معركة القدس تشتد.. ولا عودة لـ"أوسلو" في الانتخابات التشريعية

معركة القدس تشتد.. ولا عودة لـ"أوسلو" في الانتخابات التشريعية

من الواضح بأن الحرب الشاملة على المقدسيين تشتد وتتسع، والهدف واضح، تغيير واقعها الجغرافي والديمغرافي لصالح المستوطنين وكذلك تغيير مشهدها الكلي من مشهد عربي إسلامي إلى مشهد يهودي تلمودي توراتي، والمحتل لا يترك فرصة أو فسحة من الوقت إلا ويستغلها لتحقيق هذه الأهداف عبر إستراتيجيات شاملة تقوم على تهويد الأرض وطرد وترحيل السكان العرب المقدسيين، وزرع البؤر الاستيطانية والمستوطنين مكانهم، وبموازاة ذلك إستراتيجية أخرى تقوم على هدم المنازل بشكل غير مسبوق استناداً إلى ما يسمى بقانون "كامينتس"؛ لتسريع هدم المنازل في القدس المحتلة والداخل الفلسطيني.

المحتل يجند كل طاقاته وإمكانياته ومستوياته وأجهزته مدنية وأمنية لتنفيذ مثل هذه المخططات ويرصد لها عشرات المليارات من الدولارات، فكل يوم يصحو المقدسي على مخططات ومشاريع تهويدية جديدة؛ لخلق أحزمة استيطانية تحول القرى والبلدات المقدسية إلى جزر متناثرة في محيط إسرائيلي واسع، وكذلك تفتيت تلك القرى والبلدات وعزلها عن بعضها البعض وبما يضعف من مناعتها ووحدتها الوطنية والمجتمعية، حيث نشهد حالياً مشروعاً لإقامة حدائق تلمودية توراتية ومسارات للمشي وللدراجات ومرافق رياضية وملاعب ومجمعات الإقامة المظللة ودورات مياه عامة ومقاهي وغيرها.

هذا المشروع الذي يحمل رقم "4339" يهدف لربط فندق شبرد بمبنى وزارة داخلية الاحتلال، واختيار هذا الموقع لإقامة المشروع على مساحة 30 دونماً يحمل أبعاداً رمزية وإستراتيجية، فهو سيقام في منطقة تحمل اسم "كرم المفتي"، المفتي السابق الحاج أمين الحسيني وكذلك يأتي موقعه في نقطة التقاء مرتفعة لسفوح جبل الشيخ جراح.

بإقامة هذا المشروع الهادف لفصل قرى شمال القدس؛ الشيخ جراح، شعفاط، وبيت حنينا عن قلب المدينة وإقامة حزام استيطاني يمتد من ما يسمى بـقبر الصديق شمعون بعد إخلاء عائلات "كرم الجاعوني" إلى "كرم المفتي"، فمبنى وزارة داخلية الاحتلال وقيادة شرطة الاحتلال شمال شرق المدينة، وليلتقي هذا المشروع مع مشروع "واد السيليكون" الهادف إلى تدمير وهدم 200 ورشة صناعية وتجارية في منطقة واد الجوز، وإقامة مصانع "هايتيك" وفنادق مكانها وأبنية سكنية على شكل أبراج.

في حين من الجهة الغربية سيتصل المشروع الاستيطاني مع أراضي "كبانية أم هارون" المهددة بالاستيلاء على بيوتها وطردهم وترحيلهم، وكذلك يتواصل مع معسكر لحرس الحدود في تلك المنطقة، ومن ثم يربط هذا المشروع بشارع رقم (1) ومستوطنات غرب المدينة.

كثيرة هي مخططات تهويد المدينة ولكن ما هو أخطر حالياً في انتقال دولة الاحتلال إلى خطوة أخرى على طريق التقسيم المكاني للمسجد الأقصى، والسيطرة على القسم الشرقي منه، والذي تبلغ مساحته طولياً ثلث مساحة المسجد الأقصى من منطقة مصلى باب الرحمة والتي يخطط لإقامة كنيس يهودي فيها، إلى باب الرحمة. فمقبرة باب الرحمة التي استولى الاحتلال على جزء منها من أجل إقامة حدائق ومسارات تلمودية وستكون فيها قواعد ضخمة لأعمدة خرسانية (14) عموداً بارتفاع 26 متراً بما يعلو عن سور القدس، بحيث يتمكن المحتل عبر ما يسمى بـ"التلفريك" -القطار الطائر- المار من تلك المنطقة من مراقبة كل ما يجري في المسجد الأقصى والتحكم فيه، وبالتالي تصبح منطقة باب الرحمة متصلة مع القصور الأموية ومنطقة حائط البراق.

وبعد تسريب البنايتين وقطعة الأرض في منطقة حارة سلوان الوسطى مؤخراً، بنايات عواد الرويضي ومصطفى أبو ذياب وأرض يوسف أبو صبيح، يجري ربط البؤر الاستيطانية المقامة على أرض سلوان مع البؤر الاستيطانية داخل البلدة القديمة من القدس، والنقلة النوعية لتنفيذ هذا المشروع وتغيير الواقع القانوني والتاريخي والديني للأقصى نشهد خطواته العملية التنفيذية مع بداية شهر رمضان المبارك.

فـمع أول يوم من أيام الشهر الفضيل، عمدت شرطة الاحتلال إلى قطع أسلاك الكهرباء عن مآذن المسجد الأقصى، من خلال اقتحامها لمئذنة باب المغاربة وباب الأسباط بعد خلع الأقفال ومصادرة المفاتيح، تحت حجج وذرائع أن الصوت المرتفع من تلك المآذن يشوش على الاحتفالات التي تجري في منطقة حائط البراق فيما يسمى بـذكرى الكارثة والبطولة، وهذا أثّر على صلاتي العشاء والتراويح في الأقصى، وتكرر نفس الفعل والممارسة في اليوم الثاني، وترافق ذلك مع منع إدخال وجبات الإفطار إلى الصائمين في المسجد الأقصى.

وهذا مؤشر على أن ما جرى من عملية تقسيم للحرم الإبراهيمي في الخليل سيجري تنفيذها في المسجد الأقصى، في ظل حالة انهيار وهرولة تطبيعية لنظام عربي رسمي منهار ومتعفن وشريك في مخططات الاحتلال، حيث هناك من اتبع منهم بالديانة الإبراهيمية ووقع اتفاقيات "ابراهام" التطبيعية، أي حق أتباع الديانات بالوصول للأماكن المقدسة والصلاة فيها، وهنا تعبير عن حق لليهود في الأقصى، الذي هو مكان مقدس لأتباع الديانة الإسلامية حصرياً دون غيرهم، وبمساحته المعروفة بـ144 دونمًا، وبما يشمل ساحاته ومصاطبه وقبابه ومآذنه.

في ظل الهجمة والحرب المستعرة على القدس والمقدسيين، وبعد الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وجدنا أن كل الأحزاب والقوى الفلسطينية والسلطة الفلسطينية يقولون إنه لا انتخابات بدون القدس، وتركت العبارة عائمة ومبهمة وحمالة أوجه.

البعض فسر ذلك بأن تجري الانتخابات وفق ما جرى الاتفاق عليه في اتفاق أوسلو، أي أن ينتخب عدد محدود من المقدسيين كما جرى في انتخابات المجلس التشريعي عامي 1996 و2006 في مراكز البريد الإسرائيلية، على أن ينتخب الباقي في مراكز انتخابية في ضواحي مدينة القدس، أي خارج سيطرة بلدية الاحتلال. وهذا يعني مشاركة منقوصة ورمزية وفق شروط وإملاءات الاحتلال ورؤيته وتعريفه بأن القدس موحدة وعاصمة لدولة الاحتلال، وأنه لن يسمح بأي سيادة أخرى عليها، أو إجراء انتخابات فيها، في حين أنه في ظل ما يجري من تهويد بحق المدينة، وخاصة بعد نقل السفارة الأمريكية إليها والاعتراف بها من قبل أمريكا عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل عدد من الدول الهامشية سفارتها إلى القدس، وفي ظل الهرولة التطبيعية العربية، فإن مسألة مشاركة المقدسيين في الانتخابات التشريعية، هي ليست مسألة تقنية، بل هي تعبير عن موقف سياسي يجب العمل على تثبيته من زاوية كسر التعريف والرؤيا الإسرائيلية بأن القدس موحدة وعاصمة لدولة الاحتلال، وكذلك تكريس قرارات الشرعية الدولية بأن القدس محتلة وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وكذلك فض وشطب صفقة القرن الأمريكية.

مشاركة المقدسيين في الانتخابات التشريعية انتخاباً وترشيحاً وعبر صناديق انتخابية تفتح في القرى والبلدات المقدسية الموجودة ضمن ما يسمى بـ(قدس 1)، 21 تجمعًا مقدسيًا تخضع لسيطرة بلدية الاحتلال، والحق في ممارسة الدعاية الانتخابية تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية بالضرورة أن لا تكون خاضعة لأي مساومة، لأن خلاف ذلك يضرب مصداقية السلطة والقوى والأحزاب، ويكشف أنها توظف قضية القدس لخدمة أجندات وأهداف ومصالح انتخابية، وكذلك عدم مشاركة المقدسيين في هذه الانتخابات على هذا الأساس يضرب وحدة الشعب والأرض والدستور وكذلك وحدة المرجعية الوطنية والقانونية والتاريخية.

ولذلك العودة بالمقدسيين ومشاركتهم في الانتخابات التشريعية وفق اتفاق أوسلو أو حتى أقل من ذلك يعني التسليم الكامل بالشروط والإملاءات الإسرائيلية والتكيف معها، باعتبار سكان القدس مجرد رعايا في دولة الاحتلال حتى بدون حقوق، والانتخابات في القدس إذا صحّت الأقوال بأننا ماضون لعقد الانتخابات في القطاع والضفة والقدس، يجب أن تتحول إلى حالة من الاشتباك السياسي والشعبي والجماهيري والعالمي مع دولة الاحتلال، بحيث تفضحه وتعريه، وإذا ما منع إجراءها، حينها يجب تحديد موقف فلسطيني واضح من الانتخابات والبحث في آلية تمثيل المقدسيين فيها.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: