"عهد الأقصى" .. تعهّدٌ خطيٌّ بوصل المسجد الأقصى وعدمَ تركه وحيدًا
القدس المحتلة - القسطل: بطاقة ممغنطة وُزّعت خلال شهر رمضان الفضيل في باحات المسجد الأقصى، حملت البطاقة تعهّدًا بعدم ترك المسجد وحيدًا، على أن تتم زيارته بشكل ثابت ودوري، قد يكون كل يوم، أو كل أسبوع، أو كل شهر.
شبان فلسطينيون كان لهم شرف نُصرة المسجد الأقصى من خلال مبادرةٍ أطلقوا عليها “عهد الأقصى”، عبر توزيع بطاقة تحمل تعهّدًا خطيًا على زيارة المسجد الأقصى كل فترة يُحدّدها صاحب البطاقة حسب استطاعته.
الشاب محمد غازي مصالحة (25 عامًا) من قرية الرينة في الداخل المحتل، يُحدّث ”القسطل” عن المبادرة التي لاقت إعجاب جميع من حصل على هذه البطاقة، فكانت خطوة لها أثرًا عظيمًا في وجه مخططات الاحتلال نحو الأقصى.
يبين مصالحة أن فكرة التعهّد بزيارة المسجد الأقصى ليست جديدة، خاصة التعهّد الكلامي الذي كان يتم في المسجد ويردده المصلون بعد صلوات الفجر والجمع، أما كتابيًا قال: “قبل 8 سنوات، كنت في معسكر شبابي، وُزّعت فيه بطاقة على المشاركين فيه، تتضمن تعهدًا لوصل المسجد الأقصى، لكنها كانت على نطاق ضيق جدًا”.
“ومع تصاعد الانتهاكات في القدس، وتدنيس الأقصى والاقتحامات، ومحاولة طمس الوعي بأهمية المسجد للمسلمين والفلسطينيين، كان لا بد لي كشابّ مسلم فلسطيني أسكن هذه الأرض، وغيري الكثير من الشبّان، أن نفكر في نصرة المسجد الأقصى، وكيف سيكون دورنا في ذلك”، يقول مصالحة.
ويوضح أن هذا الدور يتمثّل في المبادرات الشبابية، حيث تم عرض فكرة البطاقة على أصدقائه الذين أثنوا عليها، ثم مناقشة المرحلة التالية من خلال جمع التبرعات لإعدادها وطباعتها وتوزيعها على أكبر شريحة وعدد ممكن من المصلين.
أفكار شبابية ومجهود جماعي يُحتذى به، والجميل في هذه المبادرة، أن المتبرّعين كانوا من فئة الشبان الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 إلى 30 عامًا، لا يجمعهم سوى همّ الأقصى، وحبه، ونصرته.
"الأعداد التي نراها في شهر رمضان.. نأمل رؤيتها قبله وبعده.. "
أصعب اللحظات إيلامًا بالنسبة للقدس والأقصى هي آخر ليالي رمضان، ما بعد انتهاء ليلة القدر، حيث يعود المسجد وحيدًا، إلّا من قلّة تُرابط فيه بشكل يومي.
يشير مصالحة إلى أن "أساس الفكرة أن لا نترك الأقصى وحيدًا، والأعداد التي نراها في شهر رمضان، نأمل رؤيتها قبله وبعده، وأكثر لحظة مؤلمة كانت بالنسبة لي، في آخر يوم تراويح برمضان، كنت أنا وصديقي خارجين من الأقصى بعد اعتكاف دام عدّة أيام، سمعنا رجلًا مقدسيًا كبيرًا في السن يقول: “هلا الأقصى رح يرجع وحيد”.
فالمبادرة جاءت من أجل هذه النقطة بالتحديد، بحسب مصالحة، وصل الأقصى وإعماره وشد الرحال إليه بتعهّد خطيّ، وكأنك توقّع على معاهدة وتُلزم نفسَك بها.
ردود فعل جميلة وداعمة
تم البدء بتوزيع البطاقات على المصلين في المسجد الأقصى خلال رمضان، مع شرح بسيط حول هذه المبادرة التي لاقت إعجابًا كبيرًا ودعمًا أكبر.
يقول مصالحة لـ”القسطل”: “كنا نحدّث الناس عن المبادرة، فيسعدون بها، ويقولون “صحيح.. يجب أن نزور الأقصى باستمرار.. فعلًا هذا هو الواجب”، فكان إقبالهم كالمتشوّق والمحتاج لمثل هذه المبادرة”.
ويضيف: “مررنا بمواقف عديدة، كان أصعبها أهلنا في الضفة المحتلة، الذين يعانون بشكل كبير من إجراءات الاحتلال ومنعهم من الوصول للقدس والصلاة في المسجد الأقصى عبر نصب حواجز عديدة، هؤلاء هم أكثر الناس شوقًا لمسجدهم”.
ويحدّثنا مصالحة عن هؤلاء الشبان الذين يتعطّشون للتواجد باستمرار في المسجد وليس فقط في شهر رمضان، ولكن الاحتلال يمنعهم من ذلك، فيحاولون ما استطاعوا الاعتكاف طيلة أيام الشهر الفضيل.
ما الذي نحتاجه فيما بعد؟
عادة، ما تحتاج الأفكار الشبابية إلى الدعم، ليس فقط المادي، بل المعنوي بشكل أكبر، فهو القوّة التي تشجعهم على المضي قدمًا في أي فكرة قادمة نصرة للقدس والمسجد الأقصى.
يبين مصالحة أن الشبان يأملون دومًا من الناس أن يدعموا مبادراتهم، لأن لديهم أفكارًا عديدة، وهمّهم على المسجد الأقصى والأرض وكيفية تحريرها، وفي جعبتهم الكثير الكثير، ولعلّ هذه المبادرة أبسطها، كما يقول.
ويضيف: “نطلب من الناس الدعم المعنوي، والإيمان بالشباب وقدراتهم، لأن هذا يمدّهم بالطاقة القادرة فعلاً على ثني الحديد، إضافة إلى الدعم الإعلامي”.
هذه المبادرة نُشرت وتم تعميمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال وسم “عهد الأقصى”، لتعريف أكبر عدد ممكن من الناس عنها، وبذلك تحقق هدفها في وصل المسجد الأقصى.
يقول مصالحة في ختام حديثه، إن أجمل ما قد يمد أصحاب هذه المبادرة بالقوّة والطاقة، هو رؤية من حصل على البطاقة وتعهّد بزيارة الأقصى كل أسبوع مثلًا، ثم بدأ بالالتزام به، من خلال تصوير البطاقة والنشر على الوسم، وكتابة “الأسبوع الأول .. الأسبوع الثاني..”، فيالسعادتنا بمثل هؤلاء الناس”.
ويضيف “كما سعدنا كثيرًا بحجز العشرات من البطاقات للفلسطينيين الذين يشدون الرحال للمسجد الأقصى من الداخل المحتل عبر الحافلات بشكل دوري.
سيتم توزيع البطاقات قريبًا على عدد من المحال التجارية والأسواق في محيط المسجد الأقصى، والبلدة القديمة، وعدد من بلدات الداخل المحتل، مع قاعدة توضيحية فيها شرح كامل للمبادرة، ولنتعهّد على وصل الأقصى ما حيينا وما استطعنا.