معركة القبور في القدس.. الاستيطان يحاول السيطرة بالخيال والوهم
القدس المحتلة- القسطل: يزداد انتشار القبور اليهودية الوهمية في مدينة القدس يوماً بعد يوم، وتنتشر هذه القبور حول الأماكن الدينية المقدسة وحول المسجد الأقصى؛ من أجل إثبات رواية الاحتلال المزورة، ومصادرة الأراضي وتهويد معالم المدينة المقدسة، والعديد من الأهداف الاستيطانية.
وقال نائب مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس ناجح بكيرات لـ القسطل إن "هذه المعركة قديمة ومتجددة ليست فقط على مستوى القدس بل على مستوى فلسطين ككل كما في بيت لحم ونابلس والخليل، وبمجرد الإعلان عن قبر يتم مصادرة الأرض ومن ثم تحويلها إلى حق يهودي".
وأكمل "في الفترة العثمانية وتحديداً عام 1868 استأجر أحد اليهود أرض الجثمانية الوقفية التي تبعد عن المسجد الأقصى حوالي مئة متر؛ من أجل دفن أمواتهم فيها لمدة 100 عام، أي حتى تاريخ 1968.. ولكن عندما دخل الاحتلال صادر كل الأرض، فكانت مساحة المقبرة حوالي 5 دونمات والآن أصبحت حوالي 95 دونماً، وأصبح كل بطن جبل الزيتون مليء بالقبور اليهودية".
ولم تتوقف انتهاكات الاحتلال هنا بل واصلوا سياساتهم وبدأوا بحفر نفق ضخم أسفل هذه المقبرة، يتسع لحوالي 10 آلاف قبر، ويفكرون بالدفن العامودي.
وتابع بكيرات "يمتد هذا النفق من جبل الزيتون وصولاً إلى وادي الربابة في سلوان، أي في المنطقة المحاصرة للمسجد الأقصى، ووصلت القبور إلى زاوية المصلى المراوني ولم يتبقَ إلا مسافة الشارع بحدود 10 أمتار".
معركة عقائدية لإثبات التاريخ والرواية
وأوضح بكيرات أنه عند الحديث عن معركة القبور فهناك 3 مخاطر تهدد المدينة المقدسة، أولاً: إن معركة القبور اليهودية معركة عقائدية لإثبات التاريخ والرواية، يريدون عن طريقها إثبات أحقيتهم بحجة وجود الأنبياء.
وأكمل "هم يحاولون أن يكون هناك قبور ينطلقون منها نحو أهدافهم، فهناك جماعات من المتدينين اليهود يطلق عليهم "القبوريين" ويتراوح عددهم بين 300 ألف إلى 700 ألف، يؤمنون بالأرواح وتناسخها ووظيفتهم فقط البحث عن القبور وإقامة مظاهرات مقابل مبلغ مادي، ويعتقدون أن وجود القبور أهم من الإنسان الحي".
في يومنا هذا، أصبح عدد القبور اليهودية يتجاوز الـ 10 آلاف قبر في منطقة أرض الجثمانية الوقفية ومنطقة "وادي جهنم" في سلودحة، وهذه المعركة مستمرة وتزداد يوماً بعد يوم في قبورٍ يبلغ عمقها 70 سنتيمتراً وطول لا يتجاوز المتر، يسكبون بداخله الإسمنت والحديد ويكتبون عليه أي اسم يهودي سواء دُفن هنا أم لا.
وأكد بكيرات على خطورتها، قائلاً "نحن أمام معركة عقائدية تهدف لإثبات وجود اليهود في المدينة المقدسة منذ القدم، ولإثبات روايتهم بأن القدس مدينة يهودية وتاريخها يهودي، لا يجب أن ننظر إلى هذه القبور بنظرة انتهاك بقدر ما هي نظرة تغيير للرواية وتقديم رواية مزورة، وتغيير التاريخ ومحاربة الوجود العربي والإسلامي في المدينة المقدسة".
معركة لمصادرة الأرض وتغيير الرؤية
وأوضح بكيرات أن "الخطر الثاني هو أن معركة القبور هي معركة لتغيير الأرض ومصادرتها، ولتغيير الرؤية البصرية وإثبات الرؤية اليهودية للوجود اليهودي، فهذه القبور بدأت تزحف كأنها طغيان وفيضان يزحف نحو المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وأصبحنا نشاهد على امتداد العين قبور يهودية ومعالم "إسرائيلية" من أعلام ونجوم وأخشاب وكتابات ورموز عبرية".
وشدد على أن هذه القبور هي الحجة الأقوى لاستيلاء الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، فبمجرد الادعاء بوجود قبر تصادر الأرض فوراً، ويتحول القبر إلى قبور كثيرة.
وأضاف "أذكر عام 1984 كانت هناك منطقة اسمها سلودحة في سلوان وضعوا بها قبر وهمي، وقامت الأوقاف بتسيجها خوفاً من احتلالها... اليوم صودرت جميعها بحدود 39 دونماً وأصبحت مليئة بالقبور".
وأكد أن القصة ذاتها تكررت في منطقة الشيخ جراح، قائلاً "كان هناك قبر ومع الأيام لاحظنا أن هناك محاولة للإدعاء بأن "الصديق شمعون" مدفون في تلك المنطقة، وتطورت الأمور إلى أن وصلنا الآن إلى المطالبة بمصادرة المنازل وترحيل أهالي منطقة حي الشيخ جراح".
ويهدد الخطر ذاته منطقة وادي الربابة في سلوان، بعد أن جاءت قوات الاحتلال إلى المنطقة قبل أيامٍ عدة وادعت وجود قبر بداخلها، وحاصرتها وحولتها إلى بستان.
وشدد على أن تغيير الرؤية البصرية من خلال القبور هو أشبه باستيطان للأموات، وهو استيطان خطير جداً يهدف إلى تهويد الأرض وطمس معالها العربية، ومن أهم الأماكن التي تم تغيير رؤيتها البصرية في القدس مقبرة مأمن الله.
وتابع بكيرات "جرف الاحتلال عظام الشهداء في مقبرة مأمن الله وهرسها بعد أن كانت تحتوي على آلاف آلاف الشهداء، وكانت مساحتها 135 دونم، واليوم لم يتبقَ منها سوى 15 دونماً، فقد تم تهويد المنطقة وطُمست الشواهد العربية الموجودة فيها وتحولت إلى فنادق وأماكن تجارية".
التحضيير لمشروع "الهيكل المزعوم"
وحول الخطر الثالث لهذه المقابر، أكد بكيرات أنها محاولة للتحضيير لمشروع "الهيكل المزعوم" ومن أجل خنق المسجد الأقصى المبارك، ومنع سكان المنطقة من البناء والتوسعة، عزل البلدة القديمة وعزل القدس عن محيطها الفلسطيني المقدسي، والفلسطيني بشكلٍ عام.
وقال بكيرات "نلاحظ أن معركة القبور في القدس تأتي في سياق التحضير لمشروع "الهيكل"، ومعظمها يتواجد بما يسمى بـ "الحوض المقدس" أي على مساحة قريبة من المسجد الأقصى المبارك، وصودرت هذه الأراضي وتحولت إلى مسارات وحدائق توراتية".
وأضاف "اليوم، بدأ الاحتلال بالتضييق على من يسكن في منطقة رأس العامود بالقرب من المقبرة، وتهديدهم بإخراجهم من منازلهم بحجة جلوسهم على مقابر، ونحن نُمنع من الدفن في الجهة الجنوبية من مقبرة باب الرحمة، وتم حصر المقبرة بالأشياك والحواجز حتى لا تتمدد رغم أنها أرض وقفية".
ولم تتوقف الانتهاكات هنا بل أصبح الاحتلال يدعي أن القبور والمقامات العربية والإسلامية هي يهودية، وإذا ما وجد عظام قديمة يبدأ بتغيير مخططات ومصادرة أراضي وتنظيم مظاهرات، على عكس ما يحدث في حال إيجاد عظام وشواهد عربية وإسلامية، كما حدث مؤخراً في جثمان الجندي الأردني الذي وُجد بالقرب من الشيخ جراح.
كيف يمكن مواجهة هذه المعركة؟
وأكد بكيرات أن معركة القبور معركة متحركة وخلفها زحف بشري ينتشر بالقدس في الأعياد وعند الدفن؛ بحجة زيارة القبور، وهذه خطوة هدفها تهويد المدينة ومعالمها بالبشر الذين أقنعوهم من خلال الرواية العقائدية، ومن خلال تغيير الرؤية البصرية، ومن خلال تحضير "الهيكل المزعوم" على أن هذه القبور لهم وهذا تاريخ يهودي عليهم زيارته والاهتمام به بشكلٍ دائم.
ويعتقد بكيرات أن مواجهة هذه المعركة تتم عن طريق، أولاً تعميق الوعي بسيرة وأسماء وأماكن دفن الأجداد الذين استشهدوا ودفنوا في مدينة القدس وفي فلسطين عامة، ثانياً عن طريق المحافظة على هذه المقابر وترميم ما وُجد منها وإعادة صياغة الشواهد وإبقاء اللغة العربية هي اللغة الناطقة أمام محاولات التهويد والرموز العبرية.
والحل الأهم والثالث هو عن طريق تشكيل هيئة إسلامية موحدة بين الفلسطينيين وبالذات في القدس للتعامل مع وزارة الأوقاف الإسلامية بالقدس وفي فلسطين وبالعالم من أجل رصد الانتهاكات سواءً بالقبور أو بالهدم أو بالإخلاء وفضح هذه السياسات.
. . .