مُبعدون ولكن .. !

مُبعدون ولكن .. !

رغم أنهم يُبعدون عن المكان، إلّا أنهم لا يتركونه، بل يُحاولون الوصول إلى أقرب نقطة تُشعرهم بأنهم على مقربة من مكان عشقوه كثيرًا منذ طفولتهم، بل زرعوا ذاك الحب في نفوس أولادهم أيضًا.

رغم قساوة الإبعاد، والخرائط التي تُرفق مع كل قرار ومنع من دخول ممرات، وحارات، وطرق توصل للمسجد الأقصى والبلدة القديمة، إلّا أنهم يتجذّرون أكثر في هذا المكان. سلطات الاحتلال ومنذ سنوات تحاول أن تُبعد أكبر عدد من المصلين، وفعليًا هي لا تُبعد شخصيات عشوائية، بل تُبعد من يتواجد في المسجد الأقصى بشكل دائم، قد لا تسمع اسمه عبر أي وسيلة إعلامية، لكنه يُثبت حضوره يوميًا من خلال هويته التي تُصادَر من قبل الاحتلال عند الأبواب قبل دخوله، ثم يتسلّم ورقة ملونة عوضًا عنها، فتعرف بذلك شرطة الاحتلال مَن يُرابط في مسجده ومتى وإلى متى أيضًا.

تلك السياسة التي يعرف الجميع أنها ضمن مخططات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، يُحاول المقدسيون كسر حواجزها كلٌّ بطريقته، فالبعض يُرابط عند الممر الذي لا يُمنع ضمن القرار من التواجد فيه، مع ذلك، تجده إن وقف ليصلي، أحاطه جنديان إسرائيليان وكأنه ينوي القيام بأمر سيمس أمن “دولتهم”!.

وآخرون يصلّون عند باب الأسباط، الباب الذي شهد الهبّة العظيمة “هبّة البوّابات” برفقة عدد من المُبعدين، وهو أيضًا تحت أعين شرطة الاحتلال وكاميرات المراقبة!.

أحيانًا، يتم إبعاد المقدسيين عن أجزاء من البلدة القديمة، فيلجأون لمطلّاتها الساحرة، فلمجرّد تواجدك فيها، تشعر كأنك في الجنة، فالمسجد الأقصى بكامله أمامك، وروحك تحلّق في باحاته، والمنغّص الوحيد هو عدم قدرتك على دخولك والصلاة فيه.

من المبعدين من حوّلوا فترة إبعادهم إلى فقرات لإثراء المشاهدين والمتابعين لهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي كافة حول معالم القدس والمسجد الأقصى والبلدة القديمة، سواء على فيسبوك، انستغرام، تويتر..وغيرها، من خلال التجول في عدة أماكن وتقديم شروحات بسيطة أو تفصيلية حولها من ناحية تاريخية أو دينية.

الإبعاد لا يستهدف أهل القدس فقط، وإنما أيضًا أهل الداخل الفلسطيني المحتل، فالكثير منهم أبعده الاحتلال عن الأقصى، لكنه ما زال يشد الرحال للقدس كلّما سنحت له الفرصة، ورغم كل التضييقات يقف عند عتبات المسجد، يصلي، يرتّل القرآن، ويُقيم كامل عباداته، لا يأبه بذاك الشرطي الذي حرمه دخول مسجده وحمى مستوطنًا دخيلًا يتجوّل فيه.

الإبعاد عزّز مفهوم الصمود لدى الفلسطينيين عامة، والمقدسيين خاصة، وتحويل القرار الموجع للقلب والنّفْس إلى ثبات على الحق، وعدم الرضوخ والخنوع لقرارات وإملاءات الاحتلال، وكثيرون من كسروا فعليًا قرار الإبعاد ودخلوا المسجد لكنهم اعتُقلوا وتم تجديد قرار إبعادهم، وآخرون ما زالت أعين المُحتل عنهم غائبة.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: