الأسير بازيان.. خرج بصفقتيْ تبادل وفي انتظار ثالثةٍ تُنهي ألمَه

الأسير بازيان.. خرج بصفقتيْ تبادل وفي انتظار ثالثةٍ تُنهي ألمَه

القدس المحتلة - القسطل: في حارة السعدية، إحدى أكبر حارات البلدة القديمة، وفي عقبة شداد، على بعد أمتارٍ قليلة من المسجد الأقصى المبارك، تسكن عائلة بازيان، تلك العائلة ذات الأصول الكردية، التي أتت مع جموع الأكراد الذين قدموا مع جيوش القائد صلاح الدين الأيوبي، عندما قدم لتحرير القدس وفلسطين من الاحتلال الإفرنجي الصليبي، وبقيت تلك العائلات مرابطةً في القدس والخليل، وأضحت جزءًا من المجتمع الفلسطيني، مع ما تحمله من الإرث الحضاري المقاوم المرابط.

ولد الأسير المقدسي علاء الدين أحمد رضا بازيان عام 1958، وترعرع في البلدة القديمة على مقربةٍ من المسجد الأقصى. تلقّى تعليمه في مختلف مدارس القدس، مثل؛ المدرسة البكرية، دار الأيتام الإسلامية، والكلية الإبراهيمية. وحين كان في التاسعةِ من عمره، كان شاهدًا على الاحتلال وجنوده ودباباته وهي تتجول في حارات البلدة القديمة، متجهةً لتدنس الأقصى، فتولدت في نفسه المرارة والرغبة في مقاومة الاحتلال.

بداياته مع العمل المُقاوم

ما إن بلغ علاء الـ17 من عمره، وتحديداً في عام 1975، بدأت ملامح الوعي الوطني والاستعداد لمقاومة الاحتلال تظهر عليه، حيث كان في ذلك الوقت يعمل في مهنة الدهان مع والده في القدس. وبعد ذلك بعامين ترجم علاء ذلك الوعي عملاً مقاوماً حينما انضم لمجموعة فدائية تتبع حركة “فتح” عام 1977 ونفذ عدة عمليات فدائية. وفي العام 1979، أعدّ الأسير بازيان برفقة الشهيد كمال النابلسي، تركيب عبوةً ناسفة إلا أنّ خللاً فيها أدى لاستشهاد كمال، وفقدان علاء بصره. لاحقاً، سمّى علاء ابنه البكر “كمال” تميناً برفيقه الشهيد.

رحلة الاعتقال الأولى

دهمت قوات الاحتلال مكان انفجار العبوة التي صنعها علاء وكمال في جبل المكبر جنوبي شرق القدس، ونقلت بازيان إلى مشفى “هداسا عين كارم” الإسرائيلي، ثم بدأت مخابرات الاحتلال بالتحقيق معه، رغم جروحه وفقدانه البصر، ليبدأ مسلسل تعذيبه داخل المشفى.

تواصل التحقيق القاسي معه في زنازين مركز “المسكوبية” الواقع غربي القدس ، استمرّ لمدة 18 يوماً، صمد خلالها رافضًا الاعتراف بشيء، ليتم تحويله لسجن “اللد”.

بعد 6 شهور من الاعتقال، حكمت محكمة الاحتلال على بازيان بالسجن لمدة 5 سنوات، وبعد الاستئناف تم تخفيض الحكم لسنتين، وعقب الإفراج عنه، سافر إلى عمّان وبيروت لتلقّي العلاج وإزالة شظايا العبوة من عينه.

العودة للقدس ومقاومة الاحتلال

خلال وجود بازيان في بيروت، طلب الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد)- كان مسؤول القطاع الغربي أو جهاز الأرض المحتلة في حركة “فتح”- آنذاك من علاء البقاء في بيروت لنقله إلى ألمانيا الشرقية لاستكمال العلاج، فرفض ذلك وطلب العودة للعمل الفدائي في الأرض المحتلة. وهذا ما تمّ فعلاً، وعاد إلى القدس وواصل العمل فيها ضمن المجموعات الفدائية التابعة للحركة.

الاعتقال الثاني والخروج في الصفقة الأولى

في الرابع من شهر كانون أول/ ديسمبر عام 1981 اعتقلت قوات الاحتلال بازيان عقب اعتقال معظم أفراد الخلية التي يعمل معها، وبسبب التحقيق القاسي، استشهد رفيقه خليل صندوقة تحت التعذيب، وتم الحكم هذه المرة على بازيان بالسجن لمدة 20 عاماً، على الرغم من عدم اعترافه بأيٍ من التهم الموجهة له.

