لماذا ينشط المستعربون بكثافة في القدس؟
القدس المحتلة - القسطل: انتهى الحدث في مخيم قلنديا شمال القدس صباح اليوم بـستة إصابات في صفوف قوات الاحتلال الخاصة وأربعة فلسطينيين، وباختلاف طبيعة الأدوات التي استخدمها الطرفان؛ يمكن التنبؤ وتفسير وجود إصابات خطيرة في صفوف الشبان، فيما نقل بعض عناصر القوات الخاصة للمستشفيات وآخرون تم علاجهم في المكان. لكن النقاش لم يتوقف حتى اللحظة عن أولوية روايتنا في حالة كهذه، تصدير خبر إصابات الاحتلال أم الشبان؟.
المستعربون أداة من أدوات الاحتلال لإحكام السيطرة الأمنية والنفسية على المقدسيين. يروّج لهم الإعلام "الإسرائيلي" كأبطال يواجهون توترا لا نهائيا في القدس، وفي السردية "الإسرائيلية" عن عملهم في المدينة، تشتبك معاني الأسطرة مع صور الأطفال والشبان، الذين يدافعون فيه عن هويتهم وحقيقتهم المقدسية في مواجهة مناخ الرعب.
يكشف تقرير "إسرائيلي" نُشر في 2015 تحت عنوان "رجال الظل" عن عمل "المستعربين" في القدس، زوايا يمكن الانطلاق منها لتفسير كثافة نشاطهم في المدينة إلى جانب أسباب موضوعية وأخرى أمنية نفسية. يقول أحد عناصر وحدة "المستعربين" في إفادته المنشورة في التقرير المذكور: "إن مجال عملنا في القدس، لكننا ننشط أحيانا في خارجها، في البيرة على سبيل المثال". وتنسجم إفادة المستعرب مع السيرة الذاتية لوحدة "المستعربين"، التي تعرف نفسها على أنها وحدة النخبة في حرس الحدود التابعة لشرطة الاحتلال، ومهمتها محاربة "الإرهاب" وقد شاركت في عمليات خارج نطاق القدس، في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويرجع الوجود المكثف للمستعربين في القدس لعدة أسباب، أهمها: وجود عدد كبير من مراكزهم في المدينة، وذلك لأن العمل في هذه الوحدات يتطلب الاطلاع على الثقافة الفلسطينية اليومية بشكل كبير، وفي ضوء أن المدينة فيها أماكن دينية للمسلمين والمسيحيين، وكذلك مكوّن فلسطيني حيّ، فإنها تعتبر مكانا لتدريب "المستعربين" وتأهيلهم ثقافيا ونفسيا للتعامل مع الفلسطينيين.
كما أن كثافة المؤسسات الأمنية والسياسية "الإسرائيلية" في القدس، ووجود مراكز حساسة، يحتّم على الاحتلال تكثيف الوجود الأمني في المدينة، في ضوء وجود المكوّن الفلسطيني المعادي، ولأن دولة الاحتلال تنتمي لفلك الدول التي لا ينشط الجيش في مراكز مدنها وعلى وجه الخصوص عواصمها (الدول الغربية)، إذ أن مهمة الجيش في هذه الدول منحصرة فقط في الأخطار الخارجية، يحاول الاحتلال الاستعاضة عن الجيش بعناصر أمنية مدربة تدريبا كثيفا وتمتلك مهارات قتالية عالية.
وأيضا تعد الخصوصية القانونية للمقدسيين أحد الأسباب التي تدفع الاحتلال باتجاه تنشيط عمل "المستعربين" في المدينة، ففي حين يخضع سكان الأرض المحتلة للقانون العسكري الذي يطبقه الجيش، ومن منطق عدم الاعتراف باحتلال القدس، يوكل الاحتلال للشرطة ووحداتها مهمة التعامل مع "المواطنين" و"المقيمين" حفاظا على نظريته القانونية الخاصة في المدينة، ولكي يضفي صفة "الإرهاب" على مقاومة المقدسيين الشعبية، يستخدم وحدات "المستعربين" (تعرّف نفسها على أنها وحدة لمحاربة الإرهاب) لاعتقال المقدسيين وقمعهم وترويعهم.
البعد النفسي لاستخدام "المستعربين"، يتلخص في منطق المباغتة والمفاجئة وتحقيق الصدمة وهي معانٍ أمنية تقليدية لاستخدام الوحدات الخاصة، وهذا النوع من الاستخدام يترك أثرا على المفعول به والمتلقي، فتأثير الاعتقال لا ينحصر في المعتقل نفسه، بل يتوزع أفقيا بتفاعلات مختلفة تخلق نوعا من الردع من خلال مراكمة المعلومات والصور.
إن أولوية الرواية التي أشير إليها سابقا، لا يمكن أن تكون معزولة عن أهداف الاحتلال في استخدام "المستعربين" بكثافة في المدينة المقدسة وضواحيها وبلداتها ومخيماتها، فهذه الأداة الأكثر قهرا للمقدسيين تُقهر عند مواجهتهم، ثم يكون استدعاء لقوات إضافية بعد نفاذ إرادة "المستعربين" أمام إرادة وشجاعة الأطفال والشبان المقدسيين، كما في نموذج قلنديا اليوم، فيلجأ الاحتلال لترميم هيبة قواته باغتيال شاب أعزل على حاجز قلنديا.
. . .