من يُنقذ القدس والمقدسيين..؟
صباحات المقدسيين تختلف عن أي صباحات أخرى، فهم يواجهون الاحتلال بكل مظاهره الأمنية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، وهذا الاحتلال الذي يحاول أن يتمدد على جغرافيتهم ويحتل حيزهم المكاني ويلغي وجودهم في مدينتهم ويقصيه، في حرب تدورعلى السيادة والوجود يستخدم فيها المحتل كل أجهزته الأمنية والمدنية...ويحارب المقدسيين في أدق تفاصيل حياتهم اقتصادية واجتماعيةويضخ الأموال بالملايين والمليارات لـ"صهر" و"تطويع" و"تجريف" وعيهم.
المقدسيون يقفون وحيدين في ساحة المواجهة بعيداً عن التنظير والشعارات الكبرى فلسطينية وعربية، المقدسيون متسلحون بالإرادة والأملولكن هذا لا يكفي، بل عليهم اجتراح طرق وآليات تمكنهم من الصمود ومواجهة مخططات طردهم وتهجيرهم ونفي وجودهم، فالمبادراتالشعبية بجمع التبرعات لمساعدة المتضررين من عمليات هدم منازلهم بواسطة جرافات وبلدوزرات الاحتلال خطوة جيدة بحاجة للتعميم وكذلكالتكافل والتضامن الاجتماعي يجب تعميقه وتفعيله بشكل أوسع وأشمل.
الاحتلال يعمل على تنفيذ خطة تسير في مسارين متوازيين، هدم منازل المقدسيين، وتكثيف الاستيطان و"تسمين" المستوطنات القائمة،وعلينا فقط أن نذكر بأن شهر شباط على الرغم من قصره لكنه شهد تكثيفًا في عمليات القمع والتنكيل بحق المقدسيين، حيث بلغ عددالمقتحمين للمسجد الأقصى من الجماعات التلمودية والتوراتية 2122 مقتحمًا، ما يقارب ثلاثة أضعاف المقتحمين في كانون ثاني الماضي،وسجلت 134 حالة اعتقال في القدس، وعملية إبعاد واحدة عن القدس، و21 عملية إبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة.وكذلك جرى هدم 15 بيت ومنشأة في مدينة القدس وضواحيها.
عمليات الهدم والإخطارات بالهدم لا تتوقف وعلى مدار الساعة، مترافقة مع الاستيطان. فهناك مخططات تسريع المشاريع لتوسعةالمستوطنات في شمال المدينة وجنوبها، والترويج لخطة استراتيجية لتعزيز مستوطنات "بسجات زئيف" و"رمات شلومو" في شمال المدينة،و"جيلو" و"جفعات همتوس" في جنوبها.
وتقدر تكلفة تنفيذ الخطة بنحو 400 مليون شيكل في مستوطنة "بسغات زئيف". وحسب لجنة التخطيط والبناء في بلدية الاحتلال، سيتم بناءنحو 930 وحدة سكنية إضافية في المستوطنة، كجزء من الخطة على أن يبنى فيها 680 وحدة سكنية، وحوالي 250 وحدة سكنية فاخرة.
وأشارت إلى أنه سيتم تطوير نظام المواصلات بتكلفة تزيد عن 277 مليون شيكل، للتخفيف من حركة المرور بين مستوطنة "بنيامين" خلفجدار الفصل، و"بسغات زئيف".
ويشمل المخطط إنشاء كورنيش وتطوير الشوارع، بحوالي 52 مليون شيكل، وإنشاء حديقة طبيعية حضرية، لمستوطنة ״بسغات زئيف״ ومدينةالقدس. إضافة لبناء مكتبة مجتمعية ومتنزه للمشاة على طول شارع القوات الجوية، وبناء Sportek في قطعة أرض رقم 70 وملاعب، وملاعبلكرة السلة، ومجمع مرافق للياقة البدنية والنينجا.
وحسب الخطة فإنه سيتم أيضًا إنشاء أطر غير رسمية في مجالات مختلفة مثل: فنون الأداء، والاستوديو والصوت، جنبًا إلى جنب معالتكنولوجيا وريادة الأعمال للشباب.
وتحت مسمى "أنشطة للشباب" رصدت البلدية الإسرائيلية مليون شيكل، لإنشاء قريتين طلابيتين أخريين "لخلق تجربة طلابية ولجذبالشباب".
والمسألة ليست وقفاً على هدم المنازل والاستيطان، بل نشهد عمليات تطهير عرقي ترتقي إلى جرائم حرب في حي بطن الهوى في سلوانوكرم المفتي في الشيخ جراح، حيث مخاطر الطرد والتهجير تهدد أكثر من 80 عائلة مقدسية هناك، و19 عائلة في "كرم الجاعوني" بحيالشيخ جراح، والتي جرى إمهال أصحابها حتى الثاني من شهر أيار القادم، لكي تُخلي بيوتها لصالح المستوطنين، تحت حجج وذرائع بأنالأرض هي ملك لليهود.
ولعل المقدسيين لا تكفيهم مشاريع الطرد والتهجير، خاصة في منطقة الشيخ جراح، والمستهدفة ليس فقط تهويد المنطقة، بل خلق حزاماستيطاني يعزل شمال المدينة عن مركزها، فبالسيطرة على كرم المفتي ومنطقة ما يسمى بقبر الصديق شمعون يتواصل الاستيطان معالوحدات الاستيطانية المقامة على أنقاض بيت المفتي السابق الحاج أمين الحسيني، وقصره الذي سيجري تحويله إلى كنيس يهودي، ويتجهالاستيطان نحو مبنى ما يسمى بداخلية الاحتلال في واد الجوز، المستهدف بمشروع "وادي السيلكون" الذي يضمن هدم وترحيل أكثر من200 ورشة صناعية وتجارية وإقامة فنادق بدلاً منها وصناعات دقيقة ومتطورة في "الهايتك" وغيرها.
وهذا يضرب ويكون بديلًا للحركة السياحية والتجارية والاقتصادية في مركز مدينة القدس وبالذات بلدتها القديمة، ومن الجهة الغربية سيمتدالحزام الاستيطاني نحو معسكر حرس الحدود وكبانية أم هارون المستهدفة سكانها بالطرد والإخلاء والتهجير القصري ومن ثم يربط الحزاممع شارع رقم واحد وغربي المدينة.
وعلى الجبهة الأخرى الموازية لجبهة هدم المنازل وتكثيف الاستيطان والتهويد، يعمل المحتل على تحطيم واختراق جدار الوعي لأبناء مدينةالقدس وبالذات الفئات الحية منهم، الفئات الشابة، عبر مؤسسات متخصصة بذلك، تغسل أدمغتهم وتغير قناعاتهم وتسيطر على ذاكرتهمالجمعية، وتغرس في أذهانهم روايتها التلمودية والتوراتية بدل الرواية العربية الفلسطينية.
فالتعليم يجري أسرلته عبر إحلال المنهاج التعليمي الإسرائيلي بدل المنهاج الفلسطيني، وإحلال المراكز الجماهيرية بدل الأندية والمؤسساتالشبابية الفلسطينية، وبما يضمن "كي" و"صهر" و"تطويع" و"تجريف" وعي أبنائنا، والذين ستتولد عندهم صراعات داخلية حول مشروعيةنضالاتهم وحقوقهم، وصدق روايتهم، وهنا الخطر الداهم والجدي في خلق المقدسي الجديد المفرغ من انتمائه الوطني والمشوه الفكروالقناعات، والمبتعد عن خوض معارك الدفاع عن حقوقه ووجوده وروايته وتاريخه وكل تجليات وجوده.
حماية وإنقاذ القدس والمقدسيين وتعزيز صمودهم وبقائهم في قدسهم وعلى أرضهم، لا يكون أبداً عبر الشعارات الفارغة وترداد الإسطواناتالمشروخة "القدس خط أحمر" و"القدس عاصمتنا الأبدية"، نحن نحتاج إلى فعل حقيقي يترجم مثل هذه الشعارات، أبعد من الجانب المعنويوالسياسي، نحتاج إلى أن تكون القدس حاضرة في كل عمل هيئات ومؤسسات المنظمة والسلطة، نحتاج إلى خطة ممنهجة تدعم صمودوبقاء المقدسيين، وبالذات في قطاعات التعليم والإسكان والصحة والقطاع التجاري.
نحتاج إلى دبلوماسية فلسطينية فاعلة تعيد بوصلة العرب والمسلمين نحو القدس، نحتاج إلى قيادات ومرجعيات منخرطة في العمل وتعبر عننبض الشارع المقدسي وملتحمة مع همومه وآلامه، نحتاج إلى بتر أيدي المرتزقة والفاسدين ممن يتسولون باسم القدس ويسيئون للقدسوالمقدسيين، نحتاج إلى من يزرع الأمل ويشحذ الهمم في نفوس الشباب بأن الاحتلال طال الزمن أو قصر إلى زوال.