"لن نهدم بيوتنا بأيدينا".. ميثاقٌ بدأ في جبل المكبر فهل يُعمّم على بلدات القدس؟
القدس المحتلة - القسطل: في ظل ما تتعرّض له مدينة القدس من انتهاكات واسعة من قبل الاحتلال، وهجمة بلديتها على المقدسيين، بتشريدهم من منازلهم وقطع أرزاقهم وهدم منشآتهم، كان لا بدّ من وضع حد لممارساتها العنصرية والتي تسعى لإنهاء الوجود الفلسطيني في العاصمة المحتلة.
بحسب مركز معلومات وادي حلوة فإن 187 عملية هدم حصلت في مدينة القدس خلال العام الماضي 2021، من بينها 115 منشأة هُدمت قسريًا.
يقول المقدسي محمد بشير وهو أحد أصحاب المنازل المخطرة والمهددة بالهدم من قبل الاحتلال إن هذه الحملة كان لا بدّ منها إزاء ما يتعرّض له المقدسيون في العاصمة المحتلة من استهداف لوجودهم فيها والعمل على طردهم منها.
ويضيف لـ"القسطل" أن بلدة جبل المكبر خسرت نحو عشرين منشأة عام 2021، في حين أنها خسرت ثمانية منذ بداية العام الجاري وحتى اليوم، لافتًا إلى أن بعض هذه المنشآت هُدمت قسريًا بأيدي أصحابها تحت الضغط المادي والنفسي.
ويشير إلى أن الحملة انطلقت مع بداية شهر شباط الجاري بسبب وصول بلدة جبل المكبّر المرحلة الأصعب، وقال: “تمت المصادقة على مشروع الشارع الأمريكي منتصف شهر كانون ثاني الماضي، وبالتالي فإن كل ما يقع داخل المساحة المخططة لهذا المشروع، معرّض للهدم”.
ويبين أن الشارع الأمريكي في مقطعيه (2 كيلو و800 متر) طولًا يقطع بلدة جبل المكبر، وتم تنفيذه على عرض 16 مترًا، وفي بعض المناطق وصل أكثر من ذلك، موضحًا أن “خرائط بلدية الاحتلال تُظهر أن عرض الشارع 32 مترًا، ما يعني أن كل مبنى يقع داخل الـ32 مترًا معرض للهدم في أي لحظة”.
البداية كانت إخطارات هدم لـ62 منشأة ..
يوضح المقدسي بشير أن بلدية الاحتلال أصدرت 62 إخطارًا بالهدم في بلدة جبل المكبر لصالح “الشارع الأمريكي”، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الـ62 إخطارًا لا تعني 62 وحدة سكنية، فهناك مبانٍ تحوي ثلاث وأربع شقق.
إن “الشارع الأمريكي” بحسب بشير مشروع تنظيمي تعجيزي يهدف إلى تشريد السكان، لم؟ لأن بلدية الاحتلال تطلب من صاحب المنشأة إجراءات تعجيزية للحصول على ترخيص بناء.
هنا يوضح أن المقدسي إذا أراد أن يبني وفقًا لما تطلبه بلدية الاحتلال ويحصل على ترخيص، فإن عليه هدم البناء القائم والقديم أولًا، ثم بناء 4 طوابق كمواقف سيارات، وأربعة مثلها كمنشآت تجارية، ثم بناء طبقتين سكنيتين تتسع لأربع شقق.
“هذا تعجيزي”، يقول بشير. ويضيف: “من أجل استصدار رخصة بناء أنا بحاجة لملايين الشواقل، وإذا أردت إنشاء هذا البناء أحتاج لملايين أخرى غيرها، نحن نتحدث عن مواطن عادي، دخله محدود، لا يمكن أن يقوم بمثل هذا المشروع”.
ويؤكد أن الاحتلال هدفه تشريد المقدسيين من جبل المكبر والبحث عن بدائل خارج القدس، فأصبحوا يتملكون ويبنون في محيط حاجز “مزموريا”، وبأسعار أقل كلفة.
قانون "كمينتس"..
“كمينتس”، هو أحد قوانين الاحتلال التي قلصت صلاحيات سلطة قضاء الاحتلال، حيث عمل منذ المصادقة عليه في برلمان الاحتلال “الكنيست” أواخر عام 2017 على تقييد عملية إصدار تمديدات لقرارات الهدم.
بالتالي فإن هذا القانون يعني، أنه في حال تم إصدار أمر بهدم منشأة فلا مجال للتمديد، فالقرار بات إداريًا ويُمكن لبلدية الاحتلال الهدم خلال نحو شهر.
يقول بشير لـ”القسطل” إن كل مقدسي ونتيجة التكاليف الباهظة التي تفرضها بلدية الاحتلال في القدس من أجل إصدار التراخيص وتحتاج لسنوات طويلة جدًا، يضطر للبناء بدون ترخيص، ما يجعله عرضة لتوجيهه لمحاكم الاحتلال.
ويبين أنه في حال لم يتم هدم المنزل أو لم يصدر القاضي “الإسرائيلي” قرارًا بهدمه، يقوم القاضي بفرض غرامة مالية باهظة على المقدسي لإجباره على استصدار الرخصة خلال فترة زمنية تصل ما بين عامين إلى 3 كحد أقصى، وكان هناك إمكانية للتمديد لكن هذا القانون العنصري منع من ذلك.
ما بعد هذا القانون، أخطرت بلدية الاحتلال أصحاب 70 منشأة أخرى بهدمها، ولا يُمكن بعد المصادقة على هذا القانون وإقراره تمديد المهلة، بحسب بشير. وأكد أن حصيلة إخطارات الهدم بعد قانون “كمينتس” وصلت إلى 132 منشأة في بلدة جبل المكبر.
“لن نهدم بيوتنا بأيدينا”..
يقول بشير لـ”القسطل” إن الحراك الذي انطلق مع بداية شباط، تطوّر إلى فكرة السعي للحصول على تجميد أوامر الهدم لفترة زمنية محددة لا تقل عن 3 سنوات، قابلة للتمديد لخمس سنوات، على أن يتم خلال هذه الفترة، العمل على إعادة هيكلة كافة الوسائل التنظيمية، زيادة نسبة السكن، تخفيف القيود الخاصة بالسكن في الشارع الأمريكي وغيره، والحصول على نسبة بناء أكثر بكثير مما تم الحصول عليه، ومحاولة تجميد عرض الشارع الأمريكي لـ16 مترًا وإبقاؤه على هذا الحال.
تلك مطالب أهالي المكبر لبلدية الاحتلال، لكنّ المعضلة التي واجهتهم، عملية الهدم الذاتي “القسري”، بحسب بشير، وهذا الهدم كأن المرء يقطع كفه بكفه، يقول المقدسي بشير.
عشائر عرب السواحرة ومؤسسات جبل المكبر أصدرت قرارًا بالإجماع برفض الهدم الذاتي، ضمن ميثاق ملزم وعهد قاطع لا رجعة عنه، وعليه تم الإعلان بشكل رسمي: “لن نهدم بيوتنا بأيدينا”.
وناشدت العشائر عموم القدس الالتزام بالميثاق ورفض الهدم القسري، مؤكدة على استمرار الحراك ضد هدم المنازل في القدس وضرورة اصطفاف كل المقدسيين على هذا النهج .
يقول بشير: “أطلقت العشائر ميثاقًا يجعل من الهدم الذاتي محرّمًا، ويُمنع منعًا باتًا أن يقوم بذلك أي مقدسي، وعلى الاحتلال أن يشعر بأن عملية الهدم التي يقوم بها في المكبر وكافة بلدات القدس صعبة وليست سهلة بمجرد اتصال وتهديد، ولن نهدم منازلنا بأيدينا”.
“ندرك الثمن الباهظ وتبعات الأمر، مع ذلك تبنينا الفكرة على أن يتم تعميمها على باقي البلدات المقدسية لرفض الهدم الذاتي”، يبين المقدسي بشير المُعرض منزله للهدم.
وجّه بشير رسالة إلى المؤسسة الرسمية الفلسطينية التي قال إنها تركت المقدسيين في معركتهم هذه وحدهم، مُطالبًا السلطة الفلسطينية بأن تأخذ دورها في كل ما يتعلّق بعملية رفض الهدم، وتحمل تبعات أي مخالفة مالية، أليست هي التي تدعو إلى تعزيز صمود المقدسيين؟”.