المقدسيّ باسل عمد .. يحوّل النحاس والحديد لقطع فنية منذ 38 عاما
"أنا في الستينيات من عمري، صحيح أنني بدأت بالتعب .. لكنّني لا أستطيع أن أترك هذا العمل، فهو كالهواء الذي أتنفّسه في هذا الكون، ولن يوقفني عنه سوى الموت".
باسل عمد المقدسيّ الذي يقوم على تجميع النُحاس والحديد وما تلف من المركبات ومواد البناء وورشات العمل، ليُخرج منها تُحفًا فنية، تفوق تصوّرك، فكيف لملعقة تالفة أو شوكة أسنانها معوجّة أن تُصبح تُحفة في منزلك.
منذ أن كان شابّاً يافعاً في مقتبل العمر، بدأ بعمل شيء قال عنه بسيطاً وليس احترافياً، من خلال زجاجة وضع بداخلها سفينة من الخشب والخيوط التي قام بنفسه في عملها من خلال البحث والقراءة في الكتب الخاصة بالسفن الشراعية، ولكنه لم يقل لنا عن السرّ في كيفية إدخال السفينة داخل القارورة، وقال إنه "سر المهنة".
يقول "أبو عبد الكريم" في حديثه إنه كان يدرس إدارة الأعمال خارج فلسطين في إنجلترا أواخر السبعينيات (1979)، وعندما كان متواجداً في إحدى المكتبات لفته القسم الخاص بالأعمال اليدوية، حتى قرّر بشكل عفوي أن يصنع تلك السفينة السالفة الذكر، وهنا بدأت رحلته.
لكن العم أبا عبد الكريم توقّف عن ذلك عندما تزوج وكوّن لنفسه عائلة عام 1984، وفي أوائل التسعينيات عاد مجّدداً، فما زال هذا الشيء يجري في عروقه، فهي موهبة ربّانية لا يُمكن تجاهلها.
يقول عمد: "أوّل ما بدأت العمل بعد عودتي من خلال النحاس، عن طريق تجميعه وعمل شيء مميز من خلاله، وهو ما يسمّى بـ"إعادة التدوير"، وهذا باب واسع جداً، ويُمكن لك أن تستخدم أي شيء وتُعيد صنعه من جديد لتُخرج منه شيئاً آخر، لكن الجمال يكمن في كيفية إخراج القطعة "المدوّرة".
يستخدم "أبو عبد الكريم" عدّة مواد في إعادة التدوير، من النحاس، الصاج، الحجر، مواد البناء، حديد، والعملة القديمة المُلغاة حيث استخدمها وعمل منها ميداليات وإكسسورات.
"كان الناس يستغربون من تصرّفاتي حينما أقوم بالبحث بجانب الورشات عن أي قطعة يُمكن أن تخدمني فيما أخطّط له، ويقولون هذه "قُمامة" ماذا يُريد أن يفعل بها، حتى "الجلول"-الكرات الزجاجية- التي يستخدمها الأطفال في اللعب، استخدمتها أيضاً في عملي"، يقول عماد.
..
رغم أن "أبا عبد الكريم" لا يُتقن فن الرسم، لكنه يرسم من خلال المعادن، ويُمكن أن تُحْضر له أي رسمة أو لوحة ليقوم بإخراجها لك بطريقة مميّزة من خلال المعدن تضعها في مكتبك في العمل أو في بيتك، أو تُهديها لعزيز عليك فتترك ذكرى مميّزة لديه.
عمل باسل عمد 38 عاماً في هذه المهنة، ففتح ورشة له في بلدة شعفاط شمالي القدس المحتلة، ورغم أنها ليست مهنته الرئيسية التي يحصل منها على مصروف بيته وقوت يومه، إلّا أنه لا يستطيع تركها، على حد قوله.
ويوضح أن هذا العمل بـ"دمه"، حيث يقوم بعمل قطعة واحدة يومياً، ومن حيث التعب، يقول عماد إن العمل في إعادة التدوير يحتاج تفكيراً وجُهداً وتميّزاً.
في أحد المعارض التي شارك فيها "أبو عبد الكريم" عرض قطعة "بائع العرقسوس" -الحجم الكبير- بطول 55 سم، واستغرقت معه 10 ساعات من العمل "غير المتواصل".
يُلفت هنا إلى أن قلّة من الناس الذين يقدّرون هذا الفن والتّعب، ويعْتب على أصحاب المحال التجارية ممن يبيعون التحف والهدايا للسياح وغيرهم، الذين لا يقدّرون فنّه.
ويقول إنه لا وجود لجهات معيّنة تقوم بتبنّي المشاريع الخاصة بإعادة التدوير، ودعم مواهب الشبان الصغار، فما فائدة هذا العمل إن لم يخرج إلى النور ويُعرض ويُباع أيضاً.
باسل عمد مقدسي لديه ثلاثة أبناء وأحفاد، يفخرون بموهبته وبما يقوم به، ويزيّن لهم المنزل ما بين الحين والآخر بقطع فريدة مميّزة، لا يُهمّه ما إن بيعت تُحفه، ولكنه لا يقبل بالتخلّي عنها أو عن العمل في إعادة التدوير من خلال المعادن كونها كـ"الأكسجين الذي يتنفّسه"، كما يقول.
. . .