بعده.. وإذا انتصرنا في معركة الشيخ جراح سيكون هذا انتصارًا كبيرًا" بهذه الكلمات المليئة بالإرادة والصمود أوضح قدورة سبب اهتمامه في الشيخ جراح بالعاصمة المحتلة.
وقال: "من هذا المبدأ بدأت وآمنت أنه من الضروري أن نستخدم كافة الوسائل لمقاومة الاحتلال، ورأيت أن الصورة البصرية تحمل في طياتها أثراً كبيراً، ولا بُدّ من أنها أيضاً أداة لتحريض الشعوب وللثورة".
ومنذ تلك اللحظة، أصبح يوم قدورة لا يكتمل إلّا بإنتاج الرسومات، واصفاً شعوره: "في حال مرّ يوم دون أن أرسم أشعر بالتقصير بحق القضية الفلسطينية".
حاضراً معنوياً رغم البُعد
اقتصر عرض رسومات قدورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت المرة الأولى التي عُرضت فيها على أرض الواقع في قلب الحي المقدسي "حي الشيخ جراح"، قبل عدة أيام.
يوضح قدورة أنه تواصل مع العديد من الشبان المقدسيين أثناء الأحداث التي اندلعت في أيار الماضي، وأنهم ساهموا بشكلٍ كبير في نشر رسوماته على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويضيف: "لم أكن مع فكرة المعارض لأننا بعصر السرعة والسوشال ميديا، ولكن عندما رأيت التضييق من إدارة "فيسبوك"، وقلة وصول الرسومات، والتقييد والتضييق على أعمالي وحظر رسمتين.. آمنت أكثر بفكرة وضرورة المعرض".
ويستكمل بصوتٍ مليءٍ بالسعادة والفخر: "كنت أتكلم مع أحد الأصدقاء المقدسيين، وعندما علم أنني لم أشارك بأي معرض من قبل، سعى هو وبقية الأصدقاء لتنظيم أول معرض لرسوماتي في حي الشيخ جراح".
يصمت قليلاً عاجزاً عن التعبير عن شعوره، ثم يردد: "شعور لا يوصف.. لا تكفي حروف اللغة للتعبير.. أن أشعر أنني بدأت على أرض الواقع من الشيخ جراح فكرة رائعة جداً.. أيضاً فكرة أنني موجود بين أهالي الحي فكرة لا توصف".
ويشير إلى أنه على الرغم من عدم تواجده بين الأهالي شخصياً، إلا أنه كان حاضراً معنوياً برسوماته، التي عُرضت في باحات الحي ضمن فعالية "شارع الشيخ جراح الثقافي".
ويستكمل قدورة حديثه بحماسٍ كبير: "إذا قدر الله لي زيارة القدس، أول حي سأزوره هو حي الشيخ جراح؛ من أجل التأكيد على رمزيته، وعلى أهمية تواجدنا فيه".
وصول لمن لا يتواجد إلكترونياً
وعقب مشاركته في الشيخ جراح، تواصلت معه جامعة "تكساس" في قطر، ونظمت لرسوماته معرضاً ثانياً.
ويوضح قدورة أن هذه المشاركات جعلته مهتماً أكثر بفكرة المعرض، ويتابع أن: "المعرض يسمح بوصول الرسومات للأشخاص الذين لا يتواجدون على الإنترنت، أو الذين لم يتابعوا القضية الفلسطينية عن كثب، وهم من ثقافات مختلفة".
ويختتم حديثه مؤكداً أن "قضية الأسرى من أهم القضايا التي أرسم عنها، مثل الأسيرة المقدسية إسراء جعابيص، والأسيرة المحررة أنهار الديك، والأسرى المضربين".
. . .