"دير أبينا إبراهيم".. تاريخ الفقراء في القدس
القدس المحتلة-القسطل: في أزقة مدينة القدس كما جرت عادتها على مدار التاريخ باحتضان الثقافات والحضارات، يتواجد منذ مئات السنين بيت الفقراء "دير أبينا إبراهيم"، ليضم بين جنباته المسلمين والمسيحيين على حد سواء في إحدى أبهى صور مدينة القدس العريقة.
يقع دير أبينا إبراهيم في ساحة كنيسة القيامة في حارة النصارى داخل أسوار البلدة القديمة، تم بناؤه في العهد الروماني في فلسطين التاريخية، وكانت قد أنشأته الملكة هيلانة في عام 335 ق.م، لكن مع احتلال الفرس لمدينة القدس في عام 614 هدموه و بقي على حاله إلى أن تولته روسيا من العثمانيين في زمن الدولة العثمانية.
بنى الروس على قسم منه ديرًا لهم وأعطوا قسمه الآخر إلى الروم الأرثوذكس وبنوا فيه الدير الموجود الآن باسم أبينا إبراهيم، ليضم الدير الآن كنيستين إحداهما صغيرة على اسم الدير وأخرى أكبر تُسمى كنيسة الرسل الإثني عشر، وتم تأجير جزء منه إلى إحدى العائلات الفلسطينية حولته إلى فندق يسمى فندق كلريج.
وفي عام 1964، عاد عمل الدير بصورة أكثف بعد ما أسس جان رودهان، الكاهن الكاثوليكي لجماعة المعونة الكاثوليكية" كاريتاس فرنسا"، بعد الحرب العالمية الثانية، جمعية بيت ابراهيم وبطلب من البابا بولس السادس، حيث يقع مركز المؤسسة الجديد في دير سابق لرهبانية البنديكتان في حي رأس العامود، أحد أحياء قرية سلوان في شرق القدس، وهي التي تدير دير "أبينا إبراهيم" بكافة أنشطته وفعاليته.
ويعتبر هذا الدير ذو أهمية خاصة، كونه يستوعب الحجّاج والزوار المحتاجين، من جميع الأديان، لكن يقدم الدير اهتمام خاص بالفقراء، من خلال تقديم لهم فرص للمجيء إلى القدس.
يقدم الدير العديد من الأنشطة والفعاليات في كافة المستويات ضمن أهداف الجمعية التي تديره، منها فعاليات ذات طابع ثقافي واجتماعي مثل إقامة إفطارات رمضانية تجمع بين المسلمين والمسيحيين في شهر رمضان المبارك، إلى جانب أن
أن زوار البيت هم جزء من نشاطاته، يطلق عليهم تسمية رحلة الأمل لجمعية النجدة الكاثوليكية، وهذا المشروع مفتوح لجميع الأشخاص من كافة الديانات والطائفين الراغبين بزيارة إلى مدينة القدس من خلال معايشة وتقاسم الوقت مع سكان مدينة القدس الأصليين واللقاءات مع مجموعات أخرى، كما يستضيف البيت دورات تدريبية للعاملين في جمعيات المجتمع المدني في القدس مثل النجدة الكاثوليكية وكاريتاس.
ويعتبر دير أبينا إبراهيم من ضمن 95 كنيسة ودير مسيحي في مدينة القدس، من ضمنها كنيسة القيامة التي تعتبر من أقدس المقدسات لدى الطائفة المسيحية حول العالم، لتدلل على عمق الوجود المسيحي في القدس الذي يمتد لآلاف السنين، حيث تنقسم هذه الكنائس في إدارتها ما بين الكنائس الشرقية مثل بطريركية الأرمن الأرثذوكسية، بطريركية الروم الأرثذوكسية، والكنيسة الروسية وكنيسة الكرج، وكنائس غربية مثل الكنيسة اللاتينية والروم الكاثوليك والإرساليات الألمانية.
لكن العديد من هذه الكنائس والأديرة لم تسلم من محاولات الاحتلال لتهويدها وتغيير طابعها حيث كان آخرها بعد الإعلان عن الاستيلاء على الكنيسة البطريركية الارثذوكسية اليونانية وهي من أكبر الكنائس في مدينة القدس من حيث عدد رعيتها وأملاكها وأوقافها، وكذلك تهويد قلعة القدس، حيث تم تغيير اسمها لقلعة داود، كما أن الاحتلال الاسرائيلي لعب دورا كبيرا في هجرة وتهجير مسيحي مدينة القدس بعد أن كان وجودك يمثل 13% من إجمالي سكان مدينة القدس، لتصبح الآن نسبتهم أقل من 2%.