قضى بازيان 4 سنوات في سجون الاحتلال، وفي الـ21 من شهر أيار/ مايو عام 1985 تم الإفراج عنه إلى جانب 1150 أسيراً فلسطينياً في صفقة تبادل أسرى بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، التي كانت تحتجز أربعة جنود إسرائيليين، تم أسرهم خلال حرب عام 1982 في جنوب لبنان.

زكي المختار وزوجته

خلال فترة السبعينيات والثمانينيات برزت ظاهرة يعرفها معظم من عاشوا في الجغرافيا الفلسطينية وما حولها، وهي ظاهرة “زكي المختار وأم العبد”، وهما شخصيتان إسرائيليتان، ظهر زكي المختار في برنامج إذاعي صباحي يومي، تحت اسم (استوديو رقم 1)، يتحدث خلاله المدعو “زكي المختار” عن مشاكل الفلسطينيين اليومية، من؛ خللٍ في البُنى التحتية، تحصيل تصاريح العمل، والسفر إلى الأردن.

وبتنسيقٍ مع مخابرات الاحتلال افتتح “إسحاق بن عافوديا” وهو الاسم الحقيقي لزكي المختار، مكتباً لزوجته “زهافا بن عافوديا” أو “أم العبد” في عمارة هندية بشارع نابلس في القدس. كان الهدف من هذا المكتب تسيير وتسهيل معاملات الفلسطينيين لدى سلطات الاحتلال بمقابلٍ مادي، ولاستقطاب العملاء للعمالة مع الاحتلال.

صباح اليوم الـ13 من شهر نيسان/ أبريل عام 1986 وبينما كان “زكي المختار” يقدم برنامجه عبر أثير إذاعة الاحتلال، اقتحمت مجموعة فدائية مكونة من خمسة أشخاص من بينهم؛ علي بدر مسلماني وخالد محيسن، عمارة هندية وأطلقت النار على “زهافا بن عافوديا” (أم العبد) وأردتها قتيلة.

وفي الـ27 من الشهر ذاته، أطلق المقدسيّان عصام جندل وعمر الخطيب النار على بريطاني فأردياه قتيلًا، وذلك خلال تجوله في أزقة البلدة القديمة للقدس.

 كان بازيان المسؤول عن تلك المجموعتين الفدائيتين وغيرهما، حيث كان في ذلك الوقت ضمن صفوف حركة فتح – الانتفاضة، التي تزعّمها المقدسي ابن بلدة سلوان سعيد مراغة “أبو موسى”، واتخذت من العاصمة السورية دمشق مقراً لها.

الاعتقال الأطول ..

بعد حملة اعتقالات وملاحقات أمنية شنتها سلطات الاحتلال في القدس، اعتُقل بازيان، خالد محيسن، عصام جندل، عمر الخطيب، وعلي مسلماني في الـ29 من شهر نيسان/ أبريل عام 1986.

تم الحكم على جميع أفراد الخلية بالسجن مدى الحياة، وخلال المفاوضات لإتمام صفقة وفاء الأحرار بين عامي 2009 و2011، كان بازيان على رأس قائمة أسرى القدس المُطالب بالإفراج عنهم بعد أن أمضى 25 عاماً في سجون الاحتلال، وتنسّم الحرية في الـ18 من شهر تشرين أول/ أكتوبر عام 2011 ليعود لحضن القدس وحارة السعدية.

الاعتقال الأخير والأمل بالحرية..

الثاني عشر من شهر حزيران/ يونيو عام 2014، أعلن الاحتلال عن اختفاء ثلاثة من مستوطنيه عند في مفرق عتصيون الواقع بين الخليل وبيت لحم، وبعد 18 يوماً من البحث، تم العثور على جثثهم في مغارة في حلحول شمال الخليل.

وخلال فترة البحث وما بعدها، أعاد الاحتلال اعتقال 51 محرّرًا ممن أُفرج عنهم في صفقة “وفاء الأحرار”، معظمهم من القدس والخليل، وكان بازيان من بينهم، ليُعاد له حكمه السابق بالسجن المؤبد.

يعيش بازيان اليوم بظروف صحية صعبة في سجون الاحتلال، فهو مصاب بـ”الروماتيزم”، ويعاني من آلام مستمرةً في المعدة والأمعاء، وخلال المفاوضات الحالية بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية تطالب الأخيرة بالإفراج عن كافة أسرى صفقة “وفاء الأحرار” المُعاد اعتقالهم، مقابل الكشف عن مصير الجنود الصهاينة المحتجزين لديها.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: