103 أعوام على وعد بلفور المشؤوم ومأساة شعبنا مستمرة
هناك إجماع على أنّ وعد بلفور الذي صدر قبل مائة وثلاثة أعوام، أسّس لمأساة شعبنا المستمرة بفصولها وتجلياتها المختلفة، حيث نشهد "تسونامي" استيطاني قائم على التطهير العرقي، وبما يشمل كل مساحة فلسطين التاريخية، وإن كانت القدس تتصدر هذا المشهد وهذا الاستهداف، بهدف تغيير الواقع الديمغرافي فيها بشكل كبير لصالح المستوطنين، حيث تتوالى المخططات والمشاريع الاستيطانية من الشارع الأمريكي إلى شارع الطوق إلى ما يسمى بـ”مركز القدس الشرقية” إلى “وادي السيليكون”، عدا آلاف الوحدات والمشاريع الاستيطانية التي جرى إقرارها، ويجري العمل على تنفيذها على طول وعرض مساحة مدينة القدس، والعمل جارلكي تصبح مساحة القدس 10% من مساحة الضفة الغربية، وبما يضم المستوطنات في الجنوب الغربي للمدينة وشرقها إلى “القدس الكبرى”، وبما يعني ضخ 150 ألف مستوطن إلى المدينة وإخراج 100 ألف فلسطيني مقدسي منها.
وعد بلفور لم يشكل جريمة كبرى بحق شعبنا الفلسطيني ارتكبتها حكومة الانتداب البريطاني فقط، بإعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، فهذا الوعد الذي أعطى لليهود حقوقاً سياسية وإقامة وطن قومي لهم في بلد لا يشكلون فيه سوى (3%)، في الوقت الذي لم يعترف فيه لسكان وأصحاب الأرض الأصليين والذين يشكلون (97%) من سكانه سوى بحقوق مدنية ودينية، أي الأقلية أغلبية والأغلبية أقلية، هذا الوعد كان له أهداف سياسية، من ضمنها خدمة المشروع الاستعماري في المنطقة القائم حسب اتفاقية سايكس- بيكو على تقسيم المنطقة العربية بين بريطانيا وفرنسا، وبأن يشكل إقامة هذا المسمى بالوطن القومي اليهودي حاجز صد وفصل ما بين بلاد الشام ومصر على وجه التحديد، وبأن تصبح الحركة الصهيونية رأس الحربة لهذا المشروع، في محاربة أي حركة تحرر وطني عربي، وأي نظام رسمي عربي وطني تقدمي، يريد أن يخرج الأمة العربية من نير الاستعمار أو يعمل على تنمية وتطوير البلدان العربية وتوحيدها ضمن مشروع عربي تحرري نهضوي، ولذلك وجدنا الحركة الصهيونية وتجسيدها المادي “إسرائيل” قد شاركت إلى جانب بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي على مصر، وكذلك في عام 1967 استكملت احتلال ما تبقى من فلسطين واحتلال سيناء المصرية والجولان السورية.
وشعبنا الفلسطيني الذي طرد وهجر أكثر 50% من سكانه قسراً بفعل العصابات الصهيونية التي احتلت أرضه وطردته وشردته، وأحلّت مكانه المستوطنين الغزاة في أكبر عملية تطهير عرقي عرفها التاريخ البشري الحديث، ولم تكتف تلك العصابات بالطرد والتهجير، بل عمدت إلى تدمير مدنه وقراه (531) قرية ومدينة جرى تدميرها، واستتبع ذلك الاستيلاء على أملاك اللاجئين الفلسطينيين، ومن ثم العمل على بيعها بالمزاد العلني.
وهذا الوعد الذي شكّل سلسلة مآسي ونكبات مستمرة ومتلاحقة لشعبنا الفلسطيني، حيث نشهد الآن قيام أسوء نظام فصل عنصري في فلسطين، يتجلى من خلال الاستيطان في القدس والضفة الغربية والطرق الالتفافية والطرق والشوارع الخاصة بالمستوطنين، ناهيك عن التهويد المستمر والتغيير في الواقع الديمغرافي لصالح المستوطنين، ولذلك نشهد عمليات هدم لقرى عربية بكاملها، كما حصل في قرية العراقيب في النقب التي هدمت للمرة التاسعة والسبعين بعد المئة وقرية أم الحيران التي جرى هدمها.
وعد بلفور جعل ستة ملايين فلسطيني يعيشون في مخيمات اللجوء في الدول العربية المحيطة بفلسطين في ظروف وأوضاع تفتقر إلى أدنى شروط الحياة الإنسانية، بل الحروب المذهبية العربية المتواصلة، فرضت عليهم نكبات ومآسي جديدة، وكذلك أبقى ستة ملايين فلسطيني آخرين يعيشون تحت الاحتلال، في ظل أسوء نظام فصل عنصري، يستهدف الشعب الفلسطيني في وجوده وأرضه وكل مكونات ومركبات هذا الوجود.
حكومة بريطانيا ورئيس وزرائها اليمينية المتطرفة السابقة تيريزا ماي التي فاخرت بدور بريطانيا في إقامة دولة الاحتلال، وأعلنت بكل وقاحة عن الاحتفال بالذكرى المئوية لهذا الوعد المشؤوم، يؤكد بأن هذه الدولة الاستعمارية هي من يتحمل المسؤولية المباشرة عن نكبات شعبنا المستمرة والمتواصلة بفعل وعدهم المشؤوم، وإقامة هذا الاحتفال كان الهدف منه قطع الطريق على مطالبة شعبنا لها بالاعتذار عن هذا الوعد والمطالبة بالتعويضات، كما أنه يشكل استخفافًا بحقوق شعبنا، ولذلك لا مناص من خوض نضال شعبي ورسمي وقانوني وحقوقي ضد الحكومة البريطانية، والضغط عليها من أجل تصحيح هذا الخطأ التاريخي والاعتراف بحق شعبنا في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة، بل وأبعد من ذلك، حمل الحكومة البريطانية على تحمل مسؤولياتها التاريخية والسياسية والأخلاقية عن هذه الجريمة، وتحميلها كل التبعيات التي ترتبت على هذا الوعد ومطالبتها بدفع مئات المليارات من الدولارات كتعويضات لشعبنا الفلسطيني عن النكبات والظلم والاضطهاد والتشريد الذي لحق به، بفعل وسبب وعدهم المشؤوم هذا.
لذلك يجب على القيادة الفلسطينية والجماهير الشعبية رفع الصوت عالياً وتنظيم الفعاليات الشعبية والجماهيرية واستمرار الملاحقات السياسية والقانونية للحكومة البريطانية، وحشد أوسع حالة تضامنية بريطانية وعربية وإسلامية ودولية لحمل هذه الدولة الاستعمارية على تصحيح خطئها، وممارسة أوسع شكل من التحركات والضغوطات من خلال اعتصامات مستمرة وضخمة أمام كل السفارات والبعثات البريطانية في العالمي العربي والإسلامي وفي كل دول أوروبا وأمريكا اللاتينية وغيرها من دول العالم.
إذا كان وعد بلفور عام 1917 قد منح اليهود وطنًا قوميًا في فلسطين، فإن وعد ترامب عام 2017 قد منح الكيان الصهيوني الوطن العربي كله، وتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات من خلال صفقة القرن!،حيث نشهد حالة غير مسبوقة من “الفجور” التطبيعي العلني ما بين دولة الاحتلال ودول النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن الذي تحلل من كل التزاماته القومية والوطنية، ويسعى لتشكيل تحالف أمني وعسكري إستراتيجي مع دولة الاحتلال، على حساب حقوق شعبنا الفلسطيني وقضيتنا الوطنية وعلى حساب حقوق أمتنا العربية وأمنها القومي ومصالحها الوطنية والقومية.