شقٌ طريقٌ جديدٌ نحو التقسيم المكاني للأقصى

شقٌ طريقٌ جديدٌ نحو التقسيم المكاني للأقصى
أرسلت جماعة "تراث جبل المعبد" في يوم الإثنين 16-11-2020 رسالة إلى وزير الأمن الداخلي الصهيوني عمير أوحانا، طلبت فيها أن يَسمح لطلاب المدارس "الدينية التوراتية" بالمكوث في المسجد الأقصى طوال الفترة المتاحة للاقتحامات والتي باتت تبلغ خمس ساعاتٍ ونصف يوميًا من أيام الأحد والخميس. ماذا يغير ذلك؟ الاقتحامات تتم يوميًا، فلماذا تزعجوننا بالتفاصيل الصغيرة؟ لكن هل هذه حقًا تفاصيل صغيرة عزيزي المتسائل؟ هذا الطلب درسته جماعات المعبد بعناية، وهو عمليًا يفتح الطريق نحو تغيير كبير في المسجد الأقصى المبارك على الشكل الآتي: أولاً: تقدم هذه الرسالة مطلبها إلى وزارة الأمن الداخلي الصهيونية وشرطة الاحتلال باعتبارها محاولة للعمل ضمن نطاق الإجراءات الحالية دون الضغط لتغييرها، بما يسهل الموافقة عليها. المطلب عمليًا هو أن يسمح للعشرات من طلاب المدارس الدينية بأن يمكثوا في الساحة الشرقية للمسجد الأقصى المبارك، وأن يتدارسوا التوراة خلال الأوقات المتاحة للاقتحامات، ثم يخرجوا في الوقت المحدد. عمليًا ينطوي هذا الطلب على مكتسبين فوريين لجماعات المعبد المتطرفة في حال المضي فيه: الأول أنه يحوّل طبيعة الاقتحام من الحركة والتنقل إلى التمركز، فالاقتحامات الحالية تأخذ شكل جولاتٍ بمرافقة شرطة الاحتلال، أما الثاني فهو أنه يحول المسجد الأقصى إلى "حرم تدريسي" للمدارس التوراتية التابعة لتلك الجماعات والقريبة منها، وهي بالعشرات، وهو ما يضمن رفع أعداد المقتحمين إلى مئاتٍ بشكلٍ يومي. ثانيا: اختيار دخول الطلاب تحديدًا يتطلب إدخال أدوات مرافقة، فالتدريس بطبيعته سيستدعي إدخال الكراسي والطاولات وأدوات إيضاحٍ بسيطة، قد تحرص جماعات المعبد في البداية أن تكون قابلة للطي بحيث تدّعي أنها لا تُغير في "الوضع القائم"، ومن ثم لفائف التوراة والأدوات الكثيرة لقراءتها وتخزينها، والتعويل هنا على التدرج والبطء والتغييرات "الصغيرة" المتتالية، وهذا سيمهد بدوره للمستوى الثالث من هذا التدرج. ثالثا: مكوث الطلاب على مدار العام يعني أنهم سيتعرضون للريح والمطر، ونحن اليوم في بدايات فصل الشتاء، وهذا يستتبع بالضرورة المطالبة بالسماح لهم بنصب مظلة تقيهم برد الشتاء والمطر والريح، وستحرص تلك الجماعات على اقتراح خيمة مؤقتة، يمكن نصبها وإزالتها، وهي لا تشكل تغييرًا في "الوضع القائم" هي الأخرى. ومن أحبّ أن يشاهد نموذجًا مصغرًا لذلك فلينظر إلى الخيام التي نصبت هذا العام عند ساحة البراق وصورتها مرفقة كذلك مع المقال. بعد الخيام لن يطول الزمن قبل أن تُقترح الفواصل البلاستيكية من حولها لحمايتها، وهو ما سبق استخدامه أيضًا في ساحة البراق، والوصول بالتالي للاستيلاء على الساحة الشرقية للأقصى بمساحتها البالغة أكثر من 10 آلاف مترٍ مربع كما توضح الصورة المرفقة. بلغة أخرى نحن أمام مسارٍ جديد، يعيد فتح باب اقتطاع الجزء الشرقي من الأقصى، ويلتف على نتائج هبة باب الرحمة، التي فتحت خلالها جماهير المرابطين مصلى باب الرحمة رغم أنف الاحتلال في 22-2-2019 بعد 16 عاماً متواصلة من التخطيط والتدبير والانتظار. هزيمة لم يتمكن المحتل من ابتلاعها حتى الآن، فهي بددت المسار الأقرب والأكثر جدوى بنظره للتقسيم المكاني، وهو لذلك يجدد المحاولة إثر المحاولة لإبطال نتيجتها واستئناف مسار التقسيم، في الساحات الشرقية أساسًا، وفي الساحات الغربية ومحيط باب المغاربة وباب السلسلة إن استطاع. هذه الرسالة إذن تحاول شق الطريق لمسارٍ طويل، يحصد مجموعة من المكتسبات: تغيير طبيعة الاقتحام من الحركة إلى التمركز، تحويل المسجد الأقصى المبارك إلى "حرمٍ تدريسي" للمدارس التوراتية، رفع أعداد المقتحمين يوميًا، وشق بداية الطريق من جديد نحو اقتطاع الساحات الشرقية للأقصى بمساحة عشرة دونمات. هل يمكن إفشال هذا المسعى؟ التجربة تجيب بنعم، من الرباط المؤسسي على مدى أكثر من عقدٍ من الزمن إلى هبات السكاكين 2015 وباب الأسباط 2017 وباب الرحمة 2019، كلها تجارب تمكنت من وقف تقدم المحتل بل وتنكيس مساره نحو التراجع، ولولاها لكان التقسيم بكل أشكاله أمرًا واقعًا، ولكان المحتل اليوم يعد العدة لخطواته التالية على طريق الإحلال التام وتأسيس المعبد في مكان الأقصى وعلى كامل مساحته. كلما كان التحرك مبكرًا كلما كان أكثر جدوى وأسرع إلى إجهاض هذا المسار، ولنتخيل معًا حجم وشكل الفعل المطلوب لمنع طلاب الجماعات الدينية من التمركز في الساحة الشرقية ابتداءً، ونوع وشكل الهبة التي سنحتاجها لإزالة خيامهم إذا ما تمركزوا وفرضوا أمرًا واقعًا حاولوا تكريسه بالخيام البلاستيكية والفواصل وآلاف عناصر القوات الخاصة. رغم الجراح، ورغم استخدام الوباء ضد المرابطين، فخيارنا الأفضل والأجدى هو التصدي المبكر لهذا المسار، وكلما تأجل صار إجهاضه أصعب وأغلى ثمنًا.
. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: