اتفاق أوسلو وتبعاته على المقدسيين
القدس المحتلة - القسطل: شكل اتفاق أوسلو نكسة ونكبة جديدة للفلسطينيين الذين يتطلعون للتحرر من الاحتلال، خاصة المقدسيين الذين كانوا ينتظرون من منظمة التحرير الفلسطينية موقفاً ثابتاً من القدس التي كانت في خطاباتهم وأحلامهم عاصمة للدولة الفلسطينية التي لم تقم بعد.
أوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي والمقدسي محمد هلسة خلال حديثه مع "شبكة القسطل" أن القدس كان يُنظر لها كمنطقة محتلة، وفق القرار 242، وهو ما مكن المقدسيين من الوقوف في وجه الكثير من الإجراءات التي حاولت "إسرائيل" من خلالها فرض وبسط سيادتها على المدينة المقدسة؛ بحكم أن جزءا كبيرا من العالم والمؤسسات الدولية بقيت تتعامل مع القدس الشرقية تحديداً كمنطقة محتلة. والخطأ الاستراتيجي الذي وقعت به السلطة الفلسطينية في عام 1993م، هو تأجيل القدس ضمن قضايا الحل النهائي. في ظل أن مناطق الضفة المحتلة في غالبيتها أو حتى الجغرافيا الفلسطينية ما بعد حدود عام 1967م، قسمت إلى ثلاث مناطق إدارية أمنية؛ منطقة "أ" ومنطقة "ب" ومنطقة "ج"، والقدس تركت خارج هذه المعادلة، وتم تأجيلها مع قضايا الحل النهائي كالمستوطنات والحدود وغيرها.
وفي حديثه مع شبكة القسطل أكد الباحث والمحلل السياسي مازن الجعبري أنه بتوقيع اتفاق أوسلو، والاتفاقيات الملحقة بأوسلو والبروتوكول الملحق بأوسلو الذي له علاقة بقضايا مختلفة منها مثلاً التنسيق الأمني والاتفاق التجاري وقضايا أخرى لها علاقة بالانتخابات تم فصل موضوع القدس بشكل كامل من ناحية سياسية وسكانية واقتصادية واجتماعية عن الضفة الغربية. وبناءً على اتفاق أوسلو وبعد التوقيع على اتفاق أوسلو "إسرائيل" سنت مجموعة من القوانين التي تمنع السلطة الوطنية الفلسطينية من العمل في مدينة القدس، وحالياً "إسرائيل" تتعامل مع أي عمل للسلطة الفلسطينية بأنه "عمل معادي" في منطقة القدس، ولا تسمع بوجود أي سلطة غير السلطة "الإسرائيلية" في مدينة القدس.
قال الجعبري: استغل الاحتلال هذا الاتفاق لمنع المؤسسات الفلسطينية من التواجد في مدينة القدس، ونحن نذكر أن "إسرائيل" أغلقت عشرات المؤسسات منذ توقيع اتفاق أوسلو، لأسباب مختلفة، ولكن السبب الرئيس أن هذه المؤسسات فلسطينية وتعمل على صمود الفلسطينيين في مدينة القدس، على سبيل المثال: بيت الشرق الذي كان المقر شبه الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس، والتي بدأت منه مفاوضات المرحلة الانتقالية، وهذا المكان كان مقر الوفد الفلسطيني المفاوض في بداية مرحلة التسوية السياسية، وأيضاً تم إغلاق الغرف التجارية والموجودة قبل عام 1950 أي قبل الوجود الأردني وقبل الاحتلال "الإسرائيلي". وأيضا تم إغلاق عشرات المؤسسات الأخرى الأهلية والتي يتم إغلاقها حتى الآن، بالإضافة إلى منع أغلب النشاطات الفلسطينية المتنوعة سواء السياسية والثقافية والرياضية وفي بعض الأحيان حفلات التأبين. كل تلك الأنشطة يتم منعها انطلاقاً من الاتفاق الموقع بين السلطة الفلسطينية و "إسرائيل" التي شرعنت بناءً على الاتفاق قوانين أخرى للتضييق على الفلسطينيين في مدينة القدس.
كيف دفع المقدسي الثمن غالياً من توقيع اتفاق أوسلو
ترتبت على توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال "الإسرائيلي" آثار سلبية دفع ثمنها الفلسطينيون في كل أماكن تواجدهم، وكان الفلسطيني في مدينة القدس أحد أكثر الخاسرين من توقيع هذه الاتفاقية، وهنا لا تقتصر الآثار السلبية على بعد واحد، بل تعددت الآثار السلبية منها ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي وقانوني.
كيف ضيق اتفاق أوسلو على المقدسيين مشاركتهم في الانتخابات الفلسطينية؟
وفقاً لدراسة صدرت عن المركز الدولي للدراسات القانونية بعنوان: " آثار اتفاقية أوسلو على إجراء الانتخابات الفلسطينية العامة في مدينة القدس المحتلة" في ضوء الاتفاقيات التي وقّعتها السلطة الفلسطينية مع سلطات الاحتلال "الإسرائيلي"؛ فإن اتفاقية أوسلو وملحقاتها أفرزت مشاركة "شكلية" للمقدسيين في العملية الانتخابية داخل شرقي القدس، حيث إن القدرة الاستيعابية لستة مكاتب بريد تحتوي على (12) محطة انتخابية لا تتجاوز (6300) مقترع في اليوم الواحد من أصل 175.409 ألف مقدسي تُقدر لجنة الانتخابات أنهم مؤهلون للاقتراع، أي أن هذه المراكز لا تستطيع استيعاب سوى (3.6%) من المقدسيين.[1]
وأكّدت الدراسة أن الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال تضمّنت شروطاً مجحفة وغير عادلة، وخلقت واقعاً مضنياً يحرم المقدسيين في شرقي القدس المحتلة من أقدس حق سياسي لهم وهو المشاركة في انتخاب من يمثلهم، وصادرت فهم السيادة الفلسطينية على كل مكونات العملية الانتخابية. كما أخرجت أوسلو غربي القدس من سيادة الفلسطينيين عليها وحق انتخاب المقدسيين فيها من الانتخاب والترشح، وهي ما تمثل 84% من مساحة القدس التاريخية.[2]
واستنتجت الدراسة أن السلطة انتزعت صلاحية لجنة الانتخابات، بالتنسيق مع سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" وفقاً للملحق الثاني، ومنحت تلك الصلاحيات لوزارة الشؤون المدنية، إضافة كونها لم تضمن حرية عمل لجنة الانتخابات، حيث تعرضت مكاتبها للمداهمة، وأغلقت أبوابها بالقوة في مراتٍ مختلفة، وصدرت أوامر من سلطات الاحتلال بعدم السماح لموظفي لجنة الانتخابات المركزية بالعمل داخل مدينة القدس، وقد تكرر هذا السلوك في انتخابات عام 2005 و2006.[3]
ووصفت الدراسة الشروط التي وافقت عليها منظمة التحرير والسلطة والتي وردت في بروتوكول إجراء الانتخابات في مدينة القدس المحتلة بالمجحفة وغير العادلة، حيث إنها سمحت بإشراف شرطة الاحتلال على الانتخابات وبإشراف موظف بريد "إسرائيلي"، وبذلك تتحمل السلطة المسؤولية سياسياً وتاريخياً عن هذه الشروط وعن التقييدات والأزمات التي يصطنعها الاحتلال بهدف إفشال العملية الانتخابية المرتقبة.[4]
الأثر الاجتماعي
مما لا شك فيه أن أحد أخطر إفرازات اتفاق أوسلو هو الفصل التام بين الفلسطينيين في مدينة القدس والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وهو ما جعل المقدسي وحيداً في معركته مع الاحتلال، فكان من الأجدر على قيادة منظمة التحرير ألا تؤجل قضية القدس لقضايا الحل النهائي؛ الذي أعطى المحتل مبرر للتغول وتهويد وأسرلة المدينة المقدسة.
أشار المحلل السياسي الجعبري إلى أن اتفاق أوسلو دشن مرحلة سياسية تحت الاحتلال تميز تماماً بين الفلسطيني الذي يعيش بالقدس وبين الفلسطيني الذي يعيش بالضفة الغربية وبين الفلسطيني الذي يعيش في قطاع غزة، وبالتالي هذا الأمر كان له انعكاس على القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
يرى الجعبري أن اتفاق أوسلو أسس لعزل كامل لمدينة القدس وسكانها الفلسطينيين عن بيئتها الطبيعية وامتدادها الطبيعي في الضفة الغربية وقطاع غزة. فمنذ عام 1993 قامت سلطات الاحتلال بعزل مدينة القدس بشكل كامل، وهذا كان له تأثير كبير على البعد الاجتماعي، كون الفلسطينيين في مدينة القدس لهم امتدادات عائلية مع الضفة الغربية، وهذا خلق مجموعة من المشاكل: أولاً بما يتعلق بلم الشمل، لدينا آلاف الأسر في مدينة القدس التي قطعت بهم السبل بسبب عدم قدرتهم على الحصول على لم الشمل، فهم يحصلون فقط على تصاريح إقامة. وهؤلاء يواجهون مجموعة من المعضلات وفي كثير من الأوقات لا يستطيعون زيارة عائلاتهم الموجودة في الضفة الغربية، بسبب قانون تقييد لم الشمل وهو قانون عنصري يتم من خلاله تقليص أعداد الفلسطينيين بما يسمى بـ دولة "إسرائيل" وهو إحدى إفرازات اتفاق أوسلو.
أكد الجعبري أن اتفاق أوسلو جاء كمرحلة انتقالية والذي تم فيه استبعاد كل القضايا الرئيسة بما فيها قضية القدس، والتي بقيت شأنا "إسرائيليا"، حيث فقد الفلسطينيون التأثير فيها أو التحدث عنها، وهذا كان له تأثير كبير فيما بعد، كعزل مدينة القدس بشكل كامل عن الضفة الغربية، والتضييق على الفلسطينيين بطرق مختلفة خاصة بالموضوع التجاري، ونحن نعلم أن القدس هي مركز التجارة الفلسطينية بالنسبة للضفة الغربية، وهي المركز الذي تدور حوله كل القضايا الفلسطينية النقابية والسياسية والمؤسساتية والأهلية والطلابية والتاريخية والثقافية، كل هذا تم قطعه تدريجياً بعد التوقيع على اتفاق أوسلو بما فيه عزل القدس بشكل كامل عن الضفة الغربية وتم وضع حواجز ومداخل عسكرية على مدينة القدس بحيث يتم حصارها وعزلها ومنع الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة من التوجه إلى مدينة القدس بدون تصريح من سلطات الاحتلال. هذا بالمقابل كان له تأثير على حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية وكان له تأثير أكبر من خلال كيفية تعامل السلطة الفلسطينية مع المقدسيين.
يرى المحلل السياسي الجعبري أن هناك مشكلتين في هذا المضمار: المشكلة الأولى السياسات والتضييقات "الإسرائيلية" بالإضافة إلى التوجهات "الإسرائيلية" في مدينة القدس القاضية بتهويدها وأسرلتها وجعلها عاصمة لدولتها. ولكن من جهة أخرى عدم توفر الإرادة السياسية الفلسطينية عند المستوى الرسمي للعمل في مدينة القدس لمواجهة هذه الإجراءات "الإسرائيلية" التي جعلت المرحلة الانتقالية من اتفاق أوسلو مرحلة أبدية، ويبدو أن الفلسطينيين في المستوى الرسمي موافقون على هذا الطرح "الإسرائيلي" واكتفوا فيه وبقينا نحن نعيش ضمن المرحلة الانتقالية والتي هي ضمن تقييدات أمنية وسياسية واقتصادية "إسرائيلية" تلفها اتفاقيات غير متساوية وغير منصفة للفلسطينيين، وحتى أنه أصبح طابع التعامل مع الاحتلال هو طابع أمني للأسف. كل هذا كان له تأثير كبير على الفلسطينيين في مدينة القدس، خاصة بما يعلق بالعمل والتجارة والاستثمار والاقتصاد.
الأثر الاقتصادي
ساهم اتفاق أوسلو وبعض القوانين التي سنتها السلطة الفلسطينية في التضييق على المقدسيين اقتصادياً، مما أضاف حملاً إضافياً ثقيلاً على الفلسطينيين داخل المدينة المقدسة، بدلاً من إنعاش الاقتصاد المقدسي ودعم صمودهم أمام جبروت المحتل.
يعتقد المحلل السياسي أن هناك كثيرا من المؤسسات الفلسطينية فضلت العمل في ضواحي مدينة القدس هروباً من كثرة الإجراءات "الإسرائيلية" خاصة ارتفاع نسبة الضرائب بشكل كبير ومستوى المعيشة المرتفع الذي يؤثر بشكل كبير على طبيعة الاستثمار الفلسطيني في القدس، والذي يواجه تحديات ومصاعب كبيرة بسبب اختلاف الوضع الاقتصادي بين الفلسطينيين و "الإسرائيليين" لذلك لجأ كثير من الفلسطينيين للهروب ونقل استثماراتهم إلى مناطق الضفة الغربية خاصة المناطق التي تعرف بـمناطق "C"، أو ضواحي القدس أو مناطق قريبة من مدينة القدس.
أفرز اتفاق أوسلو قوانين سلبت المقدسي من فلسطينيته وحقوقه المدنية، خاصة القرار الذي يعطي للأجهزة الأمنية الحق بالموافقة والرفض على عقود الاستئجار الاستثمار لحملة الهوية الزرقاء في الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية.
أشار الجعبري إلى أن التأثير الكبير على الفلسطينيين من اتفاق أوسلو كان يتعلق بموضوع شراء المباني والعقارات والأراضي في الضفة الغربية، ونحن نعلم أنه تم فرض تصنيف على الفلسطينيين في مدينة القدس والفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 أنه يتم التعامل معهم كأجانب، لأنهم حينما يقدمون على شراء أراضي أو عقارات أو أن يريدون الاستثمار فإنهم بحاجة إلى تصريح أمني، وهذا التصريح الأمني فيما معناه أنك أنت فلسطيني تعيش في دولة أجنبية.
يقول المحلل السياسي الجعبري أن هذا الإجراء تم تخفيفه خلال الحكومة الأخيرة، وحتى أنني سمعت أنه تم إلغاء الحصول على التصريح الأمني المسبق للمقدسيين. ولكن لا شك أن اتفاق أوسلو ضيق على الفلسطينيين بشكل كبير في عديد من الجوانب، الأول: عدم وجود مرجعية للفلسطينيين في مدينة القدس، لأنه قبل إغلاق بيت الشرق وقبل وفاة فيصل الحسيني كانت هناك مرجعية للفلسطينيين وكان بيت الشرق هو بمثابة حكومة محلية في مدينة القدس، يتوجه له المقدسيون في شؤونهم المختلفة السياسية والاقتصادية وقضايا أخرى مختلفة لمتابعة قضاياهم. وبإغلاق بيت الشرق تم عمل العديد من المرجعيات وهذا يعود للوضع السياسي الفلسطيني، لأننا نحن نعيش تحت سيطرة فئوية بالضفة الغربية وقطاع غزة، والطرفان لا يؤمنان بالشراكة السياسية، خاصة في الضفة الغربية التي يحكمها الحزب الواحد، الذي يسيطر على كل مفاصل الحياة، وهذا ما يمنع أن يكون هناك مرجعية واحدة في مدينة القدس، ونحن نرى وجود أكثر من مرجعية في مدينة القدس، ولكنها جميعها تتبع للون فئوي واحد للأسف، وهذا كان له تأثير كبير على الفلسطينيين في مدينة القدس.
أوضح الباحث هلسة أنه بما أن القدس تركت لقضايا الحل النهائي، إذن لا وجود لإطار ناظم لعلاقة السلطة بهؤلاء سوى ما تقوم به السلطة من قضايا ارتجالية بحكم ما يطرأ على الأرض كقضية تأجير المقدسيين في الضفة المحتلة، فالقرار الذي صدر عام 2019 ونص على ضرورة حصول الفلسطيني حامل البطاقة "الإسرائيلية" الزرقاء على إذن من الجهات الأمنية للسلطة إذا رغب باستئجار عقار في مناطق السلطة، والذريعة التي ساقتها الحكومة حينها لمثل هذا القرار أنه قرار أمني إداري نتيجة اتخاذ بعض المقدسيين لمناطق السلطة كساحة لتنفيذ أجندات أو إفساد أو تخريب أو غيرها من الحجج، وهذا قرار كان بغير مكانه وقرار صادم عزل المقدسيين في الوقت الذي كان على الحكومة أن تبحث عن بناء قنوات وجسور تبني علاقتها مع المقدسيين، تعيد المقدسيين إلى حضن الجغرافيا الفلسطينية، والامتداد الوطني والاجتماعي لبقية الأراضي الفلسطينية. معروف أن الفلسطينيين في مدينة القدس حملة الهوية المقدسية يقعون تحت طائلة جملة من القوانين العنصرية "الإسرائيلية" وتلاحقهم بجملة من الإجراءات "الإسرائيلية" التعسفية، لتفريغ المدينة المقدسة.
أضاف الباحث هلسة أن السلطة الفلسطينية من خلال هذا القرار زادت الطين بلة وتحاصر الفلسطينيين وتدفعهم إلى الحضن "الإسرائيلي"، فهناك بضعة آلاف من المقدسيين تقدموا بطلب الحصول على الجنسية "الإسرائيلية" نتيجة حالة الفراغ السياسي، غياب المرجعية السياسية في مدينة القدس، وهو الخطأ الذي ارتكبته السلطة. والآن السلطة تزيد الأمور تعقيداً من خلال بعض الإجراءات التي تظن واهمة بأنها تحمي من خلالها الأرض الفلسطينية والمواطن الفلسطيني، في حين أنها ترتكب أخطاء تخرج هذا الكم الهائلة من أبناء المدينة المقدسة هذا الامتداد وهذه الجغرافيا الفلسطينية وترميها في حضن "إسرائيل" وتضعها نهباً للإجراءات والعسف "الإسرائيلي".
وأكد هلسة أن بالتأكيد هذا القرار وغيره من الإجراءات تساهم بعزل المقدسي وتدفعه للتفكير بالبحث عن مرجعية أخرى، في ظل غياب المرجعية السياسية الفلسطينية، والرسالة التي تصل إلى المقدسيين من خلال هذه الإجراءات بأننا لا نريدكم بيننا، ولا نريد وجودكم، وابحثوا لكم عن مرجعية إدارية أمنية سياسية أخرى، وهذا بالتأكيد سينعكس اجتماعياً ووطنياً على علاقة المقدسي بمحيطه، ونحن لطالما كنا نتعامل تاريخياً مع القدس كجزء أصيل من الجغرافيا الفلسطينية، وهذه التقسيمات التي فرضها الاحتلال "التقسيمات الإدارية" والتمييز ما بين المقدسي وبين ابن الضفة وبين ابن غزة هي جزء من أمر واقع فرض علينا، ولكننا لا نعترف به ولا يجب أن ننساق خلف هذه المسوغات والاجراءات "الإسرائيلية".
شكلت الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية في التعامل مع المقدسيين ذريعة للاحتلال للاستفراد به، وتهديد وجوده، وهو ما من شأنه أن يضعف حالة الاشتباك والمواجهة مع الاحتلال "الإسرائيلي".
وأشار هلسة إلى أنه من خلال فهم كل إجراء تتخذه السلطة يأتي في إطار هذا الإجراء، المقدسي تركت قضيته مؤجلة، وترك التعاطي والتعامل معه فضفاضاً لا تحكمه أي مرجعية قانونية إدارية وفق الاتفاقيات الموقعة، و "إسرائيل" تتعامل الآن مع المواطن في داخل المدينة المقدسة على أنه مواطن "إسرائيلي" يتبع القوانين "الإسرائيلية" وملزم بتنفيذ القوانين "الإسرائيلية"، لذلك الآن هي تلاحق المقدسيين على أي نشاط يمارسونه داخل أراضي السلطة الفلسطينية أي عمل داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية، وأنت ترى التضييق المفروض على المرجعيات الرسمية داخل المدينة المقدسة، وعلى المؤسسات التي تحاول أن تبقي النفس الفلسطينية والراية الفلسطينية والرواية الفلسطينية في داخل المدينة سواء الثقافية أو التعليمية أو الصحية، هذه الحملة المسعورة التي تريد أن تجتث كل ما له علاقة بفلسطين وبالعرب داخل المدينة المقدسة، والسلطة كجهة رسمية تقف أمام هذا الأمر موقف العاجز لا يمكنها أن تفعل أي شيء، وأنت ترى تسريب العقارات والسيطرة على الجغرافيا الفلسطينية وتهجير السكان وتهويد الأرض الفلسطينية يسير بوتيرة عالية جداً.
الأثر القانوني
شرعنَ اتفاق أوسلو لـ "إسرائيل" أن تسلب وتنهب وتسيطر على المدينة المقدسة، وذلك بعد أن حولها الاتفاق من مدينة محتلة إلى مدينة متنازع عليها بعد أن قبلت منظمة التحرير بتأجيل قضية القدس لقضايا الحل النهائي، وبذلك أصبح المقدسي وحيداً في مقارعة الاحتلال.
أكد الباحث هلسة أن هذا الخطأ الاستراتيجي الفلسطيني الذي ارتكبته القيادة الفلسطينية أدى إلى استفراد "إسرائيلي" وحول القدس من منطقة محتلة في الفهم القانوني الدولي إلى منطقة متنازع عليها وليست منطقة محتلة وهذا بالتأكيد ترك مساحة واسعة جداً لـ "إسرائيل" لتتصرف وتنهب وتقضم وتغير الحقائق على الأرض وهو في رأي البعض ما مهد الطريق أمام إدارة ترامب حينما وصلت للحكم أن تعلن القدس الشرقية عاصمة موحدة لـ "إسرائيل" وأن تنقل السفارة إليها.
وأضاف هلسة أن الفلسطينيين فوجئوا بأنهم عزلوا وبأنهم خرجوا من معادلة الحل حينما تم تأجيل قضيتهم إلى قضايا الحل النهائي، وبالتالي ليس هناك مسوغ قانوني للتعامل مع الفلسطينيين في القدس من قبل السلطة الفلسطينية، وبجزء من نظرتها تجاههم هي تقول وتنادي بأنهم جزء من الشعب الفلسطيني وتدعي بأن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية القادمة، ولكنها في ممارساتها تعلم تماماً بأنها ملزمة بالتعامل وفق الاتفاقية الملزمة "اتفاقية أوسلو" التي تركت الوضع القانوني للمقدسيين لقضايا الحل النهائي.
أنهى المحلل السياسي الجعبري حديثه بالقول: القدس هي الضحية الأولى لتوقيع اتفاق أوسلو، وما يجري الآن في مدينة القدس من تهويد وأسرلة وتهجير وهدم عشرات المنازل كل ذلك يحدث بسبب اتفاق أوسلو، والمقدسيين وحدهم من يواجهون هذه الإجراءات ضمن طاقاتهم وقدراتهم البسيطة. لذلك فإن القدس التي تعتبر العاصمة السياسية والدينية والتاريخية للشعب الفلسطيني كانت هي الضحية الأولى وتم تركها مكشوفة لهذا التغول والجبروت "الإسرائيلي"، فاتفاق أوسلو كان أحد الأسباب الرئيسة لما تعاني منه القدس حالياً من العزلة التي تعيشها وتدمير قطاعاتها الرئيسة الاقتصادية والصحية والتعليمية والتأثير بشكل كبير على نسيجها الاجتماعي. وكان له تأثير أكبر على قطاع التعليم بعد سيطرة سلطات الاحتلال على النسبة الأكبر من هذا القطاع بمدينة القدس وبالتالي فإن ذلك سيكون له تأثير كبير على قطاع كبير من الشباب الذين يتلقون تعليمهم في هذه المنطقة. فالشباب والأطفال هم أول من عانى من اتفاق أوسلو بسبب عمليات الترهيب والترغيب والتغريب عن الامتداد الطبيعي لأبناء شعبهم بالضفة الغربية وقطاع غزة، وكانت هذه إحدى السياسات العنصرية "الإسرائيلية" للتفريق بين الفلسطينيين وبناء حواجز العزل حولهم من خلال جدار الفصل والحواجز العسكرية أو الإجراءات الأمنية المختلفة من أجل تفتيت الشعب الفلسطيني بشكل متواصل، وللأسف فإن القيادات السياسية الفلسطينية استسلمت لهذا الواقع وقبلت به، وقبلت باستمرار الانقسام والضعف الفلسطيني وقبلت بأن تكون القدس هي الضحية الأولى لكل ما جرى منذ عام 1993.
واختتم هلسة حديثه بالقول: ونحن نخسر بشكل يومي القدس ونخسر سكانها نتيجة هذا الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته السلطة الفلسطينية عام 1993 بتأجيلها قضية القدس لقضايا الحل النهائي، سنبقى ندفع فاتورة قاسية سبب هذا الخطأ الاستراتيجي، وسيبقى المقدسي نهباً لنظرة "الإسرائيلي" في التعامل معه، بأنه خاضع للقوانين "الإسرائيلية" التمييزية بحقه، ولا نعلم متى سيستمر هذا الأمر، ونحن في مدينة القدس صراعنا مع المحتل صراع على الزقاق والحارة والدقيقة والثانية، ونأمل بأن لا يطول هذا الأمر وبأن يعود المقدسيون وأن تعود الجغرافيا المقدسية إلى الحضن الوطني الاجتماعي الفلسطيني كجزء من هذا الامتداد الجغرافي وكجزء من الكل الفلسطيني وبأن تتحطم هذه الجدران المصطنعة الإدارية الأمنية التي زرعها الاحتلال والتي ساهمنا بجزء كبير منها بيننا وبين أهلنا في المدينة المقدسة.
[1] موقع صحيفة فلسطين، تحت إشراف أمني وفني إسرائيلي، دراسة: "أوسلو" لا تسمح سوى لـ(3.6%) من المقدسيين بالاقتراع، 31/10/2019.
https://felesteen.ps/p/57610
[2] المرجع السابق.
[3] المرجع السابق.
[4] المرجع السابق.
. . .