الجالية الأفريقية في القدس.. مقدسيو الهوية حد الفرح والنضال

الجالية الأفريقية في القدس.. مقدسيو الهوية حد الفرح والنضال
جمعية الجالية الافريقية في القدس المحتلة

القدس المحتلة-القسطل: انتشر مؤخرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو لمقدسيين من الجالية الأفريقية يرقصون على أنغام إحدى الأغاني السودانية الشعبية، احتفالا بخروج الأسير محمد الفيراوي من سجون الاحتلال الاسرائيلي. مشهد يدلل على طبيعة الانتماء الحقيقي لهذه الجالية لمدينة القدس، التي هي مدينتهم وهويتهم الوطنية. 

من أين جاءت الجالية؟ 

بدأ التواجد التاريخي لهذه الجالية في مدينة القدس مع الحملة الشهيرة لمحمد علي باشا الكبير والي مصر في أواخر عهد الدولة العثمانية على فلسطين، حيث تواجد غالبيتهم بالقرب من باب المجلس وهو الباب الواقع إلى الجدار الغربي للمسجد الأقصى، وسميت حاراتهم وأزقتهم بـ"حبس العبيد" في رباطين الأول رباط علاء الدين البصير والرباط المنصوري وسميت بهذا الاسم كونها كانت تستخدم كسجن زمن العثمانيين، ثم امتد تواجدهم بعد ذلك في فترات متعاقبة حتى الانتداب البريطاني لمدينة القدس، الذين قدم جزء منهم مع جيش الإنقاذ العربي المشكل من اللجنة العسكرية للجامعة العربية، حيث ضم متطوعين ومقاتلين من مختلف البلدان العربية والإسلامية.

وفي الوقت الحالي تضم هذه الجالية ما يقارب 50 عائلة، حيث يبلغ عددهم ما يقارب 750 فردا ما زالوا يعيشون بالقرب من باب المجلس بحسب إحصاءات جمعية الجالية الأفريقية في القدس لعام 2020، حيث كان عددهم أكثر من ذلك لكنه تضاءل بشكل كبير عقب نكسة حزيران 1967.

وتعود أصول هذه العوائل إلى أربع دول أفريقية وهي تشاد، نيجيريا، السينيغال والسودان، كما أن هناك آخرين من أبناء هذه الجالية في مدن فلسطينية أخرى مثل رام الله وأريحا وغزة.

مقاومون لهم سبق نضالي 

وعلى الرغم من دكانة بشرتهم السوداء وملامحهم الأفريقية، إلا أن لهجتهم وكلماتهم فلسطينية مقدسية حيث يشاركون أهل المدينة الكثير من عاداتهم وتقاليدهم ولهم تاريخ نضالي حافل في فلسطين عموما والقدس عموماً، حيث كان أول شهيد مقدسي أفريقي هو الحاج عثمان التكروري، الذي ارتقى وهو يدافع عن مفتي القدس أمين الحسيني أثناء اعتقاله داخل المسجد الأقصى من قبل  قوات الانتداب البريطاني. 

من أشهر الشخصيات في الجالية الأفريقية  في القدس، فاطمة برناوي، التي اشتهرت بزرع عبوة ناسفة في سينما صهيون بالقدس عام 1968.  وصلت إلى السينما مع أختها ووضعت الأمتعة تحت أحد الكراسي في الصالة، ولكن تم اكتشاف القنبلة في وقت مبكر.  واعتقلت فاطمة وحكم عليها بالسجن المؤبد، وأصبحت أول أسيرة فلسطينية في السجون الإسرائيلية. أطلق سراحها بعد عشر سنوات في صفقة تبادل وجرى إبعادها، وعادت إلى فلسطين بعد اتفاقيات أوسلو.  أصبحت فيما بعد مؤسسة الشرطة النسائية الفلسطينية في السلطة الفلسطينية، وعلي جدة أيضاً من أبناء هذه الجالية شارك في عملية فدائية من خلال زرع أربع قنابل يدوية في شارع شتراوس في مدينة القدس خلال عام 1968، أدت إلى مقتل 9 إسرائيليين، حيث حكم عليه بالسجن لـ17 عاماً ثم عمل بعد ذلك كمرشد سياحي داخل البلدة القديمة في مدينة القدس. 

وبحسب إحصاءات نادي الأسير الفلسطيني فإن حوالي 80% من أبناء الجالية الافريقية في القدس تعرضوا للاعتقال من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي على الأقل لمرة واحدة.  

وكانت أسباب مجيئهم إلى فلسطين تعود إلى سببين أساسيين، الأول ديني لقضاء مناسك الحج المقدسي بعد إتمام الحج في مكة المكرمة والمدينة المنورة وبذلك يكونوا أتموا الحج إلى المساجد الأولى في الإسلام بحسب الشريعة الإسلامية، والسبب الثاني يتعلق بالجهاد حيث لعبت هذه الجالية دوراً مهماً في الدفاع عن الأراضي المحتلة منذ زمن الانتداب البريطاني وخاضوا العديد من المعارك منها معركة جبل المكبر التي كان قائدها محمد طارق الأفريقي، الذي قاتل إلى جانب القوات الفلسطينية والأردنية لإنقاذ جبل المكبر وما حوله من الإحتلال الإسرائيلي في سنة النكبة 1948.

وحول أوضاعهم المعيشية، فإن نسبة كبيرة من أبناء هذه الجالية تعيش الفقر الشديد إلى جانب مساكنهم الضيقة جداً داخل البلدة القديمة التي غالباً ما تكون مفتقرة للتهوية ودخول الشمس إليها وانعدام الخصوصية نتيجة تلاصق البيوت بجانب بعضها، حالهم كحال باقي أهالي البلدة القديمة في القدس، كما أشتهروا في عملهم كحراس للمسجد الأقصى نظراً لتواجدهم بالقرب من باب المجلس.

الاحتلال يلاحق لونهم

في أكتوبر الماضي انطلقت حملة تضامن مع الزميلة الصحفية في القسطل نسرين سالم بعد أن تهجم عليها أحد جنود الاحتلال خلال اعتقالها ووصفها بـ"العبدة". 

على إثر ذلك تضامن الفلسطينيون بشكل عام والمقدسيون على وجه التحديد مع الزميلة الصحفية نسرين، معبرين عن رفضهم للألفاظ العنصرية التي تتعلق بلون بشرتها.

وما جرى مع الزميلة نسرين سالم ليس حدثا استثنائيا، فالمقدسيون من الجالية الأفريقية يتعرضون بشكل مستمر إلى مثل هذه المواقف العنصرية، وهي عنصرية لأنها ترتكز على لون البشرية أحيانا، أما في إطارها الأوسع فهي استعمارية تأتي في سياق استهداف الاحتلال لكل ما هو غير يهودي في القدس.

 

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: