عوامل الانتصار في قضية الشيخ جراح كبيرة

عوامل الانتصار في قضية الشيخ جراح كبيرة

بكل الطرق والوسائل عملوا ويعملون ليل نهار على تفكيك جدار المناعة والتحصين لنسيجنا الوطني والمجتمعي في القدس،و كذلك استخدموا كل طرقهم وجندوا كل مؤسساتهم الأمنية من شرطة وشرطة جماهيرية وأجهزة مخابرات والأجهزة المدنية من بلدية ووزارة معارف في محاولة "كي" و"صهر" و"تطويع" إلى "تجريف" وعي شبابنا وإخراجهم من معادلة الصراع، وبما يضمن السيطرة على ذاكرتهم الجمعية، وبما يزعزع ثقتهم وقناعاتهم بنضالاتهم ومشروعية حقوقهم وثوابتهم.

وفي إطار نشر حالة فقدان الثقة واليأس بين صفوف أبناء شعبنا في القدس، ودفعهم نحو الاحتراب الداخلي، وتصوير المقدسيين على أنهم تجار وسماسرة وبائعو أرض وعقارات، استغلوا وجود العديد من الحثالات ممن تجردوا من كل قيم ومعاني الانتماء الوطني والديني والأخلاقي في تسريب العديد من الأراضي والعقارات في بلدة سلوان والبلدة القديمة على وجه التحديد، كي يشرعنوا عمليات البيع وتهويد المدينة وأسرلتها.

ولكن رغم كل مئات الملايين وحتى المليارات التي صرفت في هذا الاتجاه، 875 مليون شيكلخصصت لأسرلة العملية التعليمية في القدس من أصل 2 مليار شيكل في الخطة الخماسية لحكومة الاحتلال 2018 -2023 الهادفة إلى دمج المقدسيين في المجتمع والاقتصاد الإسرائيلي بعد تحويلهم إلى جزر متناثرة في محيط إسرائيلي واسع، جاءت الهبات الشعبية المقدسية الأخيرة، هبتا باب العامود وحي الشيخ جراح، لتؤكد بأن الجيل الذي راهن المحتل على تطويعه وتركيعه وغسل أدمغته ومحو ذاكرته، جيل ما بعد أوسلو، هو الجيل الأكثر جرأة والأكثر مشاركة في كل الأنشطة والفعاليات الشعبية المقاومة بدءاً من الاعتصام إلى المسيرة، فالمظاهرة، فالاشتباك المباشر مع شرطته وجيشه ومستعربيه ومستوطنيه، في كسرٍ لحاجز الخوف.

ولذلك حاول المحتل الذي شعر بفقدان هيبته وتحقيق المقدسيين لنصر على مخططاته ومشاريعه الرامية لعبرنة وتهويد ساحة باب العامود الشهيرة التي حول اسمها إلى اسم مُستوطنتين قتلتا في عمليتي مقاومة فلسطينية في عامي 2016 و2017 ساحة "هداس ملكا" و"هدار فهداس"، والسيطرة على المكان بعد سيطرة شرطته على باب الخليل وباب المغاربة، أن يجهض هذا النصر وينقل المعركة إلى الداخل الفلسطيني، هذا المحتل الذي سعى ويسعى إلى قتل الحركتين التجارية والاقتصادية في البلدة القديمة تمهيداً لتفريغها، ولكي تصبح مكشوفة أمام الجماعات التلمودية والتوراتية في ذهابها إلى ساحة حائط البراق" من أجل أداء طقوسهم وترانيمهم الدينية التوراتية، وكذلك من أجل تسهيل عمليات الاقتحام للأقصى والسيطرة عليه، وبما يغير من وضعه القانوني والتاريخي والديني ويقسمه زمانياً ومكانياً.

ولذلك سعى وعمل المحتل عبر بلديته وأجهزة مخابراته وشرطته وأذرعه في المدينة من شرطة جماهيرية ولجان إصلاح مرتبطة به ومراكز جماهيرية إلى تحويل الساحة التي أجبره الشبان المقدسيون على فتحها بعد إغلاقها إلى ساحة لا يجلس فيها الشبان للقيام بأنشطة وفعاليات ثقافية وفنية وتراثية وترويحية تؤكد على أصالة وعروبة وإسلامية هذا المكان إلى ساحة يستخدمها أصحاب البسطات، هذا المحتل سبحان الله، بقدرة قادر أصبح حريص على أرزاق الناس وعلى منفعتهم الاقتصادية، وهو من يطارد أصحاب البسطات ليل نهار في المدينة وينكل بهم ويصادر بضائعهم ويفرض عليهم الغرامات، حيث استجلب عددًا من أصحاب البسطات إلى الساحة، كي يحول الصراع إلى صراع داخلي ما بين الشبان والفتيان القائمين على الهبة، وبين أصحاب تلك البسطات المدافعين عن مصالحهم وتجارتهم، ناهيك عن بث ونشر الأكاذيب عبر جهات مشبوهة والمحجور على عقولهم والمتكلسة أدمغتهم بأن هذا المكان يجري استخدامه من قبل شبان وفتيات وبما يتعارض مع قيمنا الأخلاقية ومعتقداتنا الدينية.

ولأن هبة باب العامود تزامنت مع هبة أهالي الشيخ جراح "كرم المفتي" الـ28 عائلة المهددة منازلهم بخطر الاستيلاء عليها في أبشع عملية طرد وتهجير واقتلاع وتطهير عرقي يشهدها العصر الحديث تطال 550 مواطنًا مقدسيًا من أصل 2200 مقدسي يسكنون تلك المنطقة ..."بروفا" تحقيق الإنجاز والانتصار وخوض المقدسيين ومعهم أهلنا وشعبنا في الداخل - 48- بشكل شعبي واسع وليس نخبوي ومشاركة جماهيرية محدودة جداً وإسناد ذلك من خلال فعاليات شعبية وجماهيرية لشعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي ذهبت مقاومتها إلى حد إسناد هبات القدس بالنار، حيث خرجت فصائل مقاومة مهددة ومتوعدة بأنها لن تسمح بطرد وتهجير سكان حي الشيخ جراح وغيره من الأحياء المقدسية ولا بتغيير طابع المدينة وهويتها ومعالمها وتاريخها أو المس بالمسجد الأقصى وتقسيمه، وأطلقت مجموعة من الصواريخ على مغتصبات غلاف غزة، كي تؤكد بأنها لن تصمت وصمتها آخذ في النفاد، ولعل الظهور النادر لقائد الجناح العسكري لكتائب القسام المجاهد محمد ضيف وتهديده بأن صبر المقاومة قد نفد، يؤشر على أن المقاومة الفلسطينية باتت ممتلكة لقوة وعوامل الردع، وكذلك لجم ووقف حالة "التغول" و"التوحش" التي يقوم بها الاحتلال بحق القدس وأحيائها ومقدساتها وفي مقدمتها المسجد الأقصى.

حرب حيكرم الجاعونيفي  الشيخ جراح مع المستوطنين بدأت مبكرًا من بعد حرب حزيران حيث سيطر المستوطنون على أحد منازل الحي العائدة لعائلة الشنطي الذين كانوا في زيارة لأقاربهم في الكويت، وحولوا هذا المنزل إلى مكتب للجماعات التلمودية، ومن بعد ذلك وبالتحديد وفي إطار مخططات تهجير سكان الحي من أجل إقامة مشروع استيطاني مكانه، وبما يشمل تشكيل حزام استيطاني كامل يعزل قرى شمال مدينة القدس عن قلب مدينتهم، قرى أحياء الشيخ جراح وشعفاط وبيت حنينا.

ففي عام 1972 رفعت الجماعات الاستيطانية قضية على أهالي حي الشيخ جراح "كرم المفتيمن أجل إخلاء أرضهم، تحت حجج وذريعة بأن تلك الأرض تعود ملكيتها لليهود، وكل سكان الحي المحامي اليهودي "توسيا كوهين" للدفاع عنهم، حيث اكتشفوا بأن هذا المحامي قد باع قضيتهم، حيث وافق على اعتبار أرض أهالي الشيخ جراح أملاك يهودية مقابل إيجارات محمية لأصحابها الأصليين، وفور ذلك عملوا على عزله، ولكن الجمعيات الاستيطانية استمرت في ملاحقة السكان من أجل إخلائهم عبر محاكم الاحتلال بدرجاتها الثلاث صلح ومركزية وعليا، وقد نجحت عبر تواطؤ تلك المحاكم ورفضها البت في الأوراق والمستندات الثبوتية التي قدمها السكان وتثبت حقهم في ملكية أرضهم، ولكن هذه المحاكم لا تستند إلى قانون، بل إلى أهداف سياسية بحتة، سيطر المستوطنون على منازل عائلات حنون وغاوي والكرد في عامي 2008 و2009.

هذه الأرض التي يدعي المستوطنون ملكيتها جرى إسكانهم فيها بعد تهجيرهم من مدنهم حيفا ويافا والقسم الغربي من المدينة وغيرها من المدن الأخرى خلال نكبة عام 1948، فقد جرى اتفاق بين وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية سابقاً وبين وكالة الغوث واللاجئين "الأونروا" وسكان الحي عام 1956 على إسكانهم في تلك المنطقة مقابل تنازلهم عن حقوقهم كلاجئين، أي نزع صفة اللجوء عنهم، بحيث يقومون بدفع إيجار رمزي لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم يجري تمليكهم للأرض، ولكن إجراءات التفويض ونقل الملكية تعثرت بسبب قيام حرب حزيران العدوانية 1967، وقضية الشيخ جراح التي استمر أهلها في النضال والصمود في بيوتهم وعلى أرضهم، مستمرة في محاكم الاحتلال منذ 49 عاماً، حيث تسعى الجماعات التلمودية إلى تهويد الحي وغيره من الأحياء المقدسية الأخرى.

محكمة الاحتلال أمهلت أربع عائلات هناك الكرد والقاسم واسكافي والجاعوني حتى 2/5/2021 من أجل إخلاء بيوتهم وتسليمها للمستوطنين، وحاولت قاضية المحكمة العليا الصهيونية جر أصحاب تلك البيوت لعقد صفقة يعترفون من خلالها بملكية المستوطنين لأرضهم مقابل إيجار محمي لمدة معينة، ولكن سكان حي الشيخ جراح رفضوا أي مساومة على حقوقهم في أرضهم، حيث ستنظر يوم الإثنين القادم ما يسمى بمحكمة العدل العليا الصهيونية في القضية مجدداً بلجنة من ثلاثة قضاة.

ما يمنع طرد وتهجير سكان حي الشيخ جراح، ليس المسار القانوني، فنحن نعرف بأن القضاء الصهيوني وما يتفرع عنه من محاكم في خدمة المشاريع والمخططات الاستيطانية، بل المسار الشعبي، مسار الاشتباك الشعبي الجماهيري الواسع المدعوم بإسناد سياسي ودبلوماسي وحقوقي وقانوني وتضامن شعبي عربي إسلامي، ونصرة دولية من كل المضطهدين والمظلومين في العالم، ومن ينتصرون حقاً للإنسانية والبشرية.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